موضوعات مقترحة
- زيادة الإعانات للجمعيات التعاونية الزراعية ودعم البنك الزراعي ضرورة لتوفير التمويل للمزارعين وزيادة إنتاجهم الصحي
- رغم أهمية منظومة التعاونيات الزراعية في تأمين المحاصيل الغذائية للسوق المحلي إلا أن الحكومة أهملتها
- تراجع الدعم الموجه إلى المزارعين بواسطة التعاونيات والبنك الزراعي من 0,53% إلى 0,10%
تلتفت الأنظار العالمية نحو "السيادة الغذائية" والتي تتهدد إذا تراجع الدعم للمزارعين ومستلزمات الإنتاج، وعلى رأسها الأسمدة أهم سبل الحماية الاجتماعية من الجوع والفقر وزيادة الإنتاج وتحسين وضع الأمن الغذائى والتغذية، كما أن صغار المزارعين هم المحرك الأهم للتحول نحو ممارسات الإنتاج الغذائي المستدامة، ولكن ما هي "السيادة الغذائية"؟ هذا ما سنعرفه بالسطور التالية.
أكد د. علاء البابلى خبير الأراضي والمياه الدولى ومدير معهد بحوث الأراضي والمياه السابق أن" السيادة الغذائية" هو مفهوم فلسفي ونظرة صائبة لما يجب أن يكون عليه عالم الزراعة الذي يعتمد بالدرجة الأولى على المزارعين وصغار الفلاحين الذين ورثوا مهنتهم أباً عن جد طوال هذه القرون، ويعني أن "منتجي الغذاء ومستهلكيه والمشرفين على توزيعه يكونوا في قلب سياسات الغذاء وليس الشركات التجارية والأسواق العالمية".
وتميل الشعوب إلى تعريف السيادة الغذائية على أنها الحق في "الاختيار، والزراعة وصون ممارساتها الغذائية وقيمها الثقافية الحيوية"، كما تعني "امتلاكك لغذائك" أي امتلاك الحق في إنتاج غذائك والتحكم في طرق إنتاجه.
وأضاف البابلي أن مصطلح "السيادة الغذائية" يكتسب زخماً عالمياً الآن، فهي تعني بكل بساطة وضع المجتمعات في مقعد القيادة، فيما يتعلق بصنع القرار، في مجال إنتاج الغذاء وإمدادات الأغذية. وعند الحديث عن الشعوب الأصلية، فلها معنى راسخ إضافي وأهمية ثقافية وروحية لدى الشعوب.
ركائز ثلاثة
وقال البابلي أن مفهوم السيادة الغذائية يرتكز على ثلاث ركائز أساسية، الأولى تخص تشجيع الأساليب الزراعية المحلية التي يمتاز بها كل بلد ويقابله في ذلك رفض السياسات الزراعية التي تأتي من الخارج والتي تعتبر غير مناسبة للثقافة الزراعية المحلية، والثانية تتعلق بدعم وتوسيع الزراعة الإيكولوجية من خلال استعمال البذور المنتجة محلياً، والاعتماد على الأسمدة البيولوجية التي تضمن محاصيل زراعية صحية ونظيفة، والثالثة إعطاء الأولوية للمزارع أو الفلاح الصغير من خلال تقديم الدعم اللازم الذي يحتاجه، وتوفير كل التسهيلات التي يطلبها خاصة فيما يتعلق بالحصول على الأراضي وضمان توزيع منتجاته دون عراقيل وهي المشكلة التي تعاني منها الكثير من الدول النامية.
الأسمدة الكيماوية
وتابع، تعتمد الزراعة في مصر على الأسمدة الكيماوية بنسبة 97%، والتى تشكل أعلى نسبة ضمن مستلزمات الإنتاج الزراعى بـ 32% من إجمالي تكاليف الإنتاج النباتى عام 2021/ 2022، ودعمت الأسمدة الكيماوية من ضمن مستلزمات الزراعة لتصل 63,8% عام 2011/2012 من مستلزمات الانتاج النباتى والتى تراجعت بنسبة 27% لتسجل 50,1% من مستلزمات الانتاج النباتى في عام 2022/2023 .
ارتفعت أسعار الأسمدة الكيماوية بما يعادل 564% من الفترة 2016/2015 إلى 2021/2020 مواكبة لزيادة تكاليف الإنتاج والطاقة، وتنعكس زيادة تكاليف مدخلات الإنتاج بشكل مباشر على أسعار المحاصيل وقدرة المواطن على الحصول على الغذاء، خاصة في ظل التضخم الذي وصلت نسبته إلى 73,6% في سبتمبر 2023 مقارنة بعام 2022، وبرغم أهمية الأسمدة إلا أن حصتها من قيمة القروض العينية المقدمة إلى المزارعين قد تراجعت خلال العشر سنوات الماضية، ويهدد تراجع الحكومة عن دعم تلك المدخلات الإستراتيجية وتركها لتقلبات السوق الحر بزيادة أكثر في الأسعار .
وشدد البابلي علي أن المزارعون يحمون السيادة الغذائية، من خلال ما توفره الحكومة من دعم للمزارعين بالجمعيات التعاونية والبنك الزراعي القائمين على توزيع مدخلات الإنتاج المدعمة، ويستفيد المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة من القروض العينية، وخاصة الأسمدة، لإنتاج المحاصيل وتوفير الغذاء للسوق المحلي بأسعار يستطيع المواطنون تحملها.
وفى عام 2011/ 2012 كانت قيمة القروض العينة إلى المزارعين 68 مليون جنيه بينما كانت قيمة مستلزمات الإنتاج النباتى 22,5 مليار جنيه بنسبة تصل إلى 0,3% بين قيمة القروض العينة إلى المزارعين وقيمة مستلزمات الإنتاج، بينما فى عام 2021/ 2022 كانت قيمة القروض العينة الى المزارعين 2 مليار جنيه بينما كانت قيمة مستلزمات الإنتاج النباتى 117,5 مليار جنيه بنسبة تصل إلى 1,7% بين قيمة القروض العينة إلى المزارعين وقيمة مستلزمات الإنتاج.
ونوه بأنه رغم أهمية منظومة التعاونيات الزراعية في تأمين المحاصيل الغذائية للسوق المحلي إلا أن الحكومة أهملتها، وتراجع الدعم الموجه إلى المزارعين الذي يصلهم عن طريق التعاونيات والبنك الزراعي من 0,53% من إجمالي الموازنة العامة في 2007/2008 إلى 0,10% في 2023/2024.
تهديد
ورداً علي تساؤل ماذا لو ترك مدخلات الإنتاج الزراعي للعرض والطلب؟ أوضح البابلي أن التراجع يأتي في توفر الأسمدة المدعمة محلياً إذا ما قامت الحكومة ببيع حصص لها في أكبر شركات الأسمدة الرابحة لصناديق سيادية خليجية أو غيرها، ويؤدى النقص فى كميات توريد الأسمدة للسوق المحلي بنسبة 5% إلى 20% زيادة في أسعار المحاصيل.
لذا تشكل خصخصة شركات الأسمدة تهديدًا للأمن الغذائي، لأن سيطرة السوق على مدخلات الزراعة من شأنه أن يرفع أسعارها، يرجع هذا إلى تركيز القطاع الخاص على تعظيم الأرباح بعيداً عن اعتبارات توفير الغذاء.
كما يشارك القطاع الخاص بنسبة ضعيفة نحو 20%، في توفير الأسمدة للسوق المحلي ويركز في تصدير 76,4% من إنتاجه إلى الخارج، لذا يقع العبء الأكبر في توفير الأسمدة للزراعة المحلية على القطاع العام بنسبة 80%.
وتابع، من المؤسف عدم تطبيق إلزام الحكومة للقطاع الخاص بتوجيه 55% من إنتاجه للأسمدة المدعمة، و10% للبيع بالسعر الحر في السوق المحلي، تظهر تداعيات هذا في وجود عجز في الأسمدة المدعمة بنحو 1,8 مليون طن في أكتوبر 2023 بحسب تقرير مجلس الشيوخ، حيث تم توريد 2,2 مليون طن فقط من أصل 4 ملايين طن كان من المفترض أن توردها المصانع المنتجة للسوق المحلي.
يهدد تراجع نصيب الدولة في شركات الأسمدة والاعتماد المتزايد على القطاع الخاص في الإنتاج الزراعي قدرة الدولة على توفير الغذاء لمواطنيها بأسعار مناسبة، نتيجة عدم التزام القطاع الخاص بتوفير النسبة المخصصة للسوق المحلي، صاحب ذلك الشح إرتفاع في أسعار الأسمدة من 4500 جنيه في يناير 2023 للطن إلى 17,3 ألف جنيه كمتوسط في السوق الحرة.
حماية المدخلات
وفي سياق متصل، أضاف د. سيد أحمد عبد الحافظ خبير الأراضي والمياه الدولى ومدير معهد بحوث الأراضي والمياه السابق، أن دعم الفلاحين أصحاب الحيازات الصغيرة من أهم ضمانات الأمن والسيادة الغذائية التي تسعى إليها الإستراتيجية المحدثة للتنمية الزراعية المستدامة في مصر 2030، للوصول لمعدل النمو في الناتج المحلي الزراعي إلى 4,5% سنوياً وتحقيق درجات أعلى من الأمن الغذائي وتوفير المحاصيل المستخدمة في الصناعات، وتحسين مستويات معيشة العاملين في القطاع الزراعي المصري.
يجب على الحكومة ألا تترك مدخلات الزراعة من دون حماية من السوق الحرة والتوسع في دعمها من أجل تمكين الفلاحين من الوصول إليها، ويتطلب ذلك زيادة الإعانات المقدمة إلى الجمعيات التعاونية الزراعية والاهتمام بتنميتها ودعم البنك الزراعي كذلك، من أجل توفير التمويل اللازم للمزارعين لزيادة إنتاجهم وتطويره بالتكنولوجيا الحديثة لزراعة غذاء آمن وصحى.
وقال عبد الحافظ أنه يتعين على الحكومة البدء في دعم أصحاب الحيازات الصغيرة للتحول إلى الزراعة العضوية التي تأمل الحكومة في أن تزيد من 3% إلى 6,7% من إجمالي الإنتاج الزراعي بحلول 2030، فضلاً عن تعزيز الزراعة العضوية المستدامة من أجل صحة التربة والسكان والسيادة الغذائية على المدى البعيد واعتبار السماد العضوي مكمل هام للمدخلات الكيماوية.
شبكات الحماية
واستطرد حديثه قائلاً: أن شبكات الحماية الاجتماعية هو إجراء تعويضي عن الاثار السلبية التى يوجها صغار المزارعين والفلاحين البسطاء فى المناطق الهامشية حيث تتأثر السيادة الغذائية ومستلزمات الانتاج النباتى بشكل مباشر بالمتقلبات والتغييرات المناخية، ففي كثير من الأحيان، تلجأ الأسر غير المشمولة بنظم الحماية الاجتماعية إلى استراتيجيات المواجهة السلبية في حالة الصدمات، إما ببيع أصولهم الإنتاجية (الأرض والماشية)، أو إخراج أطفالهم من المدرسة، مما يدفعهم إلى حلقة مفرغة من الديون والفقر من جيل إلى آخر.
وتُقدم مصر تجارب عملية ودروساً مشجعة لبقية الدول، حول دور نظم الحماية الاجتماعية في التخفيف من تداعيات تغير المناخ على السيادة الغذائية والأمن الغذائى.
وهناك مجموعة من أدوات الحماية الاجتماعية المبتكرة لتوفير مصادر دخل مستدامة للأسر والفئات الضعيفة وحماية البيئة في الوقت نفسه، مثل برامج سبل العيش المستدامة، وتأمين المحاصيل القائم على الطقس.