من الخطر أن يسقط الغرب فى فخ ابن مهاجر بولندي، ومن العار أن تسقط الحداثة الغربية فى وحل القرون الوسطى، وتستدعى خرافات بالية من التاريخ المطمور.
معروف أن نتنياهو هو ابن صهيون نتنياهو المولود فى بولندا، القسم الروسي، حين كانت بولندا مقسمة، وحط فى الأراضى الفلسطينية فى أوائل القرن الماضي، داعيا إلى إنشاء دولة يهودية فى فلسطين بطمس وجود السكان الفلسطينيين، قتلا أو تشريدا، وقد ورث الابن نتنياهو فكرة الموت هذه عن أبيه.
هل اكتفوا بفلسطين؟
القصة ليست بفلسطين، إنما واقع الحال يؤكد أن الفكرة تمتد إلى جغرافية الإقليم العربى بالكامل، تساعد الولايات المتحدة الأمريكية فى تنفيذ الفكرة وهى معصوبة العينين، تؤمن بخلط الأساطير بالأسلحة الذكية، تدمج الحداثة بالخرافة، تعتقد أن كل سكان الشرق الأوسط من الأغيار، يجب أن يبادوا أو يندثروا.
كانت أوروبا رائدة طليعية فى الإغارة علينا، تجهز حملات وراء حملات، وصولا إلى استعمار استمر لعدة عقود، ومع غروبه منتصف الخمسينيات، ترك لنا فكرته الجوهرية، إنشاء دولة من المهاجرين تستوطن فلسطين، تصبح القاعدة المتقدمة لتدمير الشعوب، والتحكم فى مصائرها.
اختيار الجغرافيا العربية للسيطرة على الإقليم ليس بوهم، إنما حقيقة دامغة، والتفكير الدموى ليس بوهم أيضًا، بل هو واقع مرير، فمن ناحية يتم تجريب الأسلحة الذكية، والألعاب الإلكترونية المميتة، ومن ناحية أخرى ينظر إلى المنطقة العربية كمنطقة رخوة، قابلة للتشكيل، والاختبار لقوة النظام العالمى المرتقب.
كانت فكرة الاصطدام بروسيا فى أوكرانيا للتغطية على سيناريو معد سلفا، تدور أحداثه على أراضى الإقليم العربي، مكان صعود الإمبراطورية الغربية مرة أخرى، وها نحن نعايشه بتدمير غزة، قاهرة الإسكندر المقدوني، ولبنان الحضارة، وروح الفينيق.
روسيا مسرح صالح للتغطية، كانوا يدركون أن هزيمتها مستحيلة، ومع هذا وضعوا أوكرانيا فى طريقها، سينشغل العالم بمحاربة روسيا الشمولية التى تغزو بلدا آمنا.
فى تلك اللحظة كان يتم تجهيز المسرح فى الشرق الأوسط، تساعد فى تجهيزه قوى إقليمية، ترغب أن يكون الإقليم العربى من نصيبها، أو تشارك فى قيادته على أقل تقدير، وتلك القوى كانت قد شاركت بعمق فيما يسمى أحداث الربيع المسموم.
يبدأ السيناريو من فلسطين كمسرح مثالي، فهى محتلة منذ ثمانية عقود، وغاضبة ومحبطة، وتريد أن تحقق مصيرها بيديها.
قوة فلسطينية صغيرة، تصطدم بإسرائيل، كقوة عسكرية غربية، تمتلك أحدث ما أنتجه نظام الحداثة الدموي، والنتيجة ستكون معروفة، تدميرا واغتيالا، تدميرا للعمارة والحضارة، واغتيالا للسلالة الفلسطينية، أطفالا ونساء وشيوخا، ومحوا تاما لحلم الفلسطينيين فى دولة صغيرة على أراضيهم التاريخية.
تتحرك قوى صغيرة محيطة بالفلسطينيين، تبدو وكأنها تساندهم، يبدو الأمر كأن إسرائيل تحارب على سبع جبهات، والشاهد أنها تحارب أجزاء من الدول، أو أجزاء من الشعوب.
وسائل الإعلام الغربية، ومراكز الأبحاث المرابطة، والكتاب والمحللون الجاهزون، يلقون باللوم على الضحية، يضخمون من قوة الجماعات المحاربة، تأتى الأساطيل والغواصات النووية وحاملات الطائرات تحت ستار الدفاع عن إسرائيل التى تقف وحدها وسط سبع جبهات مقاتلة، تدعوها للقتل والغزو والاعتداء على سيادة الدول.
يا لها من ملهاة!
هل يحتاج الأمر إلى شكسبير ليحل لنا المعضلة؟
معضلة سقوط الغرب فى الفخ مرة وراء أخرى مرة بحربين عالميتين مدمرتين، ومرات بغزو لا يتوقف؟
أما آن للغرب أن يترجل ويشفى من هذا المرض العضال؟