الأسواق والحكومة وصندوق النقد

31-10-2024 | 15:20
بوابة الأهرام الزراعي نقلاً عن

إِنّى لَآمُلُ مِنكَ خَيراً عاجِلاً

وَالنَفسُ مولَعَةٌ بِحُبِّ العاجِلِ

«جرير»

لا ينكر أحد حجم التحديات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، بل والعالم أجمع وآثارها المباشرة على الاقتصاد العالمى والاقتصاد المصرى.. وأكبر هذه الآثار هو تراجع الإيرادات الدولارية من قناة السويس كنتيجة مباشرة للعمليات العسكرية التي قامت بها جماعة الحوثى في اليمن في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، فضلا عن التهديد بالحرب الإقليمية الدائرة الآن كنتيجة مباشرة للعدوان الإسرائيلى على الأراضى الفلسطينية المحتلة في غزة والمجازر البشعة التي تقوم بها إسرائيل، والتى امتدت شراراتها إلى لبنان، وما شاهدناه من قصف متبادل بين إسرائيل وإيران.. هذا يحدث في جانب واحد فقط من الدولة المصرية وهو الجانب الشرقى..

وفى الجنوب هناك الصراع الدائر بين ما يسمى بميليشيا الدعم السريع والجيش السودانى والذى تطور في الآونة الأخيرة بعد أن قام الجيش السودانى بعدد من العمليات العسكرية الناجحة ضد ميليشيا الدعم السريع واستعاد بعضًا من المناطق التي استولت عليها الميليشيا المارقة والتى بدورها قامت بقتل وسحق عدد من أهالى القرى السودانية في محاولة لاستعادة زمام الأمور..

وفى الغرب الليبى ما زالت الأوضاع هناك مستقرة استقرارًا هشًا قابلًا للانفجار في أي لحظة طالما هناك ميليشيات ولا يوجد استقرار على نظام سياسى وجيش واحد يحكم كامل الأراضى الليبية..

وفى العالم مازال الصراع «الروسى- الغربى» الذى يجرى على الأراضى الأوكرانية، هذا الصراع الذى أصاب سلاسل إمداد الغذاء العالمى خاصة في محاصيل الحبوب..

نعم يدرك الشعب المصرى جيدًا كل هذه المخاطر التي أصابت العالم ومنطقة الشرق الأوسط فرفعت مخاطر النقل ومخاطر التأمين ومخاطر الاستثمار في المنطقة بشكل عام، وأثرت بشكل مباشر على اقتصاديات العالم كله وفى قلب العالم مصر..

 إلا أن ما يحدث في الأسواق المصرية استغلالا لهذه الظروف يعد أمرًا غير مقبول.. حالة الفوضى في الأسواق التي أثمرت عن أن يتم ترك المصريين فريسة لعمليات الاحتكار والجشع غير المسبوق من البعض، ورفع الأسعار بصورة غير مبررة على الإطلاق في مختلف السلع والخدمات، حتى وصل الأمر أن نرى تسعيرا للسلع يختلف من مكان لآخر على حسب جشع التاجر في المكان.. وعلى سبيل المثال لا الحصر ما يحدث في أسعار البيض وهى سلعة أساسية على مائدة المستهلك المصرى خاصة ونحن في موسم المدارس والجامعات، فسعر كرتونة البيض قفز حتى قارب الـ 200 جنيه في بعض الأماكن وفى أماكن أخرى وصل إلى 180 جنيها على الرغم من أن مصر على مستوى إنتاج البيض لديها اكتفاء ذاتى بل وفائض طفيف يتم تصديره.

وللأسف لم تنتبه الحكومة المصرية إلى الفوضى الضاربة في الأسواق وكان تدخلها متأخرًا على غير عادتها، ومؤخرًا أعلنت أنها فتحت باب الاستيراد للبيض وفى نفس اليوم الذي أعلنت فيه الحكومة فتح باب استيراد البيض انخفض سعر الكرتونة إلى ما يقارب الـ 150 جنيهًا، وهذه بمفردها دلالة واضحة على مدى الجشع الذي أصاب البعض من التجار في ظل غياب حكومي فعال عن رقابة الأسواق..

البيض هو مثال للعديد من السلع التي أصبحت عبئًا على محدودي الدخل، مثال صارخ للفوضى التي ضربت السوق، ومثال أيضًا حقيقي لإمكانية الحكومة التدخل وضبط السوق بآليات السوق..

نعم استطاعت الحكومة المصرية برئاسة المهندس الدكتور مصطفى مدبولي عبور العديد من الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي أصابت العالم واستمرت معدلات النمو والتشغيل بأرقام إيجايبة، وكانت الحكومة سابقة وذات رؤية مستقبلية للأزمات، ومن ثم امتلكت القدرة الفعالة في العبور منها..

ولكن مع ضغط الأسعار وفوضى الأسواق الأخيرة كان تحركها متأخرًا وبطيئًا وليس مستقبليًا، كما اعتدنا من حكومة د. مصطفى مدبولي، ولكن أن تأتي متأخرًا أفضل من ألا تأتي..

الحكومة بما تملك من أدوات وأجهزة رقابية على الأسواق، كما تملك الحكومة آليات متنوعة لحكم السوق وضبط إيقاعه بما يحقق مصالح الجميع «منتج وتاجر ومستهلك» وألا يجور أي طرف من الأطراف على الآخر..

وبحس القائد والأب استشعر السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، الضغط الذي وقع على رجل الشارع البسيط فجاءت كلماته مطالبًا الحكومة بمراجعة الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي..

ففى افتتاح مؤتمر السكان والصحة والتنمية البشرية، طالب السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، الحكومة بمراجعة اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، إذا ما أدى إلى ضغوط «لا يحتملها الرأي العام» بسبب التحديات الناجمة عن الأوضاع الإقليمية الراهنة، وذلك بعد أحدث زيادة في أسعار الوقود.

وقال السيد الرئيس: إن مصر تنفذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الحالي الذي حصلت بموجبه على قرض قيمته 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي «فى ظل ظروف إقليمية ودولية شديدة الصعوبة لها تأثيرات سلبية»، مشددًا على أن مصر خسرت خلال الشهور العشرة الأخيرة «6 أو 7 مليارات دولار» هي حجم الانخفاض في عائدات قناة السويس.

وأضاف الرئيس، أن هذا الوضع «يمكن أن يستمر لمدة عام كامل».

 مؤكدا: «إذا كان هذا التحدى سيجعلنى أضغط على الرأى العام بشكل لا يتحمله الناس فلا بد من مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي»..

هذه رسالة واضحة ومطالب محددة من السيد الرئيس إلى حكومة الدكتور مدبولى وتوجيهات مباشرة بألا يتم وضع أى ضغوط جديدة بما لا يتحمله الناس..

نعم الرئيس شعر ويشعر بحجم الأحمال التي تحملها المصريون، وكان قد ذكر ذلك أكثر من مرة وفي أكثر من موقع أن الشعب المصري تحمل العديد من الأعباء في سبيل نجاح الدولة المصرية واستعادة ريادتها وضحى الشعب المصري بالغالي والنفيس في سبيل استعادة دولته..

نأمل من حكومة الدكتور مصطفى مدبولي أن تستعيد بريقها وقدرتها على التنبوء بالأزمات، ومن ثم إعداد الخطط لمواجهتها كما حدث في السابق، كما نأمل أيضًا في مزيد من الرقابة على الأسواق والضرب بيد الحكومة الغليظة على من يتاجر بقوت الشعب المصرى ويحقق الأرباح الطائلة مستغلا الأزمات الجارية حتى يعود إلى السوق انضباطه..

كلى ثقة في أن تنفذ الحكومة توجيهات السيد الرئيس في التخفيف عن محدودي الدخل ومراجعة برنامج الإصلاح الاقتصادي بما يخفف الأحمال عن المواطنين..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: