30-10-2024 | 14:57

نفتقد في مجتمعاتنا العربية ثقافة الاعتذار، وعلى الرغم من أنها ثقافة عالمية، فهي الرقي والحضارة، والعطر الجميل الذي يزيل كل روائح الاختلاف.

هي ليست ثقافة جديدة، ولكنها ثقافة ديننا الإسلامي؛ ففي القرآن الكريم نتعلم من قصة أبينا آدم وأمنا حواء عليهما السلام، يقول ربنا عز وجل (فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).

فلا بد من غرس وتعليم ثقافة الاعتذار منذ الطفولة؛ حيث إننا نفتقد تعليم هذه الثقافة منذ الصغر؛ حيث إن التنشئة الاجتماعية تلعب دورًا مهمًا في تشكيل الوعي، وخاصة التربية الذكورية التي تنشأ أجيالًا تجهل هذه الثقافة؛ حيث إن المعتقدات الخاطئة تقول إن الاعتذار هو الإقلال من الشأن وإنه شخص ضعيف؛ ففي علم النفس الذي يمنع من فكرة الاعتذار "الإيجو" وهو مصطلح يستخدم لوصف الشعور بالأنا والوعي بالذات والإحساس بالهوية الفردية.

أطفالنا يمتلكون بالفطرة مشاعر الحب والإحساس، ومن السهل على الآباء تشكيل وتنمية الوعي والمعرفة عند أطفالهم في مرحلة الطفولة، وتربيته على أن يتحمل نتيجة أفعاله، وأن يعتذر عن الخطأ عندما يخطئ، وأن يكون الآباء قدوة لأبنائهم في الاعتذار عن الخطأ عندما يخطئون مع أبنائهم ويعتذرون لهم، فيكتسب أبناؤهم هذه الثقافة؛ لأنها مكتسبة وليست فطرية.

كثير من الآباء يحزن ويتألم عندما يخطئ أبناؤهم في حقهم ولا يعتذرون لهم ويصرون على أخطائهم، على الرغم من أن الآباء أنفسهم إذا أخطأوا لا يعتذرون؛ فينطبق عليهم قول الله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ).

إذا أردت أن تنشئ أبناءك على الاعتراف بأخطائهم فعلمهم ثقافة الاعتذار، فهي ثقافة لا تعرف التهديد أو الإكراه أو الإجبار، ولا بد من تعزيز ثقافة الاعتذار عن طريق رفع الوعي.
 
ونحن مرآة لأولادنا؛ فهم يكتسبون منا كل الصفات الإيجابية والسلبية أيضًا، فلا بد من توضيح لهم فكرة الخطأ، وأن نعدل لهم ردود أفعالهم عندما يخطئون في حق أحد من أصدقائهم.

وتلعب الأم دورًا مهمًا في تشكيل هذه الثقافة؛ لأن الأم هي أول برمجة يتلقاها الطفل في حياته بكل سلاسة ويسر؛ لأنها مصدر الأمن والأمان والثقة بالنسبة للطفل.

ولا بد من فهم مشاعرنا، ووضع أنفسنا مكان الآخرين، حتى نستطيع فهم مشاعرهم، وكذلك لابد أن تدرك المرأة أن التربية الذكورية للرجل هي التي شكلت ثقافته بأن الاعتذار شيء سلبي يُنقص من قيمة الشخص ويقلل شأنه؛ ولذلك عندما يخطئ زوجها يعتذر لها اعتذارًا ضمنيًا وليس صريحًا.

وتختلف ثقافة الاعتذار من مجتمع إلى آخر، فنجد في مجتمعنا الاعتذار دائمًا ضمنيًا، أما في اليابان فتقديم الاعتذار بالانحناء، أما في البرازيل فثقافة الاعتذار عندهم بتقديم الهدايا، وأما الأرجنتين فلا بد من دعوة عشاء لقبول الاعتذار.. ثقافة الاعتذار غابت عن مجتمعاتنا على الرغم أنها ثقافة موروث قديم عندنا.

ونحن الآن في أمس الحاجة إلى أن نعيد ثقافتنا، ولابد من الاقتناع الحقيقي بالخطأ وألا يكون الاعتذار مقرونًا بالتبرير حتى نتقبل الاعتذار نفسيًا بشكل صحيح؛ لأن التبرير يجعل النفس لا تصل إلى التسامح الداخلي للنفس البشرية، وحتى لا تكون هناك أحقاد وحسد داخل النفس البشرية، ونظن الظن السيئ؛ لأننا بداخلنا لا يوجد التسامح الحقيقي لقبول الاعتذار.

ولا بد أن نمتلك فكرة قبول الاعتذار؛ فهناك أشخاص لا تقبل الاعتذار، وهؤلاء الأشخاص دائمًا يتألمون داخليًا ولا يستطيعون أن يتسامحوا؛ لأنهم دائمًا يفسرون كل المواقف بشكل خاطئ.

التسامح والصفح من الصفات الأخلاقية السامية التي تشعر الأشخاص بالسلام الداخلي والرضا النفسي، وكذلك تعزيز ثقافة الاعتذار في بيئة العمل، فلا بد من نشرها؛ لأن الموظف يعتقد أن الاعتذار يقلل من شأنه، فيصر على عدم الاعتذار.
 
سيدي القارئ 
نحن بحاجة إلى إعادة النظر في قراءة أنفسنا من الداخل، وأن نستعيد ترتيب أفكارنا التي بعدت كل البعد عن التسامح الداخلي، وفي ظل عالم السوشيال ميديا والتواصل الاجتماعي والمجتمع الافتراضي وتشكيل وتربية أولادنا، فلا بد من التعرض المتزن أي أن لكل مرحلة عمرية وقتًا محددًا لاستخدام السوشيال ميديا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: