تشهد المنطقة العربية والشرق أوسطية حالة من التوترات السياسية نتيجة حالة الحرب المشتعلة بالمنطقة، هذا ما ألمح إليه الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء أمس، موضحا استعداد البلاد لتطبيق نظام اقتصاد الحرب، ما يدفع الدولة لأخذ حالة من التأهب السياسية والاقتصادية متأهبة للحرب إذا ما فُرضت عليها.
موضوعات مقترحة
وأضاف أنه يجب أن نضع في الحسبان الحفاظ على استمرار واستقرار واستدامة توفير السلع والخدمات والبنية الأساسية للمواطن المصري، داعيا إلى المزيد من الحوكمة والترشيد في النفقات والاستهلاك، تحسبًا للسيناريو الأسوأ.
وكشف مدبولي أنه تم توجيه وتكليف وزيري البترول والكهرباء، ومحافظ البنك المركزي للتنسيق والتعاون لضمان عدم وجود تأثير على الدولة جراء التصعيد في المنطقة، موضحا أن برميل البترول زاد بنسبة 10% خلال الأسبوع الماضي، وهو ما سيزيد من حجم الضغط على الدولة واقتصادها.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه على المواطن المصري، ما هو اقتصاد الحرب وما هي آليات تنفيذه، وما هي استعدادات الدولة لمواجهة تداعيات الحروب السلبية على الاقتصاد؟
خطة شاملة لتوفير السلع الضرورية والأساسية
قال الدكتور أشرف غراب الخبير الاقتصادي، إن مفهوم اقتصاد الحرب يعني فرض مجموعة من الإجراءات الاستثنائية على الاقتصاد المصري بشكل عام، وذلك بتنفيذ مجموعة من الإجراءات الطارئة لتعبئة الاقتصاد خلال فترة الحرب، وذلك في حالة اتساع الحرب الإقليمية بمنطقة الشرق الأوسط والتي ستؤدي لنقص شديد في سلاسل الإمدادات وتأثير ذلك على نقص السلع وهنا لابد وأن تضع الدولة خطة شاملة لتوفير هذه السلع والاحتياجات الضرورية والأساسية للمواطنين لمواجهة أي تداعيات سلبية لهذه الحرب.
مخزون احتياطي استراتيجي
وأكد أنه منذ الحرب الروسية الأوكرانية وتقوم الحكومة بالفعل بتوفير مخزون احتياطي استراتيجي كبير ليكفي شهورا طويلة وحتى اليوم وذلك استعدادا لأي توترات جيوسياسية أو تصاعد الحرب بمنطقة الشرق الأوسط، موضحا أنه في حالة اتساع دائرة هذه الحرب لابد من وضع العديد من الإجراءات الهامة والضرورية والتي منها ترشيد استهلاك السلع وضبط الإنفاق العام للدولة والتركيز والاهتمام على استيراد السلع الرئيسية الضرورية، إضافة لعدم إنفاق أي عملة صعبة على أي رفاهيات أو سلع غير ضرورية.
ترشيد الإنفاق الاستهلاكي وتقليل الاستيراد
تابع أن اقتصاد الحرب يستلزم ترشيد الإنفاق الاستهلاكي وتقليل الاستيراد والإنفاق العام الحكومي وتوجيه الإنفاق للمجالات الأكثر أهمية ووضع القيود على كثير من الأنشطة الغير ضرورية وبعض الأساسية، وتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة، مع تقليل الهدر، مضيفا أن تطبيق اقتصاد الحرب لا يعني بالضرورة أن تكون مصر طرفا في هذه الحرب لكن مع اتساع دائرة الصراع في الدول المحيطة بمصر يؤثر بشدة على الاقتصاد المصري، خاصة وأن الاقتصاد المصري يعاني من آثار اقتصادية منذ جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية ثم الحرب على غزة ولبنان واتساع دائرة الصراع بالشرق الأوسط وقد تسبب هذا كله في تراجع إيرادات قناة السويس وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه.
متى طُبق اقتصاد الحرب لأول مرة في مصر؟
قام رئيس وزراء مصر الأسبق الدكتور عزيز صدقي، قبل 51 عاما، في فبراير 1973، بتطبيق اقتصاد الحرب وأعلن أمام مجلس الشعب، حيث كشف عن "ميزانية المعركة" بهدف دعم القوات المسلحة في معركتها لاستعادة أرض سيناء.
وقبلها بعد النكسة في حرب عام 1967، انطلقت حملة قوية لخفض معدلات الاستهلاك والتبرع للمجهود الحربي على كل المستويات، تحت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، وبدأت الدولة والشعب في التركيز على توفير الاستهلاك وإعادة بناء القدرات العسكرية استعدادا لحرب التحرير.
وتضمن ملامح خطة عزيز صدقي، تحويل الموازنة العامة للدولة إلى موازنة المعركة لتوفير جميع طلبات القوات المسلحة خلال الحرب لتحرير الأرض، مع الحفاظ على سرية البيانات الخاصة بالجيش، وإعادة النظر في خطة التصدير والاستيراد لتوفير النقد الأجنبي.
وقرر صدقي يومها خفض مخصصات المياه والإنارة والانتقالات، سواء بالسكك الحديدية أو بوسائل النقل الأخرى بنسبة 10%، وخفض مخصصات الدعاية والإعلان والحفلات بنسبة 25%، وتخفيض مخصصات الأعياد والمواسم بنسبة 75%.
كما شملت الخطة ترشيد الإنفاق ومراجعة مخصصات الصيانة للمرافق التابعة لوزارات الري والإسكان والبترول وهيئة البريد، وإلزام تلك الجهات بتحقيق خفض إضافي في المصروفات الخاصة بمستلزمات الشراء 2%، و5% لمستلزمات التشغيل.
وكانت التوصية وقتها بمراجعة جميع المشروعات الاستثمارية المدرجة بموازنة المالية لعام 1973، وتأجيل أي مشروعات لا تخدم الحرب.
ومع اندلاع المعركة يوم السادس من أكتوبر 1973، طرحت الحكومة المصرية ما اسمته "سندات الجهاد"، وهي شهادات استثمارية كان الهدف منها دعم الدولة والجيش فيما يخص الحرب والتداعيات الاقتصادية الناتجة عنها.
وبنهاية عام 1973، أعلن الدكتور عبدالعزيز حجازي، نائب رئيس الوزراء ووزير المالية حينها، أن الدولة دعمت القوات المسلحة بالموازنات المالية منذ عام 1967 وحتى عام 1973 بحوالي 5 مليارات جنيه، بينها 760 مليون جنيه خلال حرب أكتوبر، تم تخصيصها للقوات المسلحة والدفاع المدني والطوارئ.
ما موقفنا الآن في ظل الحرب المحيطة؟
قال رئيس الوزراء، إن الرئيس السيسي بعث رسائل طمأنينة تؤكد قوة وقدرة الدولة المصرية على حماية حدودها ومقدراتها، وأنها دائماً تسعى لإقرار السلام والاستقرار، في محيطها الإقليمي والدولي.
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد أكد أن القوات المسلحة المصرية قوة رشيدة ولا أجندة خفية لبلاده تجاه أي طرف.
وقال خلال حضوره "تفتيش حرب" للفرقة السادسة المدرعة بالجيش المصري، إن السلام خيار استراتيجي للدولة المصرية، مضيفا أن مهمة القوات المسلحة الحفاظ على أراضي الدولة وحماية حدودها.
وتابع رئيس الجمهورية أنه إذا كان يوجد سلام فإنه سيفتح آفاقا حقيقية موضوعية للسلام والتعاون على مستوى الإقليم، مؤكدا أن الحرب هي الاستثناء، والسلام والبناء والتنمية هي الأساس، ما يحدث في المنطقة اختبار حقيقي لهذه الاستراتيجية.