Close ad

من بينها القضاء على خطر التتار والصليبيين.. محطات مضيئة من عصر سلاطين المماليك

15-10-2024 | 16:47
من بينها القضاء على خطر التتار والصليبيين محطات مضيئة من عصر سلاطين المماليك القاهرة الإسلامية .. صورة تعبيرية

حينما يتحدث التاريخ عن العصر الذهبي لسلاطين المماليك سيذكر أنهم أنهوا الخطرين الصليبي والمغولي، وأن القاهرة كانت  أجمل مدن الأرض وتقود العالم، والخليفة العباسي يمنح الشرعية لملوك الأرض شرقاً وغرباً، وفيها السلطان المملوكي أعظم ملوك زمانه.

موضوعات مقترحة

وصف ابن خلدون القاهرة عندما زارها زمن المماليك بقوله:"رأيت حضرة الدنيا، وبستان العالم، ومحشر الأمم، وكُرسي المُلك، تلوح القصور والدواوين فى جوه، وتزهر الخوانك والمدارس بآفاقه، وتضيء البدور والكواكب من علمائه، وقد مثل بشاطئ بحر النيل نهر الجنة، ومدفع مياه السماء، يسقيهم النهل والعسل سيحه، ويحيى إليهم الثمرات والخيرات ثجة، ومررت فى سكك المدينة تغص بزحام المارة، وأسواقها تزخر بالنعم".

مصر تقود العالم زمن المماليك

كان ملوك المسلمين يأخذون شرعية حكمهم من الخليفة العباسي في القاهرة، وقد وصف ابن شاهين الظاهري في كتابه "زُبدة كشف الممالك" الخليفة العباسي في القاهرة بقوله:"هو أمير المؤمنين، خليفة المسلمين في أرض الله، وابن عم رسوله و وارث الخلافة عنه، وقد جعله الله تعالى حاكماً على جميع أرض الإسلام، ولا يجوز أن يطلق في أحدٍ لفظ سُلطان من ملوك الشرق و الغرب إلاَّ إذا كان بالمبايعة منه وقد أفتت بعض الأئمة أنه من أقام نفسه سُلطاناً قهراً بالسيف من غير مبايعة منه فيكون خارجياً ولا يجوز توليته لأحد من النواب والقضاة وإن فعل شيء من ذلك كان جميع حكمهم باطلاً“. 

ولهذا قال الخليفة العباسي المستكفي القاهري:"إن مصر هي قبة الإسلام ودار السلام، ومن يُفوض لسلطانها أمر الممالك الإسلامية".

ولهذا كان يأتي إلى القاهرة وفوداً من ملوك العرب وفارس والهند والروم والمغول وآسيا الوسطى وأوروبا، فقد كانوا يحكمون بصفتهم نواباً عن الخليفة العباسي على بلادهم، ولهذا كانوا يعتبرون القاهرة آنذاك عاصمة الدنيا.

المماليك والقضاء على الخطر المغولي

عندما أتى الطوفان المغولي من شرق آسيا تساقطت أمامهم البلاد كأحجار الدومينو، وكادوا أن يبيدوا الأمة لولا إنقاذ المماليك لها فقد هزموا المغول في معركة عين جالوت عام 1260م وحرروا بلاد الشام بأسرها وانتصروا على المغول أيضا في معركة البستان عام 1277م ومعركة حمص عام 1281م ومعركة شقحب عام 1303م، ليتحول المغول لاحقا إلى مسلمين يرسلون وفود الولاء للسلطان المملوكي والخليفة العباسي.

المماليك والقضاء على الخطر الصليبي

تاريخياً ظهور المماليك كقوة حاكمة كان عندما انقذوا مصر وفلسطين من حملة ملك فرنسا لويس التاسع عام 1249م، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، حيث قضى السلطان المملوكي الظاهر بيبرس على إمارة انطاكيا الفرنجية عام 1268م، وقضى السلطان المملوكي المنصور قلاوون على إمارة طرابلس الفرنجية عام 1289م، وقضى السلطان خليل بن قلاوون على آخر معاقل الفرنجة في عكا عام 1291م، وعندما حاول الفرنجة تحويل جزيرة قبرص إلى قاعدة لهم لمحاولة إعادة احتلال بلاد الشام قام السلطان المملوكي برسباي بتحرير جزيرة قبرص فسيطر عليها عام 1426م.

مصر .. مركز العالم التجاري

لقد نجح المماليك في جعل القاهرة مركزًا للنقل التجاري، وقد استفادوا من التجارة بين الهند وأوروبا؛ مما أدى إلى ثراء أهل القاهرة، فقد كانت مدينة عامرة بالحياة والحركة، لم تؤثّر فيها الأوبئة المُهلكة ولا الكوارث الطبيعية.

قال عنها فرسكو بالدي الذي زارها سنة 1384م/ 786هـ أن بمينائها عدد ضخم من المراكب الراسية يفوق كل ما رآه في موانئ جنوة والبندقية وأنكوني معًا، وقد ذكر أن عدد سكانها أكثر من سكان كافة مدن وقرى إقليم توسكانا بإيطاليا، وأن أهل القاهرة يتمتّعون بثراء كبير نتيجة التجارة الهندية، فالمراكب تجلب لهم كميات هائلة من التوابل والأحجار الكريمة عن طريق البحر الأحمر، وعن طريق البحر المتوسط تجلب السفن من جميع أنحاء العالم كل ما يمكن أن يروق للإنسان.

وبعد قرن من الزمان عام 1458م/862هـ قال روبرتو سانسفرينو:"من الأفضل ألا أتحدّث عن مدينة القاهرة لأن الكلام عنها سيُؤخذ على أنه أساطير؛ إنها عظيمة الاتساع إلى حدّ لا يُصدّق، فهي أكبر من ميلانو بأربع مرات".

العمارة المملوكية

جميعنا نرى الآثار المملوكية التي تملأ بلادنا في مدن مصر والشام، فقد حقق سلاطين المماليك نهضة معمارية في بناء المدن والمدارس والمساجد والمستشفيات والمؤسسات الخيرية، وكانت عمارتهم ذات طراز جميل ومميز أشرف عليه مهندسين معماريين من مصر، وكانوا يحملون ألقاب عديدة مثل المعلم والمعمار وشاد العمائر، ومنهم ابن السيوفي ومحمد بن قزاز وبدر الدين بن الكويز، والمعلم ابراهيم السكري، وعبد الله بن شعبان المهندس، وأحمد ابن العظمة، ومحمد ابن السبيع، ومحمد ابن الصياد، وأحمد السحراوي.

الحركة العلمية زمن المماليك

أرفض وصف عصر المماليك بالعصر المُظلم علمياً، فقد سعى سلاطين المماليك لتعويض كارثة سقوط بغداد عام 1258م ورمي كتب بيت الحكمة في نهر دجلة، ففي عهد المماليك عاش الطبيب الشهير ابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى، وفى عهد المماليك عاش ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع، وفى عهد المماليك عاش الرياضى والفلكى الكبير ابن الشاطر، وفى عهد المماليك تكاملت نظرية المقاصد في أصول الفقه على يد الإمام الشاطبى، وفى عهد المماليك ظهرت الموسوعات الكبرى، في التاريخ، والتراجم، والفقه، والتفسير والحديث وعلوم الرجال وغيرها، وفي عهد المماليك كان المؤرخون والأئمة مثل المقريري والسيوطي وابن تغر بردى وأبو المحاسن وابن إياس، والإمام النووي، والعز بن عبد السلام، وابن تيمية، وابن قيم الجوزية، والمزي، وابن حجر العسقلاني، والذهبي، وابن جماعة، وابن كثير، والقلقشندي، وابن قدامة المقدسي، والمزي الفلكي.

وفي النهاية هذه مجرد لمحات بسيطة عن جمال العصر المملوكي العصر الذي كان به درجة عالية من التكامل من ناحية السلطة الدينية الموحدة للأمة والمتمثلة بالخليفة العباسي بالإضافة للقوة العسكرية والإدارية المتمثلة بالسلطان المملوكي وجيشه المملوكي والقوة الاقتصادية المتمثلة بإزهار مصر التجاري والجمال المعماري الذي هو اثر ملموس نراه اليوم بأعيننا.

د. سليمان عباس البياضي

محاضر بجامعة العريش

عضو اتحاد المؤرخين العرب


د. سليمان عباس البياضيد. سليمان عباس البياضي
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: