Close ad

سالم الهرش ومحمد اليماني.. قصة رجلين صفعا موشيه ديان في مؤتمر الحسنة

2-11-2024 | 13:42
سالم الهرش ومحمد اليماني قصة رجلين صفعا موشيه ديان في مؤتمر الحسنةالشيخ سالم الهرش متحدثا مؤتمر الحسنة في 31 اكتوبر عام 1968

قيد الله لهذا الوطن من أولاده من يرفع رايته ويصون ترابه بكل غال ونفيس، هما رجال صدقوا مع الله فصدق الله معهم، لم يبخلوا على مصر فكتبت أسماءهم في سجلات بطولاتها وانتصاراتها.. ومن هؤلاء الأبناء البررة اللواء محمد اليماني، المهندس الحقيقي لمؤتمر الحسنة الذي عقد في ٣١ أكتوبر ١٩٦٨م، والذي أفشل صفقةَ فصل سيناء عن مصر، وأسقط المخططات الإسرائيلية حيال أرض الفيروز. 


اللواء محمد اليماني

اليماني.. ذلك البطل البدوي المصري الذي ينتمي إلى قبيلة عريقة وهي قبيلة البياضية، القحطانية، والتي يتوزع أفرادها جغرافيًا في منطقة واسعة تمتد من مصر إلى فلسطين والحجاز.

كان اللواء محمد اليماني يتمتع سمات شخصية مميزة، فهو صاحب عقلية فذة وذكاء حاضر وسرعة بديهة تجعله قادرًا على اتخاذ القرار في أصعب المواقف وأشدها تأزمًا. 

لقد كان اللواء اليماني أحد صقور المخابرات المصرية خلف خطوط العدو، وكانت أولى المهمات التي كُلف بها هي تدمير معدات القوات المصرية حتى لا يستفيد منها الإسرائيليون، وذلك يوم 23 يونيه عام 1967م. 

صنع اللواء اليماني دائرة كبيرة لجمع المعلومات عن القوات الإسرائيلية، وكان يتم التنسيق بين أفراد تلك الدائرة من خلال البرامج الإذاعية الموجهة والغناء والأناشيد وبعض الكلمات المشفرة. 

ونجح هذا البطل في إفشال مؤامرة كبيرة سعى الإسرائيليون لتنفيذها، بعد عـدوان 1967م، حينما أراد الإسرائيليون اقتطاع صحراء سيناء من مصر، وبدأوا في نسج خيوط المؤامرة، بأن حاولوا التغلغل داخل نسيج القبائل البدوية في سيناء، لكن دون جدوى، وظنوا أن تقديم الطعام والثياب كهدايا لقبائل البدو سيعينهم في شراء ولاهم!.

هنالك كان رجال القوات المسلحة المصرية حاضرون بقوة خلف خطوط العدو، وبدأ اللواء محمد اليماني الذي بدأ في ترتيب الأوراق، والتنسيق مع مشايخ القبائل العربية في سيناء. 

احتالت إسرائيل بكافة الصور على انتزاع اعتراف البدو، وهم لا يعلمون أنهم أبناء مخلصين لهذا الوطن، فبادروا لعقد مؤتمر الحسنة في 31 أكتوبر عام 1968م، ودعوا مشايخ بدو سيناء ومراسلي الصحف ووكالات الأنباء العالمية لتوثيق هذا الاعتراف، لكنهم لم يتوقعوا أنهم سيصطدمون بشجاعة الشيخ سالم الهرش ودهاء اللواء محمد اليماني، الذي كان همزة الوصل بين أبناء القبائل العربية في سيناء وإخوانهم من القوات المسلحة. 


الشيخ سالم الهرش

اختارت إسرائيل، الشيخ سالم الهرش ليكون متحدثًا أمام وكالات الأنباء العالمية، ظنوا أنه الرجل المناسب لتحقيق مؤامرتهم، كان هذا البدويُ شيخا بليغا، قويا، ذا شخصية مؤثرة. 

اكتشفَ البدوي بحاسته الوطنية المؤامرةَ الصهـيونية، فاتصل برجال القوات المسلحة وصقور المخابرات المصرية من الرابضين فوق أرض سيناء وأبلغها بالأمر، طُلب منه أن يواصل تعاملَه معهم، ليكتشفوا المؤامرة، أرسلت القوات المسلحة المصرية ضباطًا تنكروا في زيِّ بدويٍ، وكأنهم من أفراد القبيلة، يوجهونه، ويساعدونه، طُلب منه أن يصنع وليمة كبيرة للقبائل، ليُثبت للإسرائيليين قدراتِه وكفاءَته. 

حدَّد وزير الجيش الإسرائيلي، موشيه ديّان، موعدًا لتنفيذ بنود المؤامرة،  مُستغلاً صدمة العرب وإحباطهم بعد عـدوان 1967م وانشغالهم بترميم خسائرهم فحشد المصورين والإعلاميين، من كل أنحاء العالم،  ليشهدوا تنفيذ المؤامرة الخبيثة. 

في مضارب الحَسَنَة في وسط سيناء،  كانت المؤامرة  التي يريد الإسرائيليون تنفيذها تنصّ على إعلان سيناء دولة مستقلة، تحت رعاية الأمم المتحدة، بإجماع القبائل البدوية من أهل سيناء؛ لغرض فصلها عن مصر، اختار ديَان اليوم لإعلان ولادة هذا الكيان الجديد. 

جلس موشيه دايان، وإلى جواره، الشيخ البطل البدوي سالم الهرش، وكان قد استعدَّ لهذا اليوم، صعد الشيخ سالم إلى المنصة، قال بصرامة وشجاعة نادرة:"هل تثقون وتوافقون على ما سأقوله لكم؟!" هزَّ  موشيه دايان رأسه موافقَا، ابتسم بسمة انتصار، ظهرت واضحة على الرغم من العصابة فوق عينه اليُسرى، نظر إلى الصحفيين والضيوف، يستحثهم على التصفيق والتقاط الصور، واصل الشيخ سالم الهرش الخطاب قائلا:"نحن المصريين، سكان سيناء  نُقرُّ ونعترف بأن سيناءَ أرضٌ مصرية، لا مكان فيها للاحتلال الإسرائيلي، أنتم محتلون، نرفض تدويل سيناء، إن قرار سيناء حصريٌ في يد المصريين، لن نفرط بها"!!. 

ركل ديان الطاولة التي يجلس عليها بقدمه غاضبًا، انفضَّ هذا المهرجان بسرعة البرق، بعد ان ابتلع الإسرائيليون ألسنتهم، أخفى المصورون كاميراتِهم، اعتقلوا يومها أكثر من 120 من البدو،  بدأ المحتلون الإسرائيليون يُنفذون مسلسلاً جديدًا ضد بدو سيناء، كانت الضحية الأولى هي قبيلة البياضية، قبيلة الشيخ سالم، هدموا بيوتهم، وشردوهم، وقتلوا كثيرين، وحاصروا القبائل!. 

لم يتخلَ المصريون عن هذا البطل، بقيادة أبطالٍ مصريين آخرين ظلوا يُلازمون الشيخ سالم الهرش، على رأسهم اللواء محمد اليماني الذي أعد خطة هرب منها الشيخ سالم، هو وأسرتُه إلى العقبة مرورا بالأردن وصولاً إلى القاهرة، وتم تكريم  اللواء محمد اليماني والشيخ سالم الهرش. 

وبعد عودة سيناء للسيادة المصرية، اتجه اللواء محمد اليمانى للعمل بالحكم المحلى، فعمل رئيسًا للمجلس الشعبى المحلى لمحافظة شمال سيناء، ثم سكرتيرًا عامًا لمحافظات، منها:"بور سعيد، جنوب سيناء، البحيرة، مطروح، كفر الشيخ" حتى أحيل إلى المعاش.

وتولى رئاسة مجلس إدارة جمعية مجاهدي سيناء التي ترعي كل المجاهدين الذين ضحوا بالغالي والرخيص في سبيل تحرير تراب بلادهم إلى أن توفاه الله في مطلع الألفية.

د. سليمان عباس البياضي 

عضو اتحاد المؤرخين العرب 

كلمات البحث
الأكثر قراءة