الأحزاب السياسية.. ومتطلبات المرحلة الحالية (2 -3)

14-10-2024 | 14:19

استكمالاً لما بدأناه في المقال السابق حول (دور الأحزاب السياسية) ومع قرب الانتخابات البرلمانية المقبلة بدأ الشارع السياسي يشهد حراكًا غير مسبوق في ظل أجواء مختلفة عن السابق نتيجة للأحداث التي يشهدها العالم بشكل عام وتشهدها المنطقة بشكل خاص..
 
وحقيقة يمتلئ المشهد بكثير من المفارقات والملاحظات التي استوقفتني؛ حيث إن الحدث جلل وخطير، وأن هناك استهدافًا مباشرًا للدولة المصرية من عدة اتجاهات، والعالم كله يراقب عن كثب لما يحدث بمصر وما يجري علي أرضها ومحيطها؛ لذا علينا أن ندرك أننا أمام أدق وأخطر مرحلة؛ لذلك يجب علي الأحزاب السياسية المصرية أن تعي دورها جيدًا، وتعمل علي تنفيذ المنوط بها، خاصة في ظل الأوضاع الحالية. 

ولا شك أن الرئيس السيسي مهتم بعودة الحياة السياسية ودور الأحزاب منذ توليه المسئولية؛ حيث أكد في لقاء سابق له مع ممثلي الأحزاب "أهمية الدور الذي تقوم به الأحزاب السياسية لإرساء دعائم العملية الديمقراطية والمساهمة في عملية بناء الدولة وتثبيت دعائمها وأركان مؤسساتها"؛ مما يتطلب من الأحزاب القيام بدور أكثر فاعلية للمساهمة في الحفاظ علي الدولة، ومد يد العون لاستمرار عملية البناء والتطوير المنتشرة في كافة أنحاء المحروسة، ولابد أن نعترف أننا بحاجة لاستمرار وجود أكثر من رئة تتنفس منها الحياة السياسية والحزبية، وأن تعود الأحزاب التي ربما تكون قد ماتت إكلينيكيا ولما لم يزل يكتب لها شهادة وفاة بعد! وعجزت عن أداء دورها ولم يشعر بها المواطن مرة أخرى في الساحة السياسية، وأن تقوم بعملية إصلاح شاملة، وأن تشارك في الانتخابات المقبلة ببرامج تستطيع من خلالها أن تكسب ثقة الشعب، مع ضرورة الحفاظ على المواطن كشريك في المشهد السياسي، واختيار من يريد أن يمثله، كل ذلك جنبًا إلى جنب مع الأحزاب والكيانات السياسية الفاعلة على الساحة. 

 جدير بالذكر أن الأداء الحزبي أمر ثابت وضروري لا يمكن تجاوزه، فما كان يصلح في الماضي لا يمكن أن يظل رؤية المستقبل؛ مما يستدعي الأحزاب السياسية إحداث نقلة نوعية في برامجها وتشكيلات التنظيم بها، خاصة في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة والساحة العالمية.. كل ذلك وغيره يستدعي أن تكون الدولة المصرية على أهبة الاستعداد لمواجهة ذلك. 

ومما لا شك فيه أن الدولة المصرية في ظل الظروف الراهنة لا تستطيع وحدها مواجهة كل التحديات؛ لذا نحن بحاجة ملحة أن يعتمد العمل الحزبي على كوادر تستطيع إعداد برامج عليها أن تساعد الدولة في تخطي التحديات والأزمات الحالية، وتعبر عن حنكة سياسية ومشاعر وهموم المواطن، وتحقق أهداف الدولة وتحفظ مصالحها، وتضع رؤى تناسب المرحلة المقبلة، وأن تتوافق هذه البرامج مع إمكانات الدولة. 

 ونحن لا ننكر أن هناك أحزابًا سياسية وتجمعات حزبية فعلاً هم على مستوى الحدث ويسعون للتطوير، ولكننا نطمح في المزيد من العمل والاصطفاف الوطني وبناء جسور جديدة يعبر بها الوطن إلى شواطئ آمنة مع ترسيخ قيم الانتماء الوطني، وتوسيع حجم المشاركة الحزبية والعمل العام التطوعي. 

إننا نقول: إن هناك أحزابًا تحاول أن تفوز في الانتخابات البرلمانية دون قواعد شعبية، وأخرى لها قواعد شعبية، وبين هذا وذاك لابد من وجود أحزاب حقيقية لها تواجد في الشارع وأنصار وبرامج؛ حتي نستطيع أن نعيد الرأي العام كشريك أساسي في صناعة القرارات كظهير للدولة لكل ما يحاك ضدها. 

إن المرحلة الحالية قبل الانتخابات البرلمانية القادمة مرحلة اختبار صعبة للغاية للأحزاب السياسية التي تريد استمرارًا في العمل الحزبي والحصول على ثقة الجماهير فعليها أن تعمل على وضع أفكار خارج الصندوق، وأن تحدث توازنًا داخليًا وخارجيًا، وأن تحافظ على مصلحة الوطن، وأن تختار كوادر قادرة على العطاء، تجمع بين الخبرة والشباب، وتكون صاحبة قاعدة مجتمعية وظهيرًا شعبيًا قويًا، وأن تطرح أفكارًا جديدة للوصول إلى أفضل شكل من أجل تحقيق الغاية الأسمى؛ وهي رفعة شأن الوطن؛ مما يساهم في الحفاظ على الجبهة الداخلية متماسكة والقضاء على الشائعات والوقوف جنبًا إلى جنب بجوار الدولة، والتخفيف على المواطن بكل السبل والوسائل. 

نحن بحاجة لعودة نائب الشعب الحقيقي؛ الذي يجمع بين القيام بدوره النيابي الرقابي والتشريعي، مع الاهتمام بمشاكل دائرته الانتخابية وفهمه الدقيق لمتطلبات الأحداث، ومتطلبات المرحلة وخطورتها؛ للقيام بدوره التوعوي مع أبناء دائرته؛ خاصة أنه بمثابة حائط الصد الأول للتواصل المباشر مع الجماهير وصوتها، وحلقة الوصل بين المواطن والدولة؛ القلب النابض بمشاعر الجميع، حاملاً هموم الناس، رافعًا لواء مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار، بعيدًا عن بغية الحصول على الواجهة الاجتماعية والوجود في الساحة السياسية دون دور ملحوظ. 

 ولا يستطيع أحد إنكار أن عودة دور الأحزاب يؤدي إلى البناء الديمقراطي والتعددية الحزبية؛ مما ينتج مشاركة شعبية واسعة وإقبالًا جماهيريًا كبيرًا ومشاركة سياسية في أي استحقاق انتخابي وهو قمة الديمقراطية. 

إن الشعب المصري لديه الثقة الكاملة في الدولة المصرية وقياداتها، وفي الأحزاب المصرية وخبرتها وعمق سياستها.

والشعب المصري يثق أن قيادته تعمل على رفع شعار العمل، وغرس روح التفاؤل والأمل، خاصة أن المرحلة المقبلة تحتاج منا إلى عزيمة الوحدة وتضافر الجهود، وإلى نبذ الفرقة والتنافر والتشرذم والتناحر.

نعم ربما تُحدث الأحزاب السياسية في المشهد السياسي نوعًا من الاختلاف المشروع في طرح وجهات النظر المتنوعة؛ لوجود الرأي والرأي الآخر، وفي الأخذ والعطاء وفي الشد والجذب وفي الطرح والترك في كواليس المشهد السياسي، إلا أن هذه الآراء والأفكار الحزبية المتنوعة لتلك الأحزاب بلا شك سوف تثري العملية السياسية بشكل كبير؛ لأنها ببساطة ما هي إلا نتاج فكري وإصلاح مجتمعي، هدفه كله الحفاظ على مقدرات الدولة خيراتها وتقدمها ورفعة شأنها وأمنها وسلامة شعبها، وهذا ما يحرص الرئيس السيسي علي تحقيقه من خلال إطلاقه للحوار الوطني لكل أطياف المجتمع، والعمل السياسي والحزبي والإلتزام بتنفيذ مخرجات هذا الحوار، وهذا هو محور حديثنا المقبل بمشيئة الله تعالى في الحلقة المقبلة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: