سوق الدواء.. وسماسرة التهريب!!

28-10-2024 | 13:56

يعد الدواء من الأمور الأساسية التي تتعلق بصحة المواطن وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالرعاية الصحية، ويعد سلعة لا يمكن الاستغناء عنها.

وكنا قد تناولنا في مقالين سابقين أزمة نقص الدواء والحلول المقترحة لها، وبالفعل حدثت انفراجة  في سوق الدواء بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة متمثلة في هيئة الدواء المصرية والجهات المعنية، ولكن - للحق نقول - مازالت السوق المحلية المصرية تعاني اختفاء عدد من الأدوية ونقصًا في البعض الآخر.

مع العلم أن هيئة الدواء المصرية  قد وضعت آليات لمواجهة نقص الدواء فى السوق المحلية؛ منها: إعادة تسعير عدد كبير من الأدوية لضمان استمرار الشركات في إنتاجها علاوة على متابعة توزيع الدواء حاليًا؛ حيث يتم بطريقة أفقية وهو ما يتيح لعدد أكبر من الموزعين والمخازن ضخ الأدوية فى الصيدليات، إضافة إلى العمل على توطين وتكثيف وتعميق صناعة الدواء.

ونحن لا ننكر الجهود التي تبذل، ولكن هناك أمورًا ينبغي للجهات المعنية  والوزارة المختصة متابعتها؛ لعدم تكرار أزمة الدواء والقضاء نهائيًا على النواقص، وضمان توافر مختلف المستحضرات الطبية من خلال المتابعة الدورية؛ لتأمين توافر العلاج الآمن والفعال للمريض؛ خاصة في ظل وجود نظام للتنبؤ المبكر بنواقص الأدوية لضمان عدم اختفائها من السوق فجأة والمتابعة الدورية لكميات وأرصدة الأدوية في الصيدليات والشركات وتحديد البدائل والأمثال للأصناف الدوائية المحتملة للنقص فى السوق وتوجيه الجمهور لها.

وتجدر الإشارة إلى أن صيدليات الإسعاف التابعة للشركة القابضة لتجارة الأدوية بجميع فروعها تقوم بمجهود كبير لتوفير جميع أدوية الأمراض المزمنة، علاوة على ذلك أنني وجدت سيارة متنقلة تحدد للمواطن أماكن الدواء التي يحتاجها، بالتعاون بين الشركة القابضة للأدوية وهيئة الدواء، وهذه تجربة محترمة نتمني التوسع فيها مع ربط الصيدليات الخاصة أيضًا بالمنظومة، لمتابعة التوزيع في مخازن وشركات توزيع الأدوية، عن طريق نظام المراقبة الذي وضعته هيئة الدواء لمتابعة عمليات ضخ الأدوية بالصيدليات، مع تكثيف شن الحملات التفتيشية؛ خاصة أن الرقابة الدوائية جزء لا يتجزأ من مقومات صناعة الدواء والنهوض بهذه الصناعة.

ومن المفارقة في الأمر أن عمليات تهريب الدواء المصري زادت في الفترة الأخيرة؛ نتيجة لانخفاض سعره مقارنة بدول أخرى  لا سيما الأدوية الحيوية والخاصة بالأمراض المزمنة (السرطان والأورام والضغط والسكر والغدة)، ورغبة البعض في تحقيق أرباح كبيرة واستغلال تجار الأزمات الظروف القاسية لتحقيق ثروات من خلال المتاجرة بآلام وأوجاع المرضي، وبالفعل تم ضبط كميات كبيرة من الأدوية الأمر الذي جعل هيئة الدواء تشدد إجراءاتها وتعقد اجتماعات دورية؛ خاصة بعد ضبط الجهات المعنية شحنة واحدة فقط بها 150 ألف عبوة لأحد أصناف الأدوية قبل تهريبها.

والمؤسف في الأمر أن تهريب الدواء تحول إلى "بيزنس غير شرعي، في ظل وجود "سماسرة" مهمتهم تهريب الدواء المصري وبيعه في الخارج بأسعار باهظة، لجني أرباح كبيرة على حساب المريض المصري؛ مما يشكل تهديدًا لبزوغ فكرة تجارة السوق السوداء لتهريب الأدوية.
 
وقد ثبت تورط بعض مخازن  الدواء في المشاركة في عمليات التهريب، بسبب ضعف الرقابة وعدم المتابعة الكافية للكميات بتلك المخازن؛ ما يؤدي إلى تفاقم أزمة نقص الأدوية على الصعيد العام.

إن سوق الدواء المصرية وما شهدته خلال الفترة الماضية يحتاج من هيئة الدواء وضع المزيد من القيود لوقف عمليات تهريب الدواء حتى لا يسمع المواطن المصري كلمة "غير متوافر"، في حين أن غيره خارج الدولة يحصل عليه؛ ليصبح ما يسمى الصنف "المثيل" أو "البديل" هو الملاذ الوحيد للمواطن للحصول على الدواء لإنقاذ حياته.

وإذا بحثنا في الأسباب التي هي من وراء عمليات تهريب الدواء سنجد أن أهمها؛ الوضع المضطرب بالمنطقة، ووجود صراعات ببعض الدول المجاورة، وعدم وجود مصانع أدوية ببعض الدول، وتوقف الصناعة الدوائية بالبعض الآخر إضافة إلى انخفاض أسعار الدواء المصري بالمقارنة بالأسعار العالمية الذي جعل هناك ما يطلق عليهم بـ"تجار الشنطة"، علاوة على الطرق الأخري للتهريب عبر قنوات غير شرعية تتفنن من خلالها العصابات المتخصصة في ارتكاب هذه الجريمة عبر طرق ملتوية لا تخضع لرقابة مشددة؛ من أجل بيعها والاستفادة من فارق السعر، خاصة العملة الصعبة؛ لتحقيق أرباح طائلة، كما كشف الدكتور على عوف رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية.

وفي الحقيقة: هناك منظومة لصناعة الدواء بمصر لا ينكرها أحد، بل إن لها ضوابط تحت رقابة هيئة الدواء بداية من دخول المادة الخام  للمصانع، مرورًا بمرحلة التصنيع حتى بعد خروج الدواء لشركات التوزيع وتوصيله للصيدليات، ولكن إذا وجدنا خللا ما فيتعين علينا علاجه، وسد هذه الثغرات في ظل هذه الظروف، ودعم الدولة لهذا القطاع الحيوي؛ لأنه يعد أمنًا قوميًا للدولة المصرية.

ويحسب لهيئة الدواء أنها استطاعت خلال الفترة الماضية ضبط كميات كبيرة من الأدوية، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد شركات كبرى تنتج أدوية حيوية كانت تخزن الدواء الذي يتم إنتاجه للاستفادة من زيادة السعر وعدم طرحه بالسوق.

والأمر المؤكد أن تشديد الرقابة على المصانع وشركات التوزيع والمخازن والصيدليات، وكذلك على المواقع والمنافذ الجمركية أمر مهم للغاية؛ تجنبًا لتهريب الأدوية للخارج، مع ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في هذا الشأن في حالة المخالفة.

ويتفق ما أوردناه سلفًا مع تأكيدات الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء عن جهود الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من صناعة الدواء، كما ينسجم مع رؤية الدولة المصرية لتطوير صناعة الدواء؛ إذ كان لها الدور الأكبر في زيادة عدد مصانع الدواء بمصر والتوسع في هذه الصناعة، والتحول التدريجي للتصدير؛ حيث ستصل صادراتنا من الأدوية بمشيئة الله تعالى خلال العام المالي الجاري إلى 1.5 مليار دولار.. 

ومن المتوقع خلال عامين بلوغها 2 مليار دولار وصولًا إلى 3 مليارات قبل عام 2030 حسبما كشف الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء.

ومما يؤكد هذه الرؤية تأكيدات الرئيس السيسي على ضرورة اقتحام كل مجالات الصناعات الدوائية الحديثة؛ مثل أدوية السرطانات ومشتقات البلازما وغيرهما من الأدوية التي تتطلب تكنولوجيا متقدمة، علاوة على ضرورة اقتحام صناعات الخامات الدوائية بنسبة 100%؛ لأن الشغل الشاغل للرئيس السيسي هو بناء الإنسان المصري، ورفع المعاناة عن كاهله، وتوفير الخدمات له وتخليصه من الأزمات.
 
وخلاصة القول إننا نريد أن يتم علاج وتجاوز أزمة نقص الدواء، وعدم تكرارها مرة أخرى، مع الوضع بالحسبان أن وراءها عوامل وأسبابًا متعددة، وأن الدولة لا تألو جهدًا ولا تدخر وسعًا في سبيل التغلب عليها وعدم تكرارها، خاصة في ظل  الرؤية الثاقبة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي  لقطاع الدواء لضمان تقديم رعاية صحية أفضل  للمواطنين، ولكن هناك بعض العقبات التي تحتاج إلى مواجهتها للحفاظ على ضمان توفير دواء آمن للمرضى، كل هذا وغيره يأتي في ظل العديد من التحديات التي تواجه هذا القطاع الحيوي، مع وجود الأزمات الاقتصادية العالمية التي تؤثر بدورها على توافر الدواء؛ لذا يجب على كافة المعنيين تضافر جهودهم لتحويل صناعة الدواء إلى عنصر فعال فى الاقتصاد القومي، وتحويل مصر لمركز إقليمي لتصدير الدواء، مع توفير الدواء للسوق المحلية والقضاء على كل ما يهدد هذه الصناعة أو يهدد مصلحة المواطن خاصة في البحث عن العلاج الناجع، أو الوقوف في طوابير للحصول على جرعة تخفف أو تزيل الألم والأوجاع.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة