بعيدًا عن النصيحة المباشرة المرفوضة في أغلب الأحيان من معظم الصغار كانت كتبنا المدرسية توجهنا من خلال إرسالها لنا برسائل ضمنية تحدد مشكلة سلوكية ما، ثم تخطط لكي تضع حلولًا لها، تصوغها بأبسط الألفاظ وأدق المفردات المختارة بكل عناية ودقة؛ كأنها كانت تريد أن تنبهنا، وعلى سبيل المثال لأهمية اتباعنا لسلوك صحيح مستحب، ورفض سلوك آخر مذموم وسيء للغاية.
تأتي رسالتها غير المباشرة من بين السطور مستخدمة أدواتها عن طريق قصة تقصها علينا، حكاية صغيرة تحكي عن شخصية ما لم تلتزم بهذا السلوك أو ذاك، فلم تنل بسبب إتيانها لهذا السلوك غير المقبول تقدير ومحبة المحيطين بها، أو أن تضرب مثالًا آخر لشخصية سوية كانت تتبع سلوكًا حسنًا فنالت باتباعها له احترام وتقدير كل من حولها.
كنا نستشف مرادها، نفهم بإدراكنا الوليد محتوى رسالتها وندرك مضمونها وكأنها بهذا أرادت أن تخيرنا بين هذا السلوك وذاك بطريقة لطيفة محددة وذكية، تمنح لخيالنا الرحب الفرصة للتنزه خارج حدود حجرة دراستنا، فهى تود بذلك أن تلفت أنظارنا بطريقة محببة وجذابة لقبول الشيء أو رفضه، تساعدنا على كسر حدة العناد الذي اتصف به أغلبنا في أولى مراحل التحاقنا بالتعليم داخل المدرسة.
أتّذكر وأظنكم تتذكرون معي تصميم الكتاب المدرسي الذي كان بين أيدينا، بداية من غلافه ونهاية إلى آخر صفحة فيه، كأنه كان قطعة منا نكتمل به ويكتمل بنا، كم دارت بيننا وبينه عشرات من الحكايات والقصص الممتعة، كأنه كان كائنًا حيًا نتحدث إليه ويتحدث إلينا، نسمعه جيدًا باهتمام، ننفذ نصائحه دون عناد أو جلبة من رفض وجدال.
كان الكتاب المدرسي صديقًا رائعًا بالنسبة لنا، وخاصة لهؤلاء الحالمين الذي جمح بهم خيالهم الخصب فارتبطوا بخامته المصنوعة من الورق، تعلقوا برائحة طباعة وعبق أحبار، كان وجود الكتاب بجانبنا أو داخل حقائبنا يؤنسنا يدعمنا ويعزز صورتنا التي كنا نرتضيها لأنفسنا، كانت حكاياته المدعومة برسوم وصور بسيطة ملونة تستهوينا.
كم جالت أنظارنا في تفاصيل كان يراها كل منا حسبما يرى، وكم كشفت موضوعات دروسنا عن كنوز من مواهب حبيسة فتحت لها الأبواب لتلحق بحلمها، منحتها الفرصة للظهور الواحدة منها تلو الأخرى، فكانت تلك إحدى الطرق والوسائل الناجحة لتحفيزنا وزيادة دافعيتنا كي نحقق ذواتنا وأهدافنا بمعدلات عالية، لم نكن نحلم بها.
يا له من أسلوب تربوي رائع امتلك القدرة على التعبير عما نرغب فيه وعما يعبر عنا، بقى هذا الحب بداخلنا لعقود، تأثرنا به فسكن في وجداننا منذ صغرنا وحتى وقتنا هذا.