Close ad

حروب يوم القيامة والعدو رقم 1

13-10-2024 | 17:08

بداية، التهنئة واجبة لمنظمة الناجين من قصف هيروشيما وناجازاكي بالقنبلة الذرية الأمريكية لفوزها بجائزة نوبل للسلام 2024، وتهنئة مماثلة للكاتبة الكورية الجنوبية هان كانج، لفوزها بجائزة نوبل في الأدب، لتصبح أول امرأة آسيوية تفوز بالجائزة في الأدب، وثاني شخصية كورية جنوبية تفوز بجائزة نوبل، بعد الرئيس الأسبق كيم ديه-جونج الذي حصل-بجدارة- على جائزة نوبل للسلام في عام 2000.
دموع الفرح بالجائزة- التي انهمرت من عيني السيد توشيوكي ميماكي الرئيس المشارك للمنظمة اليابانية نيهون هيدانيكو وشاهدها مئات الملايين-أقول امتزجت الدموع بمعان نبيلة وهو يعلق-باكيا على الهواء مباشرة- على الفوز بنوبل بقوله: "إن أطفال غزة يغرقون في الدماء، وهو-نفسه- ما حدث باليابان، منذ 80 عامًا". 

يوم القيامة للقتل الجماعي والدمار الشامل الذي شهدته هيروشيما- وحدها- كان ناتجًا عن قصف المدينة بقنبلة ذرية أمريكية وزنها 12 طنًا، ولقبت بأنها أبشع جريمة شهدها التاريخ الإنساني في القرن العشرين. وبجمع وزن عدد القنابل التي أسقطها الكيان العنصري الصهيوني فوق غزة، في حرب يوم قيامة مماثل، وجريمة إبادة جماعية مؤكدة فإنها تبلغ 70 طنا بما يوازي 6 مرات مفعول قنبلة هيروشيما.
 بالنسبة لنا، فإن الكيان العنصري الصهيوني هو العدو رقم 1، في ضوء ما ارتكبه -ويرتكبه- من سلوك عدواني، منذ زرعه –غصبا- بالمنطقة في 1948، وبما اقترفه من حروب ومحارق، استهدفت التنكيل بالشعب العربي، دون سائر شعوب العالم، وضبطه متلبسًا -كذلك- بارتكاب جرائم حرب الإبادة الجماعية، بما تحمله من مظاهر تدمير وحشية لكل مقومات الحياة بطريقة لا أخلاقية، لم يسبق لها مثيل في التاريخ.
فيما يتعلق بغيرنا، توقفت أمام مسعى كوريا الشمالية لاستخدام وصف "العدو رقم واحد"، وتغيير الدستور لينص على المعنى -ذاته- تجاه جارتها الجنوبية، التي لم تسلك الطريق العدواني -نفسه- للكيان العنصري الصهيوني، بل توقفت أفعالها عند مجرد دعوة "لرؤية شبه جزيرة كورية موحدة ومزدهرة تتمتع بالحرية والسلام".

هذه الرؤية الوحدوية السلمية، التي تتبعها سول مع جارتها الشمالية بيونج يانج، وينص عليها أحد بنود دستور كوريا الجنوبية، وتخصص لها الدولة حقيبة وزارية ثابتة، تنسجم مع المشاعر الوطنية العارمة، والمساعي الحثيثة والمشروعة للشعب الكوري، شمال وجنوب شبه الجزيرة، لطي صفحة الماضي البغيض للحرب الأهلية.

في 15 أغسطس 1945، حققت شبه الجزيرة الكورية حلمها، وحصلت على الاستقلال، لكن سعادة الشعب الكوري لم تدم طويلا بانتهاء الاستعمار الياباني، الذي استمر 35 عامًا. ومع اشتداد الحرب الباردة، تزايدت الصراعات حول شبه الجزيرة، ليجري تقسيمها عند خط 38 شمالا، تحت إشراف أممي. ومن وقتها، سار الشمال والجنوب في طريقين مختلفين، وخاضا حربًا أهلية ضارية 3 سنوات (1950-1953) انتهت بتوقيع هدنة، وليست معاهدة سلام، سارية حتى تاريخه.

الرغبة العارمة في إعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية سلميا، لمستها -بنفسي- في أثناء مهمتي مراسلا لـ"الأهرام" بطوكيو 2001-2005، حيث التقيت -وقتها- بالعديد من الزملاء (واللاجئين) الكوريين الشماليين باليابان، وكذلك لمستها، في أثناء أربع زيارات ميدانية للشطر الجنوبي، آخرها جرت في شهر أبريل الماضي، أتيحت لي الفرصة -خلالها- لتكرار تفقد معالم المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين DMZ.
في أثناء زيارتي الأخيرة للمنطقة الحدودية، وحتى في الزيارات المماثلة التي سبقتها، يقوم المرافقون الجنوبيون بتحذير الضيوف الزائرين باتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر؛ لأنهم –باختصار- يمرون بمنطقة حرب، هي الأخطر في العالم على الإطلاق، باعتبارها مليئة بكل صنوف الألغام الأرضية، ومحصنة بأسوار كهربائية وأسلاك شائكة، بالإضافة إلى مليوني جندي، وآلاف الجنود من حرس الحدود من الشطرين الكوريين، الشمالي والجنوبي، أيديهم فوق الزناد على مدار الساعة.

وبينما تعد المنطقة الحدودية بين الكوريتين من أكثر المناطق "عسكرة" في العالم، إلا أنها فشلت في منع الكوريين الشماليين (من الجنود والمنشقين معا) من الهرب وعبورها باتجاه الشطر الجنوبي، ليبلغ عددهم أكثر من 105 منشقين، في النصف الأول من العام الحالي، بالإضافة لمنشقين آخرين في الشهرين الماضيين.

الجديد واللافت أن كوريا الشمالية قامت - في الآونة الأخيرة- بزرع المزيد من الألغام الأرضية، مع إزالة أضواء الشوارع على طول جانبها الحدودي من طريقي "جيونجوي" و"دونجهيه" البريين، كما أزالت دعامات قضبان السكك الحديدية على الجانب الشمالي من خطي السكك الحديدية (وقد شاهدت بعيني بقاياها) وبناء هياكل دفاعية أمامية، في خطوة لمحو إرث التبادل والتعاون بين الكوريتين، تنفيذا لرؤية الزعيم كيم جونج أون، وملخصها أن العلاقات بين الشطرين هي علاقات بين بلدين متعاديتين، وأن سول هي عاصمة العدو الرئيسي (رقم واحد) لبيونج يانج.

هيئة الأركان العامة للجيش الشعبي الكوري الشمالي أشارت إلى التدريبات العسكرية الكورية الجنوبية بالقرب من الحدود، وإلى زيارات الأصول النووية الإستراتيجية الأمريكية لشبه الجزيرة، وأكدت -في بيان أصدرته يوم الأربعاء الماضي- نصًا: "إن قيام جيشنا بقطع وإغلاق الحدود -بصورة دائمة في الوضع الحالي- مع كوريا الجنوبية، وهي الدولة المعادية الرئيسية والعدو الرئيسي الثابت (رقم واحد) هو إجراء دفاعي ذاتي، لمنع الحرب، وللفصل التام بين الكوريتين". 

في المقابل، أعلنت هيئة الأركان المشتركة الكورية الجنوبية، نصًا: "في حال قيام كوريا الشمالية بأي استفزاز جديد، فإن جيشنا سيعاقب -بصورة حازمة وساحقة- ليس -فقط- مصدر الاستفزاز، بل -أيضًا- القوات المعادية، الداعمة والقائدة له".

.. وهكذا، بلغت العلاقات بين شطري شبه الجزيرة الكورية إلى أدنى مستوياتها، مع إغلاق بيونج يانج الوكالات المكرّسة لإعادة التوحيد، ووصف كوريا الجنوبية بـ "العدو الأساسي". وكان من المتوقع إلغاء اتفاق تاريخي بين الكوريتين تم التوقيع عليه في عام 1991 في أثناء اجتماع برلماني رئيسي في بيونج يانج، لإقرار رؤية الزعيم كيم جونج أون بتصنيف كوريا الجنوبية رسميا على أنها دولة معادية، وإزالة الإشارات إلى الوحدة، والانتماء العرقي المشترك، واستبدالها بالتركيز على اكتساح الشطر الجنوبي بالقوة، في حالة نشوب صراع مسلح، غير أنه لم يتم التصديق على هذه الرؤية، ربما في انتظار إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية الشهر المقبل، لكن الشمال أعلن بأنه يخطط لـ "خطوة عسكرية كبيرة من شأنها قطع الطرقات وخطوط سكك الحديد، المرتبطة -بالكامل- بجمهورية كوريا". 

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة