لم تكن حرب أكتوبر المجيدة مجرد معركةٍ عسكريةٍ خاضتها مصر وحققت فيها أعظم انتصاراتها، وإنما كانت اختبارًا حقيقيًا لقدرة الشعب المصري على تحويل الحلم إلى حقيقة، إذ تحدى الجيش المصري المستحيل ذاته، وقهرهُ، وانتصر عليه، وأثبت تفوقه في أصعب اللحظات التي قد تمر على أي أمة.
حقق جيل أكتوبر العظيم ملحمة النصر، واستطاعوا تحطيم أسطورة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يقهر، وتم رفع راية الوطن على ترابه المقدس، وأعاد هذا الجيل للعسكرية المصرية الكبرياء والشموخ، حين عبر عشرات الآلاف من أبطال القوات المسلحة، يوم 6 أكتوبر عام 1973، إلى الضفة الشرقية لقناة السويس، لاستعادة أغلى بقعة في الوطن هي سيناء، واستعاد المصريون معها كرامتهم واحترام العالم.
وتعد حرب أكتوبر المجيدة علامة مضيئة في تاريخ العسكرية المصرية العريقة فقد تبارت فيها جميع التشكيلات والقيادات لتكون مفتاحًا لنصر مبين، إذ علمت العالم أن الأمة المصرية قادرة دومًا على الانتفاض من أجل حقوقها وفرض احترامها على الآخرين، وأن الحق الذي يستند إلى القوة تعلو كلمته وينتصر في النهاية، وأن الشعب المصري لا يفرط في أرضه حتى تفيض روحه وقادر على حمايتها والزود عنها.
الشعب يحتفل
شاركت فئات مختلفة من المصريين عبر احتفالات شعبية شهدتها المحافظات وسط أجواء كرنفالية، كانت هناك مظاهر من الاحتفاء بـ«نصر أكتوبر» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تنوعت بين الفخر بالانتصار وتذكر رموز الحرب، وسرد حكايات البطولة المتعددة.
وقد شهدت ميادين القاهرة والإسكندرية احتفاليات نظمتها بعض الأحزاب، بحضور شعبي من الأطفال والشباب والأسر، الذين شاركوا في احتفالات غنائية فنية ومسيرات بالسيارات، وعروض في الميادين للأفلام الوثائقية عن الحرب، رافعين الأعلام .
وخلال الندوة التثقيفية التي أقيمت بهذه المناسبة العظيمة بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية، تم عرض أوبريت غنائي رائع ضم عددًا من المطربين والمطربات، بصحبة فرقة كورال من الشباب والفتيات، وفي خلفية العرض شاشات فيديو تستعرض لقطات ملفتة ومشاهد جميلة من الطبيعة المصرية الساحرة، كل هذه الأجواء تغوص وسط إضاءات ليزرية رائعة مثيرة للحواس.
لقد عبرت فعاليات الندوة التثقيفية هذا العام عن المشاعر الفياضة التي امتلأت بها قلوب المصريين فخراً واعتزازاً بهذه المناسبة الغالية على قلوب المصريين جميعهم.
الذكرى الأعز والأهم
حرب أكتوبر 1973 من الحروب التي سيظل يتحدث عنها التاريخ لفترة طويلة لأنها كانت ملحمة عسكرية مصرية متكاملة الأركان، لقد فرضت المعجزة المصرية نفسها حينذاك على كل وسائل الإعلام الدولية عامة والأمريكية خاصة رغم انحياز واشنطن الواضح لإسرائيل، لكن الانحياز لم يتحمل هول صدمة المفاجأة، فتصدر نصر أكتوبر عناوين مختلف وسائل الإعلام، كما علق العديد من قادة العالم على الحرب، وتبارى الأدباء في تسجيل مراحل الحرب المختلفة ونتائجها وكواليسها. وكتبت عنها الصحف العالمية ومنها ما كتبته النيوزويك الأمريكية يوم 14 أكتوبر 1973م فقالت: (إن كل يوم يمر يحطم الأساطير التى بنيت منذ انتصار إسرائيل عام 1967 و كانت هناك أسطورة تقول إن العرب ليسوا محاربين و أن الاسرائيلى سوبرمان، لكن الحرب أثبتت عكس ذلك).
حتي مراسلي رويترز في تل أبيب نفسها اعترفوا فقالوا: (دهشنا بما شاهدناه أمامنا من حطام منتشر على رمال الصحراء لكل أنواع المعدات من دبابات و مدافع و عربات اسرائيلية كما شاهدت أحذية إسرائيلية متروكة. لقد وضح تمامًا أن الإسرائيليين فقدوا المبادرة في هذه الحرب، وقد اعترف بذلك قادتهم ومنهم الجنرال شلومو جونين قائد الجبهة الجنوبية في سيناء).
وفي كتابه: "إلى أين تمضي إسرائيل" كتب "ناحوم جولدمان" رئيس الوكالة اليهودية الأسبق يقول: (إن من أهم نتائج حرب أكتوبر 1973 أنها وضعت حداً لأسطورة إسرائيل في مواجهة العرب كما كلفت هذه الحرب اسرائيل ثمناً باهظاً حوالي خمسة مليارات دولار وأحدثت تغيراً جذرياً في الوضع الاقتصادي في الدولة الإسرائيلية التي انتقلت من حالة الازدهار التي كانت تعيشها قبل عام رغم أن هذه الحالة لم تكن ترتكز على أسس صلبة كما ظهرت أزمة بالغة العمق كانت أكثر حدة وخطورة من كل الأزمات السابقة غير أن النتائج الأكثر خطورة كانت تلك التي حدثت على الصعيد النفسي.. لقد انتهت ثقة الإسرائيليين في تفوقهم الدائم كما اعترى جبهتهم الداخلية ضعف هائل وهذا أخطر شيء يمكن أن تواجهه الشعوب وبصفة خاصة إسرائيل).
هكذا شهد شاهد من أهلها، والشهادات التي جاءت في الصحف والكتب والمؤلفات بعد حرب أكتوبر المجيدة أظهرت حجم انبهار العالَم بما حققته مصر وجنودها من إنجاز هو الأكبر في التاريخ الحديث.
[email protected]