من الأمور المُسَلم بها أن "الصحة" من الحقوق الأساسية التي لا غنى للإنسان عنها، فضلًا عن أن لكل إنسان الحق في الحصول على خدمة طبية مميزة تحفظ كرامته، خاصة أن أصعب شيء في الدنيا أن يشعر الإنسان بالمرض، والأصعب من المرض عدم وجود الدواء أو شحه وندرته، أو عدم استطاعة المريض تحمل تكاليف العلاج الذي بدوره يخفف الآلام أو يبعث على الأمل بالشفاء..
وفي البداية لابد أن نعترف أن أهم ما يميز النظام العلاجي بالدولة المصرية، أنه يغطي جميع المواطنين دون استثناء؛ من الطفل الصغير حتى الكهل الكبير، وكذا الوضع، منذ اليوم الأول للولادة، وطلاب المدارس والمُؤَمن عليهم من العاملين بالدولة والقطاع الخاص يخضعون للعلاج على نفقة نظام التأمين الصحي، أما غير المُؤمَن عليهم وغير العاملين فيتم علاجهم على نفقة الدولة، وهي خدمة مجانية تقدمها الدولة للمرضى، وتقدم الدولة خدمة إصدار قرارات العلاج من خلال كافة مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية.
أما بالنسبة لتقديم الخدمة فتم التعاقد مع العديد من المراكز والمستشفيات الخاصة؛ لذا أصبح المواطنون طبقًا للنظام الصحي نوعين مواطن له عمل دائم ومُؤمَن عليه ويخضع لمنظومة العلاج تبعا لنظام التأمين الصحي، وهي فئة تشمل ما يتراوح بين 56 و60% من الشعب المصري، إلى جانب حوالي 45% المتبقين من الشعب، وهم غير المُؤمَن عليهم، وهم من يخضعون لنظام العلاج على نفقة الدولة.. وهو محور حديثنا اليوم.
في الحقيقة، أن الفترة الماضية شهدت تطورًا كبيرًا في نظام العلاج على نفقة الدولة في ظل تحديات كثيرة؛ حيث تم زيادة معدلات العلاج على نفقة الدولة وإصدار ما يزيد على 1.8 مليون قرار علاج على نفقة الدولة بما يعادل 10 مليارات جنيه خلال 6 أشهر فقط طبقًا لآخر الإحصائيات وقرارات العلاج الصادرة قد شملت تخصصات (أمراض الدم، والأورام، والجراحة، والنسا، والباطنة، والأنف والأذن، والمسالك، والعظام، بالإضافة إلى الأمراض الجلدية والعصبية).
وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع أسعار المستلزمات الضرورية والأدوية يستلزم زيادة الموازنة المخصصة لنظام العلاج على نفقة الدولة، إضافة إلى زيادة أعداد المستفيدين من هذا النظام من البالغين لسن 18عامًا، وإنه ليحسب للدولة والقيادة السياسية أنه على الرغم من الأزمات الاقتصادية العالمية المتلاحقة، فإنه لم يتوقف نظام العلاج على نفقة الدولة، ولم يحمل المواطن أي أعباء مع استمرار توفير كل الدعم إلى ما يقرب 20 مليار جنيه سنويًا.
ومع زيادة أعداد المستفيدين من نظام العلاج على نفقة الدولة ليصلوا إلى ما يزيد على 10 آلاف قرار يوميًا مما يتطلب سرعة تطبيق مراحل نظام التأمين الصحي الشامل، حتى يكون جميع المواطنين تحت مظلة واحدة للعلاج، وأنه على الرغم من سرعة صدور قرارات العلاج على نفقة الدولة خلال الفترة الأخيرة؛ بسبب إصدارها عبر الإنترنت، ومن خلال مستشفيات القطاع الحكومي؛ مما يساهم في تسريع تلك العملية بشكل كبير، إلا إن هناك تأخيرًا في إصدار العديد من القرارات؛ نتيجةً لتأخر بعض المستشفيات في إرسال تقارير اللجان الثلاثية، الخاصة بتقييم المريض إلى المجالس الطبية المتخصصة؛ مما يؤخر المريض في الحصول على الخدمة؛ بسبب عدم صدور قرار العلاج، علاوة على قيام بعض المستشفيات بإجبار المواطنين على دفع مبالغ مالية، وعدم تفعيل بند أن قرار العلاج يتم المحاسبة عليه من تاريخ تقرير اللجنة الثلاثية؛ مما يعفي المرضي من أي مستحقات مالية؛ مما يتطلب من الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان سرعة التدخل لحل هذه المشكلات.
ولا ينكر أحد أن المجالس الطبية المتخصصة بتوجيهات من الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، بقيادة الدكتور المجتهد شعلة النشاط محمد زيدان مدير المجالس ونائبه المخضرم الدكتور حيضر سلطان، والفريق المعاون؛ والمكون من خلية عمل دءوبة حريصة على تسهيل الإجراءات الطبية الخاصة بإصدار قرارات علاج المرضى، دون الحاجة إلى الحضور لمقر الإدارة العامة للمجالس الطبية المتخصصة، وذلك من خلال مناظرة المرضى بمختلف محافظات الجمهورية عن طريق تقنية "فيديو كونفرانس" لاستصدار قرارات علاجهم مع تطوير وحوكمة الإجراءات الطبية.
حقيقة الزيادة الكبيرة في أعداد المستفيدين وارتفاع التكلفة لنظام العلاج على نفقة الدولة، جعل وزارة الصحة والسكان تستمر في زيادة الدعم لهذا النظام؛ استمرارًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، برفع العبء عن المواطنين خاصة غير القادرين منهم، ويحسب لنظام العلاج على نفقة الدولة تطبيق نظام التكويد الجديد وإدراج أمراض جديدة ضمن المنظومة التي تشملها قرارات نفقة الدولة، ولكن نحن بحاجة ملحة إلى إدراج كافة الأمراض ضمن منظومة نفقة الدولة، مع إعادة تفعيل دور اللجان الرقابية التي كانت موجودة في السابق لمتابعة أداء وحسابات المراكز والمستشفيات الخاصة والحكومية التي تقدم خدمات طبية ضمن نظام العلاج على نفقة الدولة، خاصة أن هناك شكاوى من المرضى الذين يتلقون خدمات طبية تحديدًا بالمراكز الخاصة أنهم يتم لتحميلهم أعباء نظير حصولهم على هذه الخدمات، بحجة أن القرار لا يغطي التكاليف علاوة على عدم حصول المريض على الخدمة الكاملة.
منظومة العلاج على نفقة الدولة مرت بمراحل متعددة إلى أن وصلت للصورة التي هي عليها الآن، حيث نشأ هذا النظام مع بداية تنظيم الخدمات الصحية بعد دستور 1956 الذي أقر حق جميع المصريين في العلاج الذي تكفله الدولة.. حيث صدر قرار جمهوري عام 1959 بتوفير العلاج للعاملين بالدولة في الخارج إذا لم تتوافر إمكانية علاجهم في الداخل، ويعد هذا القرار أول قرار جمهوري منظم للعلاج على نفقة الدولة.
وتعاقب تطوير مستمر على المنظومة من أجل المواطن، ولكن بتولي الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق المسئولية في الفترة من 1996- 2002 شهد نظام العلاج على نفقة الدولة طفرة كبيرة كانت سببًا في تسميته بـ"وزير الفقراء"؛ لأنه رفع ميزانية العلاج على نفقة الدولة من 300 مليون جنيه إلى 3 مليارات جنيه، مع إلغاء البحث الاجتماعي للحصول على العلاج على نفقة الدولة.
وقد صدر تعديل آخر في 2010 بقرار من وزير الصحة تحت رقم 290 لعام 2010.. واستمرت جهود الدولة إلى أن وصلنا للتطوير الجاري الآن في المنظومة الصحية، تلك المنظومة مرت بالعديد من المفارقات والتعديلات، خاصة في ظل اكتشاف التلاعب بقرارات العلاج والمتاجرة بآلام المرضى في حقب زمنية سابقة، إلى أن وصلنا إلى هذا النظام الحالي المميكن؛ للقضاء على كل أوجه الفساد في العلاج على نفقة الدولة، التي كانت موجودة بالماضي، الذي سبق اتهام شخصيات عامة منهم أعضاء مجلس شعب سابقون في هذا الملف، خاصةً أن هذا النظام العلاجي مسئول عن تخفيف أوجاع ما لا يقل عن 45 مليون شخص غير قادر على تحمل مصاريف العلاج الخاص به.
وللأسف نظام العلاج على نفقة الدولة له روافد أخري ربما تجعل رحلته صعبة لذا لابد من ضرورة ربط هذه الجهات ببعضها وحل جميع المشكلات التي تواجه المنظومة للتخفيف عن المواطن خاصة في ظل تأخر بعض المستشفيات في تقديم الخدمة للمريض رغم صدور القرار بحجة عدم وجود مستلزمات أو وجود قوائم للانتظار أو نقص الأدوية أو ارتفاع التكلفة للخدمة بما يفوق قيمة القرار؛ مما يتطلب على الجهات المعنية حل جميع هذه الأمور وتوفير الإمكانات التي يحتاجها العلاج على نفقة الدولة، خاصةً أن الشخص عندما يصاب بالمرض يشعر كأنه يدخل نفقًا لا يدري متى وكيف يخرج منه؟
ولنا أن نؤكد إن تعميم منظومة التأمين الصحي الشامل أثبتت نجاحها في مراحلها التي طبقت مع استمرار إطلاق المبادرات الرئاسية الصحية المتعددة والتي يتبناها الرئيس عبدالفتاح السيسي واستفاد منها الملايين وأثبتت نجاحها أيضًا، وأصبحت طوق نجاة للمرضى والتي تعد أيضًا من الصور المجانية للعلاج والتي تقدمها الدولة للمرضى "غير القادرين" للرد على الأصوات التي تتبنى تكهنات وتطلق شائعات أن الدولة لا تدعم نظام العلاج على نفقة الدولة بالشكل الكافي وتسعى لإلغائه، والسؤال.. هل سيتم العمل على استمرار تطوير منظومة العلاج المجاني ونفقة الدولة حتى يتم الانتهاء من تطبيق كافة مراحل نظام التأمين الصحي الشامل..
سؤال إجابته تحتاج إلى المزيد من العمل والجهد المبذول للوصول بخدمة طبية مميزة يشعر بها المواطن المصري خاصة هذه الفئة غير القادرة على تحمل نفقات العلاج، وهذا ما تحرص عليه الدولة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ لأن العلاج على نفقة الدولة يعد كما ابتدأنا بمثابة الحياة على نفقة الدولة لضمان العيش في ظل بيئة صحية يعيشها أفراد مجتمعها في سلام إن زحفت عليهم بعض الأمراض يكونوا مدعومين حكوميًا آمنين مجتمعيًا هادئين مطمئنين آمنين نفسيًا.