لو علم الصهاينة أن السنوار داخل المبنى لما أطلقوا عليه نيرانهم؛ فهم يريدونه أسيرًا "وليس" شهيدًا..
لو علم الصهاينة أنهم حينما أفرجوا عنه في عام 2011 في صفقة تبادل للأسرى أنه سيقود ويصنع طوفان الأقصى ضدهم؛ لما أفرجوا عنه.
لو علموا أنهم بنشرهم فيديو اغتياله أنه سيصبح أسطورة في العالم وليس في الوطن العربي فقط، لما نشروه..
فقد نشروه ليبثوا "الهزيمة" في النفوس، وليقولوا لغزة وفلسطين وللجميع: ها هو قائدكم قتلناه وحيدًا، وجاءت النتائج بما يكره الصهاينة وحلفاؤهم..
فمشاهير التيك توك في العالم صنعوا مقاطع تشيد بالسنوار كأيقونة وتحدثوا عنه بإعجاب بصموده، وكيف لم يمت أحد هكذا في سابقة لم تحدث من قبل، وعلى سبيل المثال، في اليابان أشادت الصحف به ووصفوه بالساموراي الذي يقاتل بشجاعة وشرف حتى النهاية، وفي أمريكا طالبت ناشطة أمريكية بصناعة فيلم في هوليوود عنه كأسطورة!
وتزايدت شعبيته في العالم العربي حتى ظهر المثل الجديد: رميتُ بعصا السنوار، أي فعلت كل ما بوسعي وبذلت كل طاقتي حتى الرمق الأخير.
دائمًا نستطيع الاختيار؛ هذا ما أكده يحيى السنوار في رحلته التي استمرت 62 عامًا، فاختار منذ البداية الانحياز لوطنه، وتحمل كل "الشوك" الذي يوقن أنه سيتعرض له في نفسه وأيضًا فيمن يحب وهو يثق أنه سيفوز "بالقرنفل" أي النصر أو الشهادة وفاز بهما سويًا..
فمات منتصرًا رافعًا "عصاه" في وجه مسيرة العدو، وكان لا يستطيع الوقوف على قدميه ولكن رأسه كان مرفوعًا، مثل كل الفلسطينيين..
هو يشبه كل فلسطيني في الشكل وأسلوب الكلام البسيط وأيضًا في العاطفة "القوية" التي تنبض في دمائه..
كتب السنوار روايته الوحيدة الشوك والقرنفل وهو في السجن عام 2004؛ في الرواية الشوك يرمز للمنغصات التي يواجهها الفلسطينيون في تفاصيلهم اليومية، والقرنفل يرمز للأمل ولتجدد المقاومة.
كتب السنوار في الرواية: يبدو أن قدرنا هو أن نعيش حبًا واحدًا فقط، حب هذه الأرض ومقدساتها وترابها وهوائها.
أخلص لحبه كعاشق لا يفرط فيمن أحب أبدًا؛ ذكرت صحيفة وول ستريت الأمريكيه أنه رفض عروضًا لمغادرة غزة وترك "الحصار" والعيش في أي مكان يريده وقال: أنا في أرض فلسطين ولست محاصرًا، وكان يلعب تنس الطاولة في الأسر وهو بلا حذاء حتى تلامس قدماه أرض فلسطين "ولا" يشعر أنه في السجن، ويقول أنا لست في السجن، أنا على أرضي، أنا حر هنا في بلدي، كما صرح من رافقوه في الأسر.
ربما إحساسه "بالحرية" أثناء أسره هو الذي جعله "يستثمر" وقته في السجن؛ فيتقن العبرية ويشاهد القنوات الإسرائيلية، ويحاور الجميع في السجن من كل التيارات الفلسطينية من باب "الشراكة" وليس الانتماء الحزبي "الضيق"، ويحاور السجانين والمحققين الصهاينة بثقة صاحب الأرض، ويسعى "لفهم" نفسية العدو كي يجيد التعامل معه مستقبلًا، وهو ما فعله بعد مغادرته السجن عام 2011؛ حيث سارع بالعودة لكفاحه، وتدرج حتى أصبح قائد حماس السياسي والعسكري في غزة.
في مخيم للاجئين كان ميلاده 29 أكتوبر عام 1962، وانضم للمقاومة في شبابه المبكر وحصل على بكالوريوس اللغة العربية، وكان قائدًا في اتحاد الطلبة طوال دراسته، واعتقله الاحتلال بعد أحكام قضائية ضده بالسجن مدى الحياة 4 مرات، قضى منها 23 عامًا في سجون الصهاينة، قال صحفي صهيوني عنه: "لا يمكن أن يكون فلسطينيًا إنه يعرف كل شيء عنا!".
تعاون السنوار بعد مغادرته السجن مع كل الفصائل الفلسطينية بلا حساسية سياسية، وتفهم "حتمية" الاختلافات وضرورة الاتفاق على المشروع "الوطني"، وتحسين حياة الناس قدر الاستطاعة، وأعاد قضية فلسطين إلى الصدارة بعد سنوات من "تعمد" إهمالها، وكسبت اهتمام غالبية الشعوب في العالم وتضامنهم مع الحق الفلسطيني حتى داخل أمريكا.
يتذكر الكثيرون صورة شهيرة للسنوار وهو جالسًا على بقايا أثاث مكتبه في نهاية حرب 2021، كان مبتسمًا متحديًا "وواثقًا" أيضًا من الانتصار ولو بعد حين.
وقتئذ أكدت نوريت يوهانان الصحفية في يديعوت أحرونوت أنه "قهر" إسرائيل بهذه الصورة، وبعدها عقد مؤتمرًا صحفيًا وتحدى الاحتلال بأنه سيعود لبيته سيرًا على الأقدام، وفعل ذلك وتجول في الشوارع، والتقط صورًا مع الناس.
تم اغتياله بالمصادفة، وظهر رئيس أركان جيش الصهاينة "متباهيًا" وقال: أغلقنا الحساب مع السنوار الذي يتحمل مسئولية 7 أكتوبر، ذلك اليوم الصعب في تاريخنا، لو تركناه على قيد الحياة لخطط لتكرار هجمات 7 أكتوبر.
في "نشوة" الاحتلال باغتياله نسوا وهم يتسرعون بنشر مشاهد اغتياله أنهم كانوا "يؤكدون" أنه تحت الأرض ومحاطًا بدروع بشرية، ويترك أهل غزة للقتل.
ولم يحصل نتنياهو على صورة النصر التي "يحتاجها؛ يقول الينور ليفي محلل الشئون الفلسطينية في قناة كان 11 العبرية، إن سكان غزة والعالم العربي ينظرون إلى هذه الصور بشكل معاكس للنظرة الإسرائيلية، حيث يظهر أنه قاتل حتى آخر قطرة دم، وأضاف: إسرائيل أخطأت خطأ كبيرًا إذا اعتقدت أن هذه الصور تشكل إهانة للسنوار في نظر الغزيين والعالم العربي، وأن صورة السنوار أكبر من ذلك بكثير، فهو شخصية أكثر من أسطورية والانطباع عنه وعن كل ما قام به سيستمر لسنوات وأجيال قادمة.
وأشار ليفي إلى أن الجيش كان يعتقد أن الغزيين عندما يرون الفيديو المنشور للسنوار سيقولون إن الإسرائيليين "أذلوه" وأضاف: إنكم مخطئون، ولا تفهمون تفكير حماس.