يقول مارتن لوثر كينج: "إنها جودة حياة الفرد وليس طولها هو ما يهم"، لكن مع حالة الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، الأمر يختلف تمامًا، حيث جمع بين الحياة الثرية وجودتها بكل الأشكال وبين امتدادها بطريقة فريدة.. تجعله شخصا مختلفا ومحظوظا أيضًا، حيث توافق الانتخابات الأمريكية المقبلة التى تعد الأكثر أهمية فى تاريخ الولايات المتحدة، عيد ميلاد كارتر الـ 100.
موضوعات مقترحة
ووراء هذا العمر المديد للرئيس الأمريكى كارتر تكمن العديد من الأسباب والعوامل، منها ما هو خاضع للجينات، وأخرى مرتبط بحب الحياة وأعمال المشاركة المجتمعية، ومنها المتعلق بالروابط الأسرية القوية ودور الزوجة، وأخيرًا المتعلق بممارسة الأنشطة الرياضية. فكل هذه العوامل اجتمعت فى شخص كارتر، لتجعل منه الرئيس الأمريكى الأطول عمرًا فى تاريخ الولايات المتحدة.
فى إبريل الماضى، تداولت وسائل الإعلام الأمريكية، النكتة التى ألقاها الممثل الكوميدى كولن جوست حول الانتخابات الأمريكية المقبلة، أثناء حفل العشاء الأخير لجمعية مراسلى البيت الأبيض، وداعب جوست، الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر قائلا: "لا أقول إن المرشحين كبيران فى السن، لكنك تعلم أن جيمى كارتر كان ليفكر قائلا: ربما أستطيع الفوز بهذا الشىء"، ويقصد بالمرشحين دونالد ترامب البالغ من العمر 77 سنة، وجو بايدن البالغ من العمر 81 سنة، والحقيقة أنهما يواجهان انتقادات متنوعة، أما كارتر فيبلغ من العمر 100 سنة! وفى ظل هذه الأعمار المتقدمة، لذا فلسان حال البعض يقول "ولما لا"؟!
لعل هذا ما جعل الموقع الإلكترونى الإخبارى البريطانى "تورتويز ميديا"، يختار عنوانا فكاهيا لمقال نشره: "جيمى كارتر لا يزال على قيد الحياة"! وكتب أنه لم يعد أحد يستبعد كارتر، لأن الرئيس الأمريكى الأطول عمرا على الإطلاق، نجا بأعجوبة من السرطان منذ عقد من الزمن تقريبا. ويوافق عيد ميلاد كارتر المئوى الأول من أكتوبر المقبل، قبيل الانتخابات الرئاسية الأكثر أهمية فى تاريخ الولايات المتحدة!
ولد جيمى كارتر فى الأول من أكتوبر عام 1924، بولاية جورجيا، وتخرج فى الأكاديمية البحرية فى عام 1946 وانضم إلى البحرية الأمريكية، وخدم فيها خلال الحرب العالمية الثانية. وظهر كارتر كالنيزك على الساحة الوطنية، وجهًا جديدا يبعث الأمل ويعد باتجاه أفضل للبلاد، فكان عضوا فى الحزب الديمقراطى، ونائبا بمجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا، وأصبح حاكم الولاية فى الفترة من عام 1971 إلى عام 1975، وفاز فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، وأصبح الرئيس التاسع والثلاثين وقضى فترة رئاسية واحدة فى الفترة من 1977 وحتى 1981، وهى من الحالات النادرة، لأنه غالبا ما يفوز الرئيس بفترة ثانية.
ويعرف كارتر بـ"راعى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل" فى عهد الرئيس المصرى الراحل محمد أنور السادات، وحصل على جائزة نوبل للسلام فى 2002 لأبحاثه فى مجال الديمقراطية العالمية والصحة وحقوق الإنسان. وأثار كتابه "فلسطين: سلام وليس فصلا عنصريا" وهو من أكثر الكتب مبيعًا فى 2006، جدلا كبيرًا، حيث وصف سياسات إسرائيل فى الضفة الغربية وقطاع غزة، بأنها ترقى إلى مستوى الفصل العنصرى.
وحاليًا يعيش كارتر حياته فى منزله المتواضع بولاية جورجيا، الذى فى بناه أوائل الستينيات، وتوفيت فى السنة الماضية زوجته روزالين، وغالبا ما يتواجد أبناء كارتر معه، ويحب مشاهدة عرض "آندى جريفيث"، وهو مسلسل كوميدى من ستينيات القرن العشرين، يدور حول عمدة محبوب وعادل، يحافظ على النظام فى بلدة مايبيرى الصغيرة.
أسرار طول العمر
كارتر الرئيس الأطول عمرا فى تاريخ أمريكا، تحدى التوقعات بشأن المدة التى سيعيشها عندما بدأ الخضوع للرعاية الصحية، حيث دخل كارتر دار رعاية المسنين المنزلية فى نوفمبر 2023، بعد إقامة قصيرة فى المستشفى، وتوفيت روزالين كارتر، فى نوفمبر الماضى، عن عمر يناهز 96 سنة، بعد نحو ستة أشهر من تشخيص إصابتها بالخرف، وعاشت بضعة أيام فقط فى دار رعاية المسنين مع زوجها كارتر. واليوم يتلقى كارتر خدمة رعاية المسنين المنزلية، وسط عائلته، بدلا "من التدخل الطبى الإضافى". ولم تؤكد العائلة ما إذا كان كارتر لا يزال فى دار رعاية المسنين، أم أنه خرج من المستشفى، كما يحدث أحيانا عندما تستقر صحة المريض. ويقول حفيده جوش كارتر إنه "لا يزال جيمى كارتر إلى حد كبير.. عنيدا قوى الإرادة.. لا يزال هو جيمى كارتر، لا يزال يحب الآيس كريم بمذاق زبدة الفول السودانى.. وهذا أمر رائع أن نراه".
كارتر مثالًا حيًا
والسؤال الذى يثير فضول الجماهير دائما عن سر طول عمر كارتر؟ يجيب الدكتور بى. دجيه. ميلر، طبيب دار المسنين بسان فرانسيسكو، وأستاذ الطب التلطيفى، وهو تخصص لتخفيف الألم والأعراض الأخرى لدى المصابين بأمراض خطيرة قائلا: إن مثل هذه الأفراح الصغيرة لا تقدر بثمن للحفاظ على استمرار المريض، فمن المهم للعالم أن يرى كيف يجب أن تسير رعاية المسنين، وأن هذا ليس بالأمر المخيف، فالأمر لا يتعلق بالموت، بل يتعلق بالعيش حتى يأتى الموت، وأنا سعيد لأن كارتر يضرب مثالا حيًا على ذلك، فهو أول رئيس أمريكى سابق يعيش حتى سن 99 عاما، وربما يعيش ليرى الذكرى الأربعين لتنصيبه. ويمكن أن تلعب الجينات دورا فى طول العمر، إضافة إلى عاداته اليومية الصحية والاجتماعية التى كان يمارسها طوال حياته، حيث اشتهر كارتر وزوجته بالمشاركة فى المجتمع، حيث ساعدا فى بناء وتجديد وإصلاح أكثر من 4300 منزل فى 14 دولة أثناء تطوعهما لمنظمة "الموئل من أجل الإنسانية".
ويقول دكتور فالتر لونجو أستاذ علم الشيخوخة فى جامعة جنوب كاليفورنيا ومدير معهد "يو. إن. سى. لونجيفيتى" فى لوس أنجلوس، "إن المشاركة المجتمعية تخبرك أنك تريد أن تعيش، وتريد مساعدة الآخرين، وأن لديك سببا للاستمرار فى القيام بكل الأشياء التى تحتاج القيام بها، مثل الذهاب إلى الطبيب، وتناول نظام غذائى صحى وممارسة الرياضة. فى النهاية، كما يقول ميلر: إن العمل التطوعى يساعد الأشخاص على البقاء على تواصل مع الآخرين وهذا يمثل شريان الحياة".
روابط أسرية قوية
كان كارتر وزوجته روزالين متزوجين لمدة 77 عاما، وهو أطول زواج فى تاريخ الرئاسة. ووصفها كارتر بأنها "شراكة كاملة". وقال كارتر فى بيان عندما توفيت فى 19 نوفمبر 2023: كانت روزالين شريكتى فى كل ما أنجزته على الإطلاق، لقد أعطتنى التوجيه الحكيم والتشجيع عندما كنت فى حاجة إليه. وطالما كانت موجودة، كنت أعرف دائما أن شخصًا ما يحبنى ويدعمنى".
وخلال حفل تأبين روزالين كارتر، قرأت ابنتهما إيمى كارتر، رسالة حب كتبها الرئيس الأسبق إلى زوجته قبل 75 سنة، جاء فيها: "عزيزتى.. فى كل مرة كنت بعيدا عنك، أشعر بسعادة غامرة، حيث اكتشف أثناء غيابى كم أنت رائعة.. أحاول إقناع نفسى أنك لست كذلك حقا، ولا يمكن أن تكونى لطيفة وجميلة كما أتذكر. لكن عندما أراك، أقع فى حبك من جديد".
كما يكمل أبناؤهم وأحفادهم مسيرة الأسرة المتماسكة، والالتزام بشريك الحياة ورعاية الأطفال، ووضع الأسرة فى المقام الأول، هو جزء أساسى من طول العمر، كما وجد الباحثون الذين يدرسون المناطق الزرقاء، وهى أماكن حول العالم يعيش فيها الناس حياة طويلة. من المهم أن تكون جزءا من علاقة حب، عن طريق العلاقة الزوجية، أو مع أخيك أو صديقك أو مع أى شخص تشعر معه بأنك مرئيا ومسموعا، كما يقول ميلر.
ممارسة الرياضة
كان كارتر عداء متحمسا، حتى بلغ الثمانين من عمره وأصيب بمشاكل فى الركبة، لذلك تحول إلى السباحة والمشى، حسبما قال لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية فى 2013 و2018. كان هو والسيدة كارتر يحبان ركوب الدراجات فى مسقط رأسهما فى بلينز بولاية جورجيا، وكذلك فى الرحلات عبر البلاد وخارجها. وكان يستمتع الرئيس الأسبق أيضا بصيد الأسماك وأعمال النجارة، ويقول الخبراء إن التمارين الرياضية تؤثر على كل خلية فى الجسم، وهى ضرورية للصحة الجيدة.
الإيمان.. مفيد للجسد والروح
منذ مغادرته البيت الأبيض فى عام 1981 حتى 2020، قام كارتر بالتدريس بانتظام فى مدرسة الأحد فى كنيسة مارانثا المعمدانية فى بلينز، جورجيا، حيث كان هو وزوجته يحضران الخدمات. وكتب الرئيس السابق فى أحد كتبه قائلا: "إن معتقداتنا الدينية مهمة بالنسبة لنا". ويقول لونجو، تماما مثل الشعور بالهدف، يمكن للديانة أن نساعد الناس على القيام بالأشياء الصحيحة، من أجل صحتهم والاستمرار. وأضاف ميلر أن الإيمان يمكن أن يكون مصدرا للمعنى والانتماء، وهو أمر مفيد للجسد والروح، "يمكننا أن ندفع الجسم ونحثه على الاستمرار بكل أنواع الطرق. ولكن إذا لم تكن هناك شرارة، إذا لم يكن هناك سبب للعيش، إذا لم يكن هناك متعة فى العيش، فلن يساعد ذلك كثيرا، تلك هى المكونات الأساسية للحياة".