Close ad

يوم حساب "حلفاء إسرائيل"

16-10-2024 | 14:11

يومًا ما سوف تتوقف الجولة الحالية من الصراع العربي - الإسرائيلي، ولاشك أن في لحظة ما سوف يتوقف إطلاق النار، ولحظتها سوف تبدأ عملية المراجعة لكل ما جرى، ومن وقف في الجانب الخطأ، ومن تآمر ودعم العدوان، ومن سحبهم نتنياهو مجرم الحرب إلي قائمة العار، وسقطوا إلى الهاوية، وأحسب أن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن والمستشار الألماني شولتس ووزيرة خارجيته من أبرز الذين سوف يسقطون مع نتنياهو.

وربما يقول البعض إن حساب الشعوب العربية، وخاصة الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني، سيكون قاسيًا في اليوم التالي للحرب، إلا أن الأمر بدا مبكرًا من قبل بعض الكتاب في الغرب نفسه، وحتى قبل نهاية المأساة الدائرة الآن.

وفي الوقت الذي تتعالى فيه أصوات أساتذة الجامعات والطلبة والكتاب في الغرب بقوة مطالبة بإجراءات قوية لوقف عدوان إسرائيل، ففي المقابل لا تزال تحركات الساسة في أوروبا خجولة وبطيئة وغير فعالة، فرغم موقف مدريد ودبلن المتقدم، إلا أن آخر ما أعلنه رئيس وزراء إسبانيا هو أن بلاده وأيرلندا تطالبان دول الاتحاد الأوروبي بتعليق اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، ولم تطرح الدولتان إلغاء الاتفاقية، ولم تطالبا بوقف شحن الأسلحة لإسرائيل، أو وقف التعامل مع نتنياهو وكبار الساسة المتطرفين في حكومته أو الأشخاص المتورطين في جرائم حرب وفقًا للمحكمة الجنائية الدولية.

وعلى الضفة الأخرى في أوروبا غير الرسمية يوجه دانيال باكس الكاتب الصحفي الألماني انتقادات لاذعة للحكومة الألمانية في مقال بعنوان "سياسة ألمانيا في الشرق الأوسط: إخفاق تاريخي"، ويرى باكس أنه حتى الآن، فشل السياسيون الألمان في الرد على أي من  أفعال إسرائيل، حتى الرئيس الأمريكي جو بايدن كان أكثر انتقادًا لأفعال إسرائيل من المستشار الألماني شولتس، فقد وصف بايدن القصف الإسرائيلي بأنه "عشوائي"،  وحذر في وقت مبكر من الحرب من أن على إسرائيل أن تتجنب ارتكاب نفس الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر 2001. 

ولسوء الحظ، ذهب تحذير بايدن أدراج الرياح، وفشل في اتباع كلماته بأي إجراء لكبح جماح إسرائيل، وبكل جرأة، قرر نتنياهو ضرب لبنان بكل قوة أيضًا، وعلى غرار الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر، تجر إسرائيل حلفاءها أكثر فأكثر إلى هاوية أخلاقية. 

وسيكون لذلك عواقب، ولا يزال السباق على الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر على المحك. فقد أحدثت الحرب انقسامًا عميقًا في الحزب الديمقراطي؛ فقد تم تشويه سمعة بايدن بوصفه "جو الإبادة الجماعية" لفشله في الرد على عمليات القتل الجماعي في غزة، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت كامالا هاريس ستتمكن من الهروب من ظله خلال حملتها الانتخابية. 

كما عانت الأحزاب التي تشكل الائتلاف الألماني الحاكم، ولا سيما الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، من أضرار جسيمة في سمعتها في أعقاب الولايات المتحدة، وقد يواجهون الآن نفس مصير حزب العمال البريطاني في عهد توني بلير، الذي دُمرت سمعته بعد أن انحاز بلا تحفظ إلى جانب الولايات المتحدة عندما غزت العراق في عام 2003. لم يتعافَ حزب بلير لفترة طويلة ، وفقد ثقة الناخبين، واستغرق الأمر أكثر من عقد من الزمان حتى تمكن حزبه من تشكيل حكومة مرة أخرى، كما فقدت أحزاب الائتلاف الحاكم في ألمانيا الثقة، وتراجعت في استطلاعات الرأي وانتخابات الولايات الأخيرة.

ويطالب الكاتب الألماني دانيال باكس بأن تحسم ألمانيا أمرها من إسرائيل والفلسطينيين، ويقول بصراحة "يجب على ألمانيا أن تقرر ما الذي يعنيه حقًا ما يسمى بـ"سبب الدولة" (Staatsräson). هل يعني التضامن مع الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني اللذين يريدان الأمن والسلام ،وإنهاء الصراع الدائر في إسرائيل وفلسطين؟، إذا كان الأمر كذلك، يجب على ألمانيا أن تخاطر أخيرًا بتغيير مسارها، وفرض حظر على الأسلحة، وعليها أن تمارس الضغط على نتنياهو، بدلًا من إطلاق يده لتوسيع الحرب إلى لبنان وما وراءه. 

 ولأول مرة منذ فترة طويلة يطرح كاتب غربي الأسئلة الحقيقية الخاصة بالقضية الفلسطينية، ويطالب حكومته بالإجابة: هل نريد أن نستمر في دعم حكومة يمينية متطرفة لا تخفي خططها للطرد الجماعي للفلسطينيين وأوهامها بالتصفية؟ وبذلك نبقي على رئيس حكومة في منصبه ليس لديه أي مصلحة في إنهاء الحرب؛ وهو ما يعني بالنسبة له مواجهة أسئلة غير سارة وربما حتى السجن. 

لقد غيّر شولتس ووزيرة خارجيته أنالينا بايربوك من لهجتهما تجاه نتنياهو شيئًا فشيئًا في الأشهر الأخيرة. حتى أن نائب المستشار روبرت هابيك اعترف بأن تصرفات إسرائيل في غزة تتعارض مع القانون الدولي. ولكن هذا لا يكفي. ما لم تستخدم ألمانيا نفوذها، ستبقى هذه الكلمات فارغة. سيصبح الائتلاف الحاكم من التاريخ قريبًا، ولكن سيتعين علينا التعايش مع عواقب إخفاقات سياسته الخارجية في هذه اللحظة التاريخية لفترة طويلة قادمة.

ومن جانبه حذّر رئيس مجلس الشورى في إيران، محمد باقر قاليباف، من تداعيات بقاء الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط على ما هي عليه، في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة ولبنان. وقال قاليباف، خلال كلمة له في دورة "الاتحاد البرلماني الدولي" في جنيف، إن العالم سيشهد أزمة كبيرة والمنطقة ستشتعل، وذلك في ضوء استمرار المجازر الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة وحلفاء الاحتلال. وأوصى بوقف الدول الداعمة للكيان الصهيوني دعمها الاستخباراتي والسياسي والاقتصادي له قبل فوات الأوان، وأكد إن تداعيات التصعيد الإسرائيلي ستتسبّب بإشعال المنطقة وحينها لا يمكن إحياء وإحلال السلام، وأن "الجميع سيتضرر" بمن فيهم الولايات المتحدة وحلفاء "إسرائيل".

ويبقى أن يوم الحساب يقترب، ولن يكون أمرًا مستغربًا تفجر موجات الكراهية، والرغبة في الانتقام ممن ساهم في هذه المأساة، والأخطر أن القضية الفلسطينية لن تختفي، وموجات جديدة وقيادات جديدة بل وحركات جديدة ستظل تطارد حلم الدولة المستقلة، وستعاقب بقسوة كل من ساهم في حرمانهم من حقهم المشروع.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة