يوميات النصر..«23 أكتوبر 73».. الجبهة تودع القتال وتستقبل قرار وقف إطلاق النار| وثائق

23-10-2024 | 16:13
يوميات النصر; أكتوبر ; الجبهة تودع القتال وتستقبل قرار وقف إطلاق النار| وثائقحرب أكتوبر المجيدة
أحمد عادل

"جاءت مصر ثم جاء التاريخ".. إنها حقيقة تاريخية ثابتة لا جدال فيها.. وإذا تصفحنا دفتر أمجاد الوطن سنجده زاخرًا بصفحات المجد والانتصار التي فرضت ذاتها على جبين التاريخ، فيها انتفض أبناء مصر فحطموا قيود الاحتلال، وأعلوا راية مصر فوق كل الرايات، تغلبوا على كافة التحديات وتحققت على أيديهم المعجزات، وخلص وجه الوطن حُرًا عزيزًا مُتطلعًا لمستقبل مشرق، لا صوت يعلو فيه فوق صوت المصريين وهم يهتفون "تحيا مصر".

موضوعات مقترحة

وإذ تحتفل مصر بالذكرى الحادية والخمسين لحرب أكتوبر المجيدة، الذي يمثل أعظم انتصار لمصر وجيشها الباسل وشعبها العظيم على امتداد العصور والأزمان، فإن "بوابة الأهرام" في إيمان منها بأهمية هذا الانتصار العظيم وضرورة ترسيخه في أجيال الشباب، فإنها توثق لحرب العزة والكرامة من خلال أرشيف صحيفة "الأهرام" في معايشة يومية، ننتقل فيها بين قرارات العبور وتضحيات الجنود، نرصد ما أحدثته الحرب من تغييرات شاملة على خارطة السياسة العالمية، وكيف استطاعت قواتنا المسلحة الباسلة بتحطيم أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر".

لازلنا نطالع صفحات "المجد والانتصار" التي سطرها الشعب المصري جيشًا وحكومة في حرب أكتوبر المجيدة، وصدر عدد "الأهرام" يوم الثاني والعشرين من أكتوبر 1973م، وكان المانشيت الرئيسي كالتالي:

قتال لم تشهد الجبهة له مثيلا في عنفه حتى لحظة وقف إطلاق النار

وتلا المانشيت مجموعة من العناوين الرئيسية كالتالي:

ـ خسائر العدو في الأفراد والمعدات أمس وحده تعادل خسائره طوال عدة أيام من معارك الدبابات وهي في ذروتها

ـ قواتنا صبت على مواقع العدو في كل مكان كميات مذهلة من النيران بينما تصاعدت العمليات الجوية في الجبهة والبحرية عند بور سعيد وفي البحر الأحمر

ـ القتال توقف على طول المواقع في الجبهة المصرية في الساعة ٦,٥٢ مساء أمس

ـ الرئيس السادات يعلن أنه وافق على وقف إطلاق النار على أساس التطبيق الفوري والكامل لقرار مجلس الأمن

ـ الرئيس يؤكد في البيان على نقطتين: الانسحاب من كل الأراضي المحتلة والحقوق المشروعة لشعب فلسطين

 ـ رسالة عاجلة من بريجنيف إلى السادات قبل ساعات قليلة من اجتماع مجلس الأمن

ـ فالدهايم بدأ ترتيب الإجراءات التالية لوقف إطلاق النار بينما قام كيسنجر برحلة ٥ ساعات لإسرائيل

وفي التفاصيل شهدت الجبهة المصرية طوال الساعات الأثنى عشرة التي سبقت وقف إطلاق النار أعنف قتال بكل الأسلحة منذ بدء المعارك يوم ٦ أكتوبر، فقد صوبت القوات المصرية كميات هائلة من النيران على مواقع العدو تعادل ما أطلقته من قبل طوال عدة أيام .

وعلم المحرر العسكري « للأهرام » أن خسائر إسرائيل في الإفراد وفي العتاد بين السادسة و ٥٢ دقيقة صباحا (وهو الوقت الذي اصدر فيه مجلس الأمن قراره بوقف إطلاق النار) والسادسة و ٥٢ دقيقة مساء أمس (وهو موعد وقف إطلاق النار) ما يعادل خسائرها على مدى خمسة أيام على الأقل أثناء معارك الدبابات وهي في ذروتها، وقد تمكنت القوات المصرية في معارك أمس من طرد القوات الإسرائيلية من بعض مواقعها الدفاعية، كما تمكنت من تحطيم كلهجماتها المضادة . وفي منطقة الدفرسوار قامت القوات المصرية البرية والجوية بهجمات مدمرة بلغت في عنفها حدا يفوق توقعات العدو، وأصبحت قوات العدو مبعثرة في عدة مواقع متفرقة .

وفي نفس الوقت تصاعدت العمليات الجوية فوق الجبهة: بينما كانت وحدات الأسطول المصري مشتبكة مع العدو في البحرين الأبيض المتوسط والأحمر.

وتحت عنوان "بيان من القائد العام للقوات المسلحة"، نقرأ هذه التفاصيل :

وفي الساعة 6.45 دقيقة مساء أصدر الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة نداء إلى جميع أفرع وتشكيلات القوات المسلحة، قال فيه :صدر أمر القائد الأعلى للقوات المسلحة بإيقاف إطلاق النيران اعتبارًا من الساعة ۰۲ ۱۸ اليوم ٢٢ أكتوبر ۱۹۷3 بتوقيت القاهرة إذا التزم العدو بإيقاف إطلاق النار في هذا الموعد .

وإننی فی هذه اللحظات إذ أقف تقديرا احتراما ووفاء لزملائنا الشهداء والمصابين اشكر جميع أفراد القوات المسلحة من قادة وضباط وضباط صف وجنود، وكل العاملين بها علی ما بذلوه من جهد وما حققوه من من انتصارات أساسها الشجاعة والرجولة والمثل العليا والإيمان بالله وبالوطن.

وفي نفس الوقت، فإنني آمر الجميع باتخاذ كافة إجراءات التأمين والحذر لقواتهم من العدو، كما يجب أن تبدأ القوات فورا في إعادة تنظيم وحداتها في أماكنها وأن تكون مستعدة لاستئناف القنال فورا وفي أي وقت إذا ما بدأ العدو ذل .. إلى العلى جنود مصر وإلى المجد أيها الأبطال.

وتحت عنوان "بيان الرئيس السادات إلى الأمة" نشرت الأهرام البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية بموافقة الرئيس السادات على قرار وقف إطلاق النار، وفي التفاصيل:

وفي  الساعة الثانية والنصف بعد الظهر أذاعت رئاسة الجمهورية بيانًا للأمة تُعلن فيه موافقة مصر على قبول وقف إطلاق النار الذي أصدره مجلس الأمن صباح أمس مؤكدا على تفسير مصر بوضوح لقرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ الصادر في نوفمبر ١٩٦٧ وينصب هذا التفسير على نقطتين أساسيتين :

الأولى - الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي المحتلة

والثانية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. 

وفيما يلي نص البيان:

درس الرئيس محمد أنور السادات بعناية بالغة قرار مجلس الأمن الذي صدر صباح اليوم، والذي ينص على وقف إطلاق النار في مدى ١٢ ساعة من صدوره وعلى التطبيق الفوري والكامل لقرار مجلس الأمن الصادر في ٢٢ نوفمبر عام ٦٧، وعلى محادثات سلام باشتراك كل الأطراف المعنية والمهنية في إطار مجلس الأمن وبمساهمته العملية.

ودرس الرئيس أنور السادات بعناية بالغة تفاصيل مناقشات مجلس الأمن ملاحظًا ما يلي:

أولا - إن مشروع القرار الذي عُرض على مجلس الأمن قد تقدمت به الدولتان العظميان .. الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة بعد اتصالات مكلفة على أعلى المستويات بينهما وبمسئولية خاصة بهما في الأوضاع الدولية الراهنة.

ثانيًا: إن مجلس الأمن وافق على مشروع القرار وبدون أی اعتراضی من جانب أي عضو من أعضائه.

ثالثا: أن المناقشات التي دارت في المجلس كانت لها أهمية كبيرة وألقت أضواء ضرورية على معناها.

وفي هذا الصدد فقد كانت ملاحظات فرنسا والهند ملاحظات لها أهميتها.

رابعًا: إن التفسير المصري لقرار مجلس الأمن واضح كل الوضوح سواء فيما يتعلق بالانسحاب من الأراضي المحتلة، أو فيما يتعلق بالحقوق المشروعة لشعب فلسطين.

ولقد كانت هناك اعتبارات هامة في أثناء دراسة ذلك كله منها:

أولا: مشروع السلام الذي طرحه الرئيس أنور السادات على الأمة وعلى العالم في خطابه أمام مجلس الشعب واللجنة المركزية يوم ١٦ أكتوبر، والذي جعل من الانسحاب الكامل أساسًا لاشك فيه لأی عمل سیاسي.

 ثانيا: المحادثات التي جرت بينه وبين الرئيس السوفيتي أليكسى كوسیچین رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي الذي زاره في القاهرة في الفترة مابين ١٦- 19 أكتوبر، وقد أتاحت لهما هذه الزيارة فرصة حمس جلسات عمل مشترك.

 ثالثا: التأكيدات التي تلقاها الرئيس أنور السادات من الزعيم السوفييتي ليونيد بريجنيف، والتي قدمها له السفير السوفييتى في القاهرة في رسالة خاصة تلقاها الرئيس مساء ۲۱ اکتوبر ۱۹۷۳ .

رابعا : الاتصالات التي جرت مع عدد من العواصم العربية المهتمة مباشرة بالمعركة.

 إن الرئيس أنور السادات يعتبر أن القاعدة الوطيدة التي غيرت طبيعة وظروف أزمة الشرق الوسط كلها قد برزت وتدعمت بالعمل العظيم والمجيد الذي عملت وتقوم به القوات المسلحة العربية وأثبتت به نفسها في ميدان القنال شجاعة ومقدرة وفداء .

ذلك لأن هذا العمل العظيم والمجيد هو وحده الذي كسر جمود الأزمة وبدل الأمر الواقع وغير الخريطة السياسة للشرق الأوسط كلها، وأنهى إلي الأبد صلافة وحماقة القوة التي مارسها العدو الإسرائيلي خمسا وعشرين سنة في الواقع.

وبناء على ذلك كله فإن الرئيس السادات قد أصدر بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة أمره إلى القيادة العامة بوقف إطلاق النار في الموعد الذي حدده قرار مجلس الأمن شريطة أن يلتزم العدو قرار مجلس الأمن في نفس اللحظة.

إن الرئيس السادات وهو يتخذ هذا القرار بمسئوليته التاريخية يعتبر أن الفصل الأكبر والأول في هذه المرحلة الأولى من فتره حاسمة في النضال القومي والمصري يعود إلى صلابة الأمة العربية كلها وإلى الوعي العميق لشعوبها، ثم قبل ذلك كله وبعده إلى بطولة الرجال الذين قبلوا تحدى النار والدم في ميدان القنال وكان نصر الله لهم أكيدا.

في الصفحة الثانية من "الأهرام" نطالع طائفة من الأخبار والتقارير الهامة تحت هذه العناوين:

ـ إسرائيل قبلت وقف إطلاق النار قبل أن يبدأ مجلس الأمن جلسته

ـ مائير رئيسة الوزراء تذهب إلى المطار بنفسها لتكون في استقبال وزير خارجية أمريكا

ـ تكتم شديد حول تفصيلات ما دار في محادثات بريجينيف وكيسنجر

ـ تأييد دولي لقرار مجلس الأمن وبدء تنفيذ قرار 242 الذي يطاب بانسحاب قوات إسرائيل

ـ إمدادات أمريكا لإسرائيل.. واشنطن تعلن استمرارها

ـ الأردن يعلن موافقته على قرار وقف إطلاق النار

ـ المقاومة تقصف مستعمرة المظلة الإسرائيلية

في الصفحة الثالثة نشرت "الأهرام" النص الكامل لمناقشات مجلس الأمن حول مشروع القرار الأمريكي ـ السوفييتي، ونشرت أهم التصريحات الصادرة عن المشاركين في الاجتماع.

ـ الزيات: أهداف مصر هي تحرير أراضيها والمحافظة على حقوق شعب فلسطين

ـ أمريكا: استطالة أمد الحرب ليس في صالح الأطراف المتحاربة أو شعوب المنطقة

ـ الاتحاد السوفييتي: التطور الخطير للأحداث اقتضى بذل جهود عاجلة من الجميع

ـ بريطانيا: مجلس الأمن ظل عاجزًا طوال ست سنوات عن القيام بمسئولياته

وفي أسفل الصفحة الثالثة، نُشر قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، وفيما يلي نص القرار:

وافق مجلس الأمن في اجتماعه الذي عقده مساء الأحد، بناء على دعوة مشتركة عاجلة من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة لمواصلة بحث الموقف في الشرق الأوسط ، بأربعة عشر صوتا ضد لا شيء ودون امتناع أحد عن النصويت (دولة واحدة هي الصين لم تشترك في التصويت) على القرار التالي الذي تقدم به الاتحاد السوفييتى والولايات المتحدة :

الفقرة الأولى: يدعو مجلس الأمن جميع الأطراف في القنال الدائر إلى وقف كافة إطلاق النيران والإنهاء الفوري لكل نشاط عسکری في مدة لا تتجاوز ۱۲ ساعة بعد لحظة إقرار المجلس لهذا القرار، وذلك في المواقع التي يحتلونها الآن.

 الفقرة الثانية: يدعو مجلس الأمن كل الأطراف المعنية إلى البدء فورًا بعد وقف إطلاق النار في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ / ١٩٦٧  بجميع أجزائه.

الفقرة الثالثة: يقرر مجلس الأمن أن تبدأ المفاوضات فورا، وفي وقت واحد مع وقف إطلاق النار، بين الأطراف المعنية تحت الإشراف الملائم؛ بهدف إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط  .

تمت الموافقة على القرار فجر يوم الإثنين، الساعة السادسة و ٥٢ دقيقة بتوقيت القاهرة.

وتكلم سير لورانس مكتابر رئيس مجلس الأمن (أستراليا) في نهاية الاجتماع، فقال: إننا كأعضاء في المجلس يجب أن نتحد الآن في دعوة جميع الأطراف إلى قبول هذا القرار، والعمل بسرعة وبإنقان و إخلاص على تنفيذه، ثم أضاف:(ان المجلس سوف يواصل مراقبة التطورات بكل الانتباه الممكن، وسوف يكون على استعداد للاجتماع فى أى وقت لمساعدة الأطراف على تنفيذ القرار).

وبعد أن انفض اجتماع المجلس، أعلن متحدث بلسان الأمم المتحدة ترحيب المنظمة بالموافقة على قرار مجلس الأمن، وأعرب عن أمله في أن يتوقف القتال، وأن تبدأ مفاوضات جادة سريعة من أجل تسوية عادلة ودائمة.

ومع قرار وقف إطلاق النار، ننهي جولتنا بين "صفحات المجد والانتصار"، لقد حققت مصر ما تريده من معركة الكرامة، نسفت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأعادت للأمة العربية عزتها وكرامتها، لم تساوم على أراضيها أو تتنازل عنها، ولم تتخل عن القضية الفلسطينية باعتبارها القضية الأولى للعرب، لقد توقف دوي المدافع والآليات العسكرية بعد أن أدى الجيش المصري وجنوده الأبطال دورهم ببسالة، ودخلت مصر حربًا جديدة استخدمت فيه سلاح الدبلوماسية والتفاوض حتى أعادت سيناء كاملة دون التنازل عن حبة رمل واحدة.  


عدد الأهرام يوم 23 أكتوبر 1973عدد الأهرام يوم 23 أكتوبر 1973

عدد الأهرام يوم 23 أكتوبر 1973عدد الأهرام يوم 23 أكتوبر 1973

عدد الأهرام يوم 23 أكتوبر 1973عدد الأهرام يوم 23 أكتوبر 1973
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: