داخل بيت متواضع في قرية كفر الحمادية التابعة لمركز بركة السبع في محافظة المنوفية، جلس محمود معوض الحفني على أريكة داخل المنزل الذي يسميه أهل القرية «بيت القرآن» فرحًا بخبر اختياره «الأب القدوة» في المسابقة التي نظمتها وزارة التضامن الاجتماعي للنماذج الملهمة من الآباء، أصحاب الدور الإيجابي في حياة أبنائهم، رغم ما مروا به من صعاب.
موضوعات مقترحة
الوصول إلى قرية كفر الحمادية
لم يكن الوصول إلى قرية كفر الحمادية -الصغيرة- سهلا؛ حيث يضطر الساعي للوصول إلى «بيت القرآن» الوصول أولا إلى مركز بركة السبع، ليستقل بعدها معدية نهرية تقطع ضفتي مجرى مائي كبير -رغم بساطتها- حتى يتسنى لك أن تستقل «ميكروباص» يتراوح وقت انتظاره إن كنت سعيد الحظ دقائق معدودة وإن كان الحظ لا يحالفك كثيرا ستنتظر حتما لساعات طويلة.
ما أن تطأ قدمك أرض القرية، تسأل عن منزل محمود معوض الحفني، سيقودك إليه الصغير والكبير من أهالي القرية، وكيف لا يعرفه الجميع؟ وهو المنزل الذي يسميه أهل القرية «بيت القرآن»، لما ينبض به ذلك المنزل من دفء ومحبة ورضا، بعد أن جمعت أركانه القرآن الكريم في صدور أهل المنزل.
حكاية الأب القدوة بالمنوفية محمود معوض الحفني
داخل «بيت القرآن»
رجل بشوش الوجه، هادئ الطبع، ترك الزمن بعضًا من أثاره عليه، هكذا رأت «بوابة الأهرام» «الأب القدوة» لمحافظة المنوفية عن عام 2024، الذي أوضح أن تسمية المنزل بـ«بيت القرآن» راجع إلى أنه من حفظة كتاب الله، وإمام وخطيب مسجد متطوع بأحد مساجد القرية، وكان والده وجده من حفظة كتاب الله، وكانوا يحفظون أبناء القرية القرآن الكريم، وهو ما يستكمله حاليا مع أبنائه وتحفيظهم القرآن الكريم.
التقدم إلى مسابقة «الأب القدوة»
«لم أسعَ إلى المشاركة في المسابقة» يؤكد محمود معوض الحفني لـ«بوابة الأهرام» عدم سعيه للاشتراك؛ إلا أن إحدى الرائدات الريفيات بقرية أبو مشهور التابعة لقرية كفر الحمادية وجدت أن شروط المسابقة تنطبق عليه، وأنه يستحق لقب «الأب القدوة».
ويتابع الرجل الخمسيني حديثه، بأن الرائدة الريفية عرضت عليه أمر الاشتراك في المسابقة العام الماضي، ولكن لم يقع عليه الاختيار؛ لتعاود السيدة الريفية الكرة في العام الحالي، ليجد نفسه حاملا لذلك اللقب.
حكاية الأب القدوة بالمنوفية محمود معوض الحفني
اتصال البشرى بـ«الأب القدوة»
«غلبتني دموع الفرح لما أتأكدت من صحة الخبر» يحكي الأب القدوة عن شعوره عند معرفته بالخبر؛ لافتا إلى أنه علم بفوزه من محافظ المنوفية؛ حيث تلقى منه اتصالا تليفونيا أثناء تواجده في مدرسة كفر الحمادية التي يعمل بها موظفًا.
رعاية الله وبركة القرآن عند الأزمات
بنبرة رضا لم تفارق صوته.. وبابتسامة لم تفارق وجهه البشوش -إلا قليلا- يقول محمود الحفني: إن بركة القرآن الكريم ظلت ترعاه وأسرته في كل الأزمات، وأن رحمة الله وكرمه لم تفارق منزله المتواضع.
«بعد ما اتجوزت بكام سنة البيت وقع علينا وكان معايا أحمد وأمنية»، يحكي الحفني عن أزمة أصابت الأسرة، اضطرته إلى الاقتراض من البنك؛ لإعادة بناء البيت الذي كان مبنيا بالطوب اللبن، إلا أن قسط القرض كان أكبر من كامل راتبه؛ حيث كان راتبه 150 جنيهًا ومطلوب منه سداد قسط القرض بمبلغ 210 جنيهات شهريا، لمدة سبع سنوات.
يزداد الوضع سوءًا - والحديث لا يزال للأب القدوة- بإضافة متطلبات الأسرة التي لا يكفيها الراتب بعد أن التهمه قسط القرض، ليقرر الأب الذي تعصره أزمات الحياة فتح دكان بقالة صغير؛ يساعده في استكمال مبلغ قسط القرض، وتوفير متطلبات المعيشة لأسرته.
«سميت سنوات القرض بالسبع العجاف.. كسنوات سيدنا يوسف عليه السلام» يصمت الرجل قليلا، يلتقط أنفاسه وكأنه يتذكر مرارة الأيام أو ربما الحمل الثقيل الذي ازداد على كاهله بعد أن وصل نجليه إلى المرحلة الثانوية العامة، وهو ما زاد من أعباء الأب.
«ولكن كرم الله واسع.. عدت السنين والقرض اتسدد بالكامل.. ووربنا رزقني بآخر ولادي.. محمد» برضا يتحدث الأب القدوة وكأنه يزفر زفرة الضيق عن صدره، ويتنفس الصعداء لمرور السنوات العجاف.
الأب القدوة لثلاثة أبناء
يخبو بريق الابتسامة حثيثا، تتلألأ عينا الرجل بالدموع، تتحشرج بعض الكلمات عن الحديث عن نجله الأكبر «أحمد» الذي وصفه بأنه بارًا به، كمان كان الرجل بارًا بوالديه؛ فقد بدأ أحمد بالعمل لمساعدة والده بعد أن أنهى دراسته الثانوية؛ ليلتحق بكلية التجارة؛ وما أن أنهى دراسته الجامعية، عمل في إحدى شركات المنطقة الصناعية بمركز قويسنا، ومن بعدها بدأ بالبحث عن فرصة سفر إلى الخارج.
يتابع الأب القدوة، وفق الله أحمد وتمكن من السفر إلى السعودية؛ وبيقين يتحدث، أن الله جعله سببا لي لتأدية فريضة الحج ولوالدته.
ويحكي عن ابنته الوحيدة «أمنية»؛ حيث تخرجت بتفوق في كلية الهندسة، وتزوجت وهي الآن معيدة في أحد المعاهد الهندسية؛ فيما يدرس نجله الصغير محمد في كلية الهندسة.
ويتحدث الحفني بمحبة عن زوجته، قائلا: «هي شريكة الكفاح، تحملت ظروفي المادية الصعبة دون كلل أو ملل، وساعدتني في تربية وتعليم الأولاد وبناء المنزل».
ويتابع: لذلك اختارتها لتكون رفيقتي في التكريم باللقب، كما كانت رفيقتي طوال حياتي.
وكرمّت وزارة التضامن الاجتماعي محمود معوض الحفني، في احتفالية كبرى أقيمت في القاهرة، بعد أن توافرت فيه شروط المسابقة، التي حددت عددا من الشروط يجب أن تتوافر في المتقدم إليها، منها ألا يقل عمره عن 55 عامًا، وأن يكون لديه قصة كفاح وقدم تضحيات وإنجاز في تربية أبنائه، وألا يزيد عدد أبنائه على 3 أبناء، وأن أقل مؤهل علمي لأبنائه هو الشهادة الجامعية.