اقترنت الببغاوات بحياة البشر منذ آلاف السنين، وعاشت تلك الطيور ذات الألوان الزاهية والأصوات الصاخبة في أقفاص داخل المنازل والقصور في مختلف أنحاء العالم لتجلب البهجة والتسرية للانسان. واليوم يواجه نحو ثلث فصائل الببغاوات على الأرض، التي يربو عددها على 400 فصيلة، خطر الانقراض، ومن أشهر تلك الفصائل المهددة الببغاء الرمادي الأفريقي الشهير الذي تراجعت أعداده بشكل ينذر بالخطر، حيث تراوحت نسبة التراجع في أعدادها في غانا مثلا ما بين 90% إلى 99% منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي.
موضوعات مقترحة
وفي السنوات الأخيرة، بدأت تظهر ما يسمى بمزارع الببغاوات التي تهدف إلى إنتاج أعداد كبيرة من هذه الطيور بغرض تسويقها كطيور أليفة وتحقيق أرباح طائلة من وراء هذه التجارة. وتعتبر جنوب أفريقيا حالياً أول دولة في العالم من حيث تصدير الببغاوات، حيث قامت بتصدير أكثر من مليون طائر من أكثر من 120 فصيلة منذ عام 2020، وهي تباع في الأساس إلى دول في الشرق الأوسط وجنوب أسيا. غير أن النمو السريع في هذه التجارة يثير المخاوف بشأن ما إذا كانت التشريعات المنظمة لهذه المزارع كافية لإدارة هذا الاتساع في حجم النشاط بشكل منضبط.
أشكال الحياة البرية
وعلى مدار عقود، عكف باحثون ومتخصصون على دراسة التجارة في أشكال الحياة البرية وتأثيرها على الببغاوات، وفي إطار هذه الجهود أجرى الباحثان نيل دي كروز من وحدة أبحاث الحياة البرية بجامعة أوكسفورد وروان مارتن من معهد فيتزباتريك لعلوم الطيور الأفريقية في كيب تاون بجنوب أفريقيا دراسة تتناول تأثير مزارع الببغاوات على جهود الحفاظ على هذه الأنواع، مع طرح المقترحات بشأن منع التجارة غير المشروعة أو غير المستدامة لهذه الطيور.
مثل البادجي والكوكاتيل
وفي معرض الدراسة التي نشرها الموقع الإلكتروني The Conversation المتخصص في الأبحاث العلمية، أوضح الباحثان أن مزارع الببغاوات التجارية تضم الآلاف من هذه الطيور من فصائل شائعة مثل البادجي والكوكاتيل، وتوجد بها أيضا أنواع مهددة بالانقراض مثل الببغاء الرمادي والمكاو العسكري والكوكاتو أصفر العرف. ويقول المؤيدون لهذه النوعية من التجارة أن تربية الببغاوات في المزارع يقلل الضغوط على نفس الأنواع التي تعيش في البرية، ويعود بالفائدة على الاقتصاديات المحلية، ولكن المسألة في حقيقة الأمر قد لا تكون بهذه البساطة.
بديلا مناسبا للطيور البرية
وتركزت الدراسة على 16 فصيلة مهددة بالانقراض من الببغاوات بسبب الاتجار فيها بشكل مكثف أو دون مراعاة معايير الاستدامة، ومن بين هذه الانواع الببغاء الرمادي والببغاء أسود الخدين، وكلاهما يعيشان في أفريقيا. واستخدم الباحثان عدة معايير علمية لتحديد ما إذا كانت مزارع الببغاوات تصلح كوسيلة فعالة للحفاظ على هذه الانواع. ومن بين تلك المعايير "الأفضلية" ويقصد بها التأكد من أن بغاوات المزارع تمثل بديلا مناسبا للطيور البرية، و"الإمداد" وهو التيقن من أن انتاج المزارع يلبي احتياجات المستهلك دون الحاجة للرجوع إلى أعمال التجارة غير الشرعية، و"التكلفة" بمعنى أن تكون تكلفة انتاج المزارع من الببغاوات أقل من تكلفة صيدها من الحياة البرية، ثم "تعويض المخزون" ويقصد بهذا المصطلح أن يكون انتاج المزارع كاف لتعويض حجم المبيعات دون الحاجة للعودة لنشاط الصيد.
ويرى الباحثان دي كروز وروان مارتن أنه لا توجد معلومات كافية بشأن أعداد الفصائل المهددة بالانقراض التي نجحت جهود إنتاجها في الأسر في مختلف أنحاء العالم، ومدى تطور حجم الطلب على هذه الطيور، وأوضحا أنه ينبغي أيضا تحديد ما إذا كانت مزارع الببغاوات سوف تظل مربحة إذا ما تم فرض إجراءات وقوانين مشددة لوقف الأنشطة غير الشرعية في هذه التجارة. ويقول الباحثان إن دولا كثيرة في أفريقيا وأسيا وأوروبا والأمريكتين تحقق مكاسب من تربية فصائل الببغاوات المهددة بالانقراض، وإذا ما تم تخفيف القيود بشأن بعض فصائل الببغاوات الشائعة، فإنه قد يؤدي ذلك لزيادة الطلب على الفصائل الأندر التي اوشكت بالفعل على الانقراض.
ويعتقد الباحثان دي كروز وروان مارتن أن تنظيم مزارع الببغاوات مسألة شائكة تتطلب دراسة واعية قائمة على بيانات صحيحة لتجنب أي عواقب سلبية بالنسبة لواحدة من أكثر الأنواع الحية المهددة للانقراض في العالم، وذكرا أن هناك مناهج أخرى فعالة لا تنطوي على نفس المخاطر التي تترتب عليها تربية الببغاوات في الأسر لتسويقها تجاريا في وقت لاحق.