Close ad

عندما تنتهي المصلحةُ

14-10-2024 | 15:40

إخوةُ يوسفَ، عليه السلامُ، لما كانتْ لهم (مصلحةٌ) قالوا لأبيهم: فَأَرْسِلْ مَعَنَآ (أَخَانَا).

ولما انتهتِ (المصلحةُ) قالوا: يَٰٓا أَبَانَآ إِنَّ (ٱبْنَكَ) سَرَقَ .. 

في الأولي، كانَ أخاً لهم، وفي الثانيةِ، هو فقط ابنُ أبيهم!! 

أتعسُ الناسِ حظاً في الدُنيا، وأقلُهم ثوابًا في الآخرةِ، هم هؤلاءِ الذين تحكمُهم المصلحةُ والمنفعةُ، لا غيرَ: إِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ.. شعارُهم علي الدوام : أنا في (الخدمة) طول ما أنت في (الخدمة)! والمصالح تتصالح! يُظهرون محبتَهم عندَ حاجتِهم، فإذا انقضتْ الحاجةُ هَذِهِ، صمتتْ هواتفُهم! وتقطعت جميعُ تواصلاتِهم، هؤلاءِ هم الكاذبون، فاحذروهم.

أما الصادقون، الذين صفتْ نفوسُهم، ورقتْ قلوبُهم، فهؤلاءِ معك بلا غاية، معك  في السراءِ والضراءِ، معك كالولي الحميم، معك حتي النهاية، هم في الأساسِ يرون فيكَ خالقَهم، ولذلك يُرْضُونَ هَذَا الخالقَ، بحُسنِ صنيعهم مع مخلوقيه.. 
الحُبُ في اللهِ، موضعُ ثناءِ اللهِ، جلتْ قدرتُه، وتقديرِه: (وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ). الحُبُ في اللهِ، سعادةٌ في القلبِ، يستشعرُ معها الإنسانُ أجملَ مَذَاقٍ، قالَ المعلمُ الأولُ (صلى الله عليه وسلم): ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَ حَلاَوَةَ الإيمَان: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُما، وَأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ.

الحُبُ في اللهِ، هو المظلةُ والحمايةُ، يقولُ اللهُ تَعَاَلي، يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلالي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاّ ظِلِّي.. وجاءَ من السَبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: وَرَجُلانِ تَحَابَّا في الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ.. وعندَما تُحبُ في اللهِ، عليك أن تُخبرَ، فقد كَانَ أحدُهم عِنْدَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أَعْلَمْتَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَعْلِمْهُ قَالَ: فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي ‌أُحِبُّكَ ‌فِي ‌اللَّهِ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ.

رنَ جرسُ الهاتفِ، فقالَ المتصلُ، أردتُ فقط الاطمئنانَ عليك، ومضت دقائقُ طويلةٌ، والحديثُ لم يخرجْ عن السلامِ والدُعاءِ. 

ما هَذَا الرُقيُّ! وما هَذِهِ الأخلاقُ الكريمةُ! قطعَ مسافاتٍ طويلةً لعيادةِ مريضٍ، وقد كانَ بإمكانِه الاكتفاءُ برسالةٍ، تُكتبُ في دقيقةٍ، وتُرسلُ في ثانيةٍ! ما مصلحتُه؟ لا شيء، ما هدفُه؟ رضوانُ اللهِ..

أمضي يومَه كُلَّه في قضاءِ حوائجِ الناسِ، واقفًا على قدميه، بلا كَلَلٍ، ولا رياءٍ! لماذا كُلُّ هَذَا؟ تجارةً مع اللهِ. 

دفعَ من مالِه الكثيرَ، لإغاثةِ ملهوفٍ، أو مساعدةِ فقيرٍ، أو رعايةِ أرملةٍ، أو إطعامِ جائعٍ: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا).. 

لا نريد!! قرارٌ منهم، بادخار الجزاءِ للآخرة، ما أعظمَ الحاسبَ! وما أعظمَ الحساباتٍ!!

وصلَ المالُ للمحتاجين، دونَ أنْ يعلمَ أحدٌ، أو يعلم المستفيدون أنفسُهم، مَنْ المتصدقُ! هو إذنُ، لا تعلمُ شمالُه، ما أنفقتْ يمينُه. 

إنَّ الأخيارَ:  یَرۡجُونَ تِجَـٰرَةࣰ لَّن تَبُورَ.. ودُهم صادقٌ، وعطاؤهم وافرٌ، وعندَ اللهِ يكونُ الجزاءُ الأعظمُ..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة