"جاءت مصر ثم جاء التاريخ".. إنها حقيقة تاريخية ثابتة لا جدال فيها.. وإذا تصفحنا دفتر أمجاد الوطن سنجده زاخرًا بصفحات المجد والانتصار التي فرضت ذاتها على جبين التاريخ، فيها انتفض أبناء مصر فحطموا قيود الاحتلال، وأعلوا راية مصر فوق كل الرايات، تغلبوا على كافة التحديات وتحققت على أيديهم المعجزات، وخلص وجه الوطن حُرًا عزيزًا مُتطلعًا لمستقبل مشرق، لا صوت يعلو فيه فوق صوت المصريين وهم يهتفون "الله أكبر وتحيا مصر".
وإذ تحتفل مصر بالذكرى الحادية والخمسين لحرب أكتوبر المجيدة، الذي يمثل أعظم انتصار لمصر وجيشها الباسل وشعبها العظيم على امتداد العصور والأزمان، فإن "بوابة الأهرام" في إيمان منها بأهمية هذا الانتصار العظيم وضرورة ترسيخه في أجيال الشباب، فإنها توثق لحرب العزة والكرامة من خلال أرشيف صحيفة "الأهرام" في معايشة يومية، ننتقل فيها بين قرارات العبور وتضحيات الجنود، نرصد ما أحدثته الحرب من تغييرات شاملة على خارطة السياسة العالمية، وكيف استطاعت قواتنا المسلحة الباسلة بتحطيم أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر".
لازلنا نطالع صفحات "المجد والانتصار" التي سطرها الشعب المصري جيشًا وحكومة في حرب أكتوبر المجيدة، وصدر عدد "الأهرام" يوم العشرين من أكتوبر 1973، وكان المانشيت الرئيسي كالتالي:
أنظار العالم تتركز على سيناء ومعركة الدبابات تقترب من مرحلتها الحاسمة
وتلا المانشيت مجموعة من العناوين الرئيسية:
ـ القائد الإسرائيلي في سيناء: المصريون يهاجمون بشراسة في موجات كثيفة وبنيران كثيفة وبأسلحة كثيفة
ـ عملية التسلل الإسرائيلي إلى غرب القناة تتم الآن تصفيتها بعد إحكام الحصار عليها وتدمير جزء كبير منها
ـ تل أبيب بدأت منذ مساء الجمعة تقلل من نتائج هذه العملية بعد أن تأكدت من مصيرها المحتوم
ـ لثالث مرة منذ بداية العمليات الحربية تستدعى إسرائيل « طبقة» جديدة من القوات الاحتياطية
وفي التفاصيل، كتب المحرر العسكري لـ"الأهرام" تقترب معركة الدبابات الكبرى داخل سيناء من مرحلتها اسمه بعد أن تصاعدت في اليوم الخامس لها ضراوة الصدام إلى حد أجمع فيه المراقبون العسكريون على أن العالم لم يشهد حتى الآن حربًا طاحنة بالمدرعات بمثل العنف الذي تدور به معارك القطاع الأوسط من جبهة سيناء، ويجمع المراقبون العسكريون على أن معارك القطاع الأوسط التي يتابعها العالم باهتمام كبير تدخل الآن ذروتها؛ بسبب حشد المدرعات الكثيف في المعركة والذي يعتبر أضخم تجمع من الأسلحة المدرعة عرفها ميدان القتال.
وقد أعطى الجنرال جونين القائد الإسرائيلي لجبهة سيناء صورة للمعركة في تصريح أدلى به المراسل وكالة «الأسوشيتد برس» من مقر قيادته في سيناء، قال الجنرال تمويل جونين:"إن القوات المصرية تشن هجمات مضادة كثيفة جدا على شكل موجات وراء موجات".
وأضاف:"إنهم يقاتلون بشراسة انتحارية في اعنف رد على تحركاتنا»، وقال إن من الملاحظات البارزة المعركة، ضخامة القوات المصرية- أسلحة ورجالا - التي تدخل المعركة أنهم يقومون بهجمات حقيقية ويردون بنيران كثيفة، وأسلحه كثيفة، وأسلحة مضادة للدبابات كثيفة، وأعداد كثيفة من الدبابات».
وقال جونين:«إنهم يفعلون كما فعل الصينيون في كوريا، يهاجمون بموجات وراء موجات، ويحاربون بعناد شدید» .
بیان مصری عن معركة الدفرسوار
وتحت عنوان "تجنيد ثالث طبقة من الاحتياطي" ذكرت الأهرام، أن راديو إسرائيل أذاع نداءات باستدعاء طبقة جديدة من قوات الاحتياطي إلى الخدمة العسكرية، وهذا هو ثالث استدعاء للاحتياط في إسرائيل منذ بدء المعارك، وكان الاستدعاء الأول يوم 1 أكتوبر، ثم كان الاستدعاء الثاني يوم 10 أكتوبر .
وكان موشي دیان قد أعلن أن المعارك التي تدور الآن في المحور الأوسط من منطقه سيناء ليست المعركة الحاسمة أوالفاصلة، وان المعركة الحاسمة لا تزال في الأفق وسوف يكون مكانها الجنوب، على حين كانت تصريحات القادة العسكريين خلال اليومين الماضيين تؤكد على أن المعارك الدائرة الآن في القطاع الأوسط هي المعركة الأساسية في القتال الدائر على الجبهة المصرية .
وتحت عنوان "مغامرة العدو تجري تصفيتها"، قالت "الأهرام" أن عمليات التسلل التي قامت بها قوات العدو عبر البحيرات المرة، والتي بدأت يوم الخميس الماضي - إلى غرب القناة فهي الآن تقترب من نهايتها .
وكانت هذه القوات قد تمكنت من تكوين جيبين رئيسيين على الشاطئ الغربي للبحيرات، الأول في منطقة سرابيوم والثاني في الدفرسوار، ومن هذين الجبيين كانت القوات المعادية التي استطاعت التسلل بقوة غير صغيرة من الدبابات والمدرعات تحتفظ بشكل ما بخط إمداد مع الشاطئ الشرقي للقناة، وقد بدأت القوات المصرية عملياتها لتصفية تلك القوات بفرض حصار کامل ودقيق حولها، بينها تقوم قوات أخرى يقطع طريق الإمداد للعدو علي الضفة الشرقية، وبدأت بعد ذلك عملية التصفية، بينما سيطرت قواتنا الجوية على سماء المعركة، ومنعت بالتعاون مع قوات الدفاع الجوى أيه إمدادات للعدو.
وتحت عنوان "بيان مصري عن معركة الدفرسوار" نشرت الأهرام البيان العسكري المصري رقم 50، والذي تحث عن معركة الدفرسوار، وقال البيان إن وحداتنا الخاصة بالتعاون مع قواتنا البرية ونيران المدفعية خلال المعارك التي دارت خلال اليومين الماضين في منطقة المحور الأوسط والدفرسوار تمكنت من تكبيد العدو خسائر فادحة في المعدات والأفراد، وما أمكن حصره منها حتى الآن (ساعة صدور البيان) تدمير 85 دبابة و56 عربة نصف جنزير وأسر أطقم كاملة من أفراد مع بعض الدبابات.
وفي الساعة السادسة مساء أذاع راديو لندن رسالة من مراسله في تل أبيب مايكل ایلكنز يقول فيها نقلاً عن مصادر عسكرية أن القوة الإسرائيلية التي كانت قد سيرت إلى الضفة الغربية لقناة السويس تتعرض لقصف شديد جدًا وبصور مستمرة.
وفي الصفحة الأولي، نطالع هذه الطائفة من الأخبار:
ـ كيسنجر يسافر مع وفد كبير إلى موسكو لمباحثات عاجلة مع القادة السوفييت حول الشرق الأوسط
ـ أحدث أسلحة أمريكا يتم شحنها إلى إسرائيل
ـ السعودية توقف البترول نهائيا عن أمريكا.. والبحرين تلغي تسهيلات الأسطول الأمريكي
ـ الجبهة السورية: الطيران السوري يقصف معامل تكرير البترول في حيفا
وفي الغد نطالع صفحة جديدة من صفحات المجد والانتصار ...
عدد الأهرام يوم 21 أمتوبر 1973م