بعد أكثر من 7 عقود من المبادأة بالحرب والعدوان واختلاق الأسباب لأعمال القتل والإبادة للشعب الفلسطيني، شرع الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين اليوم، بالمبادرة والحديث والموافقة على توقيت لوقف العدوان وإطلاق النار، وليعترف، صاغرًا مضطرًا، بأن الحرب لن تحقق كل شيء..
بعيدًا عن أسباب هذا التحول، وهي أمريكية عالمية - فلسطينية عربية، إلا أن هذا التغيير يتحقق ويتأكد يوميًا بعد أن كانت المبادرة والمبادأة والمباغتة والمداهمة في يد الكيان الصهيوني، إلا أنها تنعكس على هذا الكيان لتنقلب عليه.
شاء قدر الله، سبحانه، ان يرفع الغطاء، الذي كان يحجب الحقائق عن هذا الكيان بمساندة الولايات المتحدة ودول غربية، ليكتشف العالم كذب هذا المشروع وزيف شعاراته، فهو يبدأ في الانهيار لتتحطم معه كافة العناوين والشعارات التي أسس من أجلها، وهي شعارات الديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان، ورموز القيم الكاذبة التي رفعها طوال السبعين عامًا الماضية، والتي نكتشف اليوم، العرب والعالم وحتى اليهود، بأنها شعارات وقيم زائفة.
وإذا كانت المقاومة الفلسطينية وتساندها العربية، هي من أشعلت شرارة هذا التحول في السابع من أكتوبر 2023، ودفع الشعب الفلسطيني مقابله الكثير، وما زال، إلا أن ما يفعله الكيان وقواته وجنوده وضباطه ومستوطنوه، أشد أثرًا وأقوى تدميرًا للكيان ذاته، بل هو يسجله ويوثقه أيضًا، كما يوسع دوائر العداء له، فهل سمع العالم أو شاهد، من قبل، إبادة جماعية تحدث يوميًا وتبث مشاهدها مباشرة على الهواء على مدار الساعة؟!
منذ نحو 400 يومً، نفذت إسرائيل، ولا تزال، إبادة جماعية ممنهجة ضد الفلسطينيين في غزة، فقد اغتال وذبح وقتل جيش الاحتلال أكثر من 42 ألف رجل وامرأة وطفل، ولا يزال آلاف آخرون تحت الأنقاض، فالمجازر ممنهجة والإبادة لا تتوقف.
لعل ما يقوم به البعض من المواطنين اليهود، وليس الصهاينة، هو الأقوى أثرًا والأوضح خطابًا من بين كل ما حدث منذ الاحتلال الصهيوني، وبداية المشروع الغربي على أرض فلسطين، فهناك العديد من المنظمات اليهودية المعارضة للمشروع الصهيوني في فلسطين، مثل "الصوت اليهودي من أجل السلام العادل في الشرق الأوسط – EJJP"، وهي جمعية غير حكومية مقرها في برلين، وهي عضو في اتحاد يهود أوروبيون من أجل سلام عادل، وترى: "أن الصهيوني أيديولوجية عنصرية استعمارية عسكرية"، تأسست الجمعية في نوفمبر 2003، اشتكت رئيسة الجمعية اليهودية إيريس هيفتس في صحيفة تاز عام 2009، من أن معظم وسائل الإعلام في ألمانيا تدعم الموقف الإسرائيلي في صراع الشرق الأوسط، بينما يتم تجاهل الأصوات الأخرى".
أيضًا هناك "أصوات يهودية من أجل السلام - Jewish voice for peace"، مقرها كاليفورنيا، وهي حركة يهودية أمريكية تهدف إلى تنظيم حركة شعبية بالتعاون مع المنظمات الفلسطينية والمنظمات المناهضة للإمبريالية والمؤيدة للتحرير، تقول: "إنها تسعى لمحاربة الحركة الصهيونية ومواجهة الممارسات القمعية للاحتلال الإسرائيلي وتحقيق العدالة والحرية والمساواة للفلسطينيين مع اليهود عبر تغيير السياسة الأمريكية".
تتبنى فكرة أن المسجد الأقصى مهدد "بسبب تصاعد عنف المستوطنين الإسرائيليين، الذي تدعمه الشرطة والجيش الإسرائيليان"، وتقول أيضًا: "إن فكرة "الإسرائيليين المدنيين" هي مجرد "أسطورة"، لا يوجد مدنيون إسرائيليون، ويمكن معاملة جميع الإسرائيليين كجنود في ساحة المعركة: والمستوطنون الصهاينة هم إما جنود حاليون أو مستقبليون في احتياطيات قوات الاحتلال الإسرائيلي أو قدامى المحاربين".
في أغسطس 2021، وقعت "الصوت اليهودي من أجل السلام" رسالة، تدعو فيها لوضع حد لاستخدام إسرائيل سيئ السمعة للأسلحة، من خلال فرض حظر شامل على الأسلحة على إسرائيل فورًا، وهو ماحدث مؤخرًا؛ حيث حظرت العديد من الدول تصدير السلاح إلى الكيان الصهيوني، وبالأمس أنهت إسبانيا عقد شراء ذخيرة من شركة إسرائيلية، حيث بدأت الحكومة الإسبانية عملية إنهاء عقد شراء ذخيرة من شركة إسرائيلية.
في الماضي، ومع بداية الحرب على العراق أوائل التسعينيات، انطلقت عبارة للرئيس العراقي الراحل صدام حسين بأنه سيضرب عاصمة الكيان تل أبيب بالصواريخ، ومجرد أن تردد هذا التصريح تصاعدت الدهشة، كيف يحدث هذا باعتباره خطيرًا ومن المستحيلات.. أما اليوم، فإن المخاوف الأمنية وتهديد المسيرات لا تتوقف فأخبار ضرب صواريخ المقاومة اليومية موجعة ومؤثرة، لعاصمة الاحتلال وهو مشهد يتكرر يوميًا، بل إن طائرة من دون طيار تابعة لـ"حزب الله" أصابت، في وقت سابق من هذا الشهر، نافذة غرفة النوم في منزل نتنياهو شمال غربي إسرائيل.
ما يحدث يشكل تطورًا نحو انهيار الكيان، إلا أن الأكثر تأثيرًا هو الشروخ التي يموج بها هذا المجتمع غير المتجانس والمصطنع من الداخل، لتتحول مشاهد البث المباشر من الإبادة الجماعية للفلسطينيين، إلى مشاهد الصراع الداخلي بين شرائح المجتمع الصهيوني، والهجرة العكسية، ليصبح الحديث عن اليوم التالي في غزة، إلى اليوم التالي في يافا.
وليس أصدق من الله سبحانه، وعدًا وحديثًا، إذ قال في كتابه الكريم، في سورة المائدة: .."وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ"..صدق الله العظيم.
[email protected]