ذات يوم دخلت إحدى زميلات العمل شاكية أبناءها لجلوسهم الدائم على هواتفهم المحمولة؛ لدرجة أنها لا تستطيع أن تتحدث إليهم، إضافة إلى شعورها بافتقادهم بالرغم من وجودهم جميعًا فى بيت واحد، ودعتهم للجلوس معها لمشاهدة التليفزيون، فقد وجدت الأم أن الاجتماع أمام شاشة التلفاز هو وسيلة لتحقيق هدفها.
حينها أجرى عقلى مقارنة سريعة بين ما كان يجرى أيام طفولتنا وما يحدث الآن، فقد كانت مشاهدة التلفاز هي مكافأة الانتهاء من الواجبات المدرسية، وكان هناك موعد محدد لمشاهدة البرامج المختلفة حتى لا ننشغل عن متابعة دروسنا، فهل صار الآن هو وسيلة اجتماع الأسرة بعد أن كان يعتبره الآباء مضيعة الوقت الأولى في حياة أبنائهم؟
ويدل ذلك على ما آل إليه حال أولادنا، ففي هذا العصر الرقمي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.
فبينما ربطت وسائل التواصل الاجتماعي الناس في جميع أنحاء العالم، فإنها تمثل أيضًا مخاطر كبيرة، حيث يمكن أن يؤدي الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعى إلى الاكتئاب والقلق، كما خلقت ثقافة العزلة، حيث يكون الأفراد أكثر عرضة للتفاعل مع الغرباء عبر الإنترنت مقارنة بأفراد أسرهم فكلما زاد تفاعلنا مع شاشاتنا، قل تفاعلنا مع بعضنا البعض، كما أحدثت تلك المنصات حالة من الانفصال الاجتماعي وتسببت فى عزل الأشخاص عن بعضهم البعض، ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ بل امتد ليُحدث الكثير من العواقب المدمرة على ديناميكيات الأسرة، فأدت إلى فقدان التواصل الفعال وجهاً لوجه مع اعتمادنا بشكل أكبر على الوسائل الرقمية لنقل أفكارنا وعواطفنا، ونتج عن ذلك سوء الفهم وسوء التواصل والصراعات داخل الأسرة الواحدة.
ولأن منصات التواصل الاجتماعي قد صُممت لعرض لقطات بارزة من حياة الآخرين، مما يخلق بيئة من المقارنة والمنافسة، كما أن الحياة المثالية التي يتم تصويرها بشكل منسق عبر الإنترنت تخلق أيضًا توقعات غير واقعية وتسبب انخفاضًا في تقدير الذات، ويؤدي هذا إلى نمو مشاعر عدم الكفاءة والغيرة والاستياء داخل الأسر.
ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ فقد سببت أيضًا اضطراب نقص الانتباه، وفقدان التركيز فالقصف المستمر للإشعارات والتحديثات والتنبيهات يعمل على إعادة برمجة أدمغتنا للرغبة في الإشباع الفوري والتحفيز المستمر، وأدى هذا إلى انخفاض في المحادثات العميقة والهادفة وتفضيل الاتصالات السطحية.
والأطفال معرضون بشكل خاص للتأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الأسرية، فالتعرض للتنمر الإلكتروني، وخطاب الكراهية، والمعلومات المضللة، والملاحقة الإلكترونية، والتحرش عبر الإنترنت يمكن أن يكون له آثار طويلة الأمد على صحتهم العقلية ورفاهيتهم.
وفى النهاية؛ هناك الكثير مما ينبغى أن يحرص الآباء عليه لتقليل مخاطر إدمان منصات التواصل الاجتماعي، فيجب أن يكون استخدامها بوعي، وتحديد وقت الشاشة، وتجنب استخدامها أثناء تناول الطعام أو قبل النوم، وإعطاء الأولوية للتفاعل في العالم الحقيقي، مع وضع قائمة بالتطبيقات المسموح بها وتلك المحظورة مع تبرير الأسباب وراء ذلك، ومتابعة نشاط الأبناء على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل دوري، والاطلاع على المحتوى الذي يشاهدونه، ويمكن تحقيق ذلك بالاستعانة ببرامج الرقابة الأبوية المتاحة لتحديد المواقع التي يمكن أن يصل إليها الأبناء، ولا ننسى أن الآباء يجب أن يكونوا قدوة لأبنائهم في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يظهروا لهم أهمية التوازن بين الحياة الواقعية والعالم الافتراضي.
[email protected]