في حسن الأدب مع الله تعالى

10-10-2024 | 15:07

بداية هل يشك أحد أو يظن ظن السوء أن الله تعالى لا يرانا، لا يراقبنا، لا يشهد علينا، من تحدثه نفسه بغير ذلك فليراجعها وليجدد إيمانه وليبدأ صلحًا وصفحة جديدة مع الله تعالى، فقد قالها الله تعالى من فوق سبع سموات في قرآن يتلى إلى يوم القيامة "وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ"، ويقول أيضًا "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ".

إذن الله معنا، الله يرانا، الله شاهد علينا، فلماذا لا نتأدب مع الله تعالى، لماذا لا نأتمر بما أمرنا به وننتهي عما نهانا عنه، لماذا لا نتقي الله فيه؟!
 
نكتب مقالا أو خاطرة فغرضنا واضح ومعلوم، محاولة وضع أيدينا على الداء العضال الذي قد يصيب جسد أمتنا العربية، أقصد واقعنا الذي نرجو من الله أن يغيره إلى الأحسن فهي محاولة للذكرى، "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ"، "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ"، "إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ".

 الكتاب كثر وأقلامهم مبدعة وأفكارهم رائعة، ولكن هذه محاولة للوقوف على ما وصل إليه واقعنا الذي نحياه من انشقاقات وانقسامات وتفرقات، فالإنسان أصبح ذئبًا لأخيه الإنسان يتحين الفرص كي ينقض عليه.

 فالكل يطلب ويطالب بإصلاح الحال، لكن كيف يكون إصلاحًا وداخلنا خرب فليفتش كل منا بداخله، وليحاول أن يقف وقفة متأنية مع نفسه محاسبًا إياها مذكرها بالآخرة، وبقوله تعالى: "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ"، والتحذير هنا ليس ترهيبًا وإنما هي إشارات ربانية تتمثل في صور عدة منها المرض والإصابة بالفاقة وفقد الولد أو فقد المنصب، لماذا؟ حتى نعود إليه سبحانه وتعالى، فالله تعالى يقول: "فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ"، تذكير بمنطق العقل يا أهل العقل والفهم.

إن حقيقة الإصلاح لا تكون إلا من خلال العودة الحميدة إلى الله تعالى؛ الإصلاح إصلاح الحال إلى الأفضل لا يكون بالكلام والطبل والزمر، وإنما هناك بعد آخر قد يكون خفيًا على الكثير.

عقد صلح حقيقي مع الله تعالى؛ وكيف نعقد صلحًا مع الله، ونحن ينطبق علينا قوله تعالى: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)، وجعلنا الله تعالى أهون الناظرين إلينا، ولو تأملنا هذه الآية الكريمة بمنهج الاعتبار واعتبرناها حق الاعتبار، ووضعنا الهيبة من الله في قلوبنا، وأتمرنا بما أمرنا به وانتهينا عما نهانا عنه، يبدأ الإصلاح والتغيير.

ولنا في الفاتحين أمثال "صلاح الدين" القدوة والعبرة، فهل فتح بيت المقدس -اللهم رده إلينا مردًا جميلًا- بالعدة العسكرية فقط؟ لا والله وإنما كانت عدته الإصلاحية في بادئ الأمر وضع الله نصب عينيه، ومراقبته في كل صغيرة وكبيرة، وأصلح المجتمع، وساعتها هيأ الله له أسباب التمكين والنصر.

لكننا للأسف تكالبنا على الدنيا، ولهثنا خلف الكراسي والمناصب الزائلة، واتخذنا آيات الله سخريًا وهزوًا ولعبًا، وفرطنا في العبادات وتماهينا في المعاملات وطرحنا الإيثار، وركنا إلى الأثرة.

نفعل كل ذلك، والله ينتظر توبتنا وعودتنا إليه، لو أعلنا التوبة والأوبة والعودة إلي الله صريحة ووقرنا وعظمنا الله في قلوبنا وراقبناه في كل شيء، في حركاتنا وسكناتنا لكان حقًا عليه أن يغير حالنا إلى الأحسن، أحسنوا إلى الله حتى يحسن إلينا؛ فالإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئًا.

فهل راقبنا الله؟ هل راقبت الله أيها المعلم في درسك؟ أيها الأستاذ في محاضرتك؟ أيها المهندس في مصنعك؟ أيها الطبيب في مرضاك؟ أيها التاجر في بيعك وشرائك؟ إذا حققنا ذلك سعدنا وحقق الله لنا بغيانا.

الإصلاح لا يكون بالكلام، وإنما بالعمل، ساعتها ننتظر فضل الله علينا وننتظر تعطفه علينا وإصلاح حالنا، ولكن يجب أن نأخذ الخطوة ونبادر، ولا نقول سوف، فلا ندري متى الأجل، فأفضل لنا أن نلقاه على توبة أم نلقاه ونحن عصاة؟!

 ومن حسن الأدب مع الله تعالي التعامل بالتي هي أحسن مع عباد الله، دونما تعال وتكبر، دونما نظرة دونية للآخر، هب أن الله وهبك منصبًا رفيعًا، هل تتعالى على الناس، لا والله، الله أمرنا بالتواضع وعدم التكبر، ألم يقل الله تعالى في الحديث القدسي: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما، قذفته في النار"، فلا تحقر من شأن ما هو دونك في المكانة الدنيوية؛ فقد يكون عند الله أفضل منك، فلا داعي للكبر، فأولنا نطفة قذرة وآخرنا جيفة نتنه، وآخرنا قبر، إما روضة وإما حفرة.

ومن حسن الأدب مع الله وجوه الإحسان إلى الله، والإحسان إلى الله يكون عن طريق الإحسان إلى عباد الله بالمودة والعطف والتسامح والمغفرة.

ومن وجوه الإحسان المعاملة بالتي هي أحسن عطفًا على صغير ورحمة بكبير، ومن حسن الأدب مع الله مراعاة حقوق الجار، ومراعاة الوالدين وبرهما، والمعاملة الحسنة مع الزوج والأبناء.

ومن أدق وجوه الأدب مع الله المراقبة والمحاسبة، مراقبة الله تعالى سرًا وعلانبة، وما أحوجنا إلى وضع الله نصب أعيننا في خلوتنا مع أنفسنا، فإن لم نكن نراه فهو تعالي يرانا.

فإياكم ثم إياكم ثم إياكم من ذنوب الخلوات فهي المهلكات، ومن حسن الأدب مع الله ألا نجعل الله أهون الناظرين إلينا، فهو يرانا ويسمعنا ويشهد علينا، وإذا كانت حقًا دعوتنا إصلاحية فضرورة ملحة أن نصلح حالنا مع الله تعالى.

وأختتم حديثي بقوله تعالى في سورة الرعد "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ"، صدق الله العظيم.

* أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة