بعد مرور اثنين وأربعين عامًا، على إنشائه لمحاربة الرقابة، لا يزال أسبوع الكتب المحظورة فى الولايات المتحدة، يحظى بأهمية كبرى، بهدف رفع مستوى الوعى العام حول الضغوط التى يمارسها المحافظون المتطرفون، الذين يريدون إزالة المزيد والمزيد من الكتب من المدارس والمكتبات، وهو حدث سنوى أنشأته جمعية المكتبات الأمريكية، ومنظمة العفو الدولية عام 1983، اعتراضا على حظر السلطات لبعض الكتب، التى ترى فيها إباحية شديدة أو تتناول قضايا الاضطهاد التى يتعرض لها الملونون وخصوصا السود.
موضوعات مقترحة
أسبوع الكتب المحظورة يقام فى الفترة من 18 إلى 24 سبتمبر، من كل عام فى جميع أنحاء البلاد، من قبل المجموعة الرئيسية لأمناء المكتبات عبر المحيط الأطلسى وجمعية المكتبات الأمريكية، وتأتى فى وقت يحشد فيه كل من الآباء المحافظين والمسئولين كل طاقتهم من أجل إزالة الكتب التى يعتبرونها غير مناسبة من المدارس والمكتبات العامة.
ويشارك فى هذا الأسبوع المؤلفون، والناشطون والطلاب وأمناء المكتبات فى فاعليات، للحديث عن محاولات الرقابة هذه وإستراتيجيات مواجهتها.
قبل أربعين عامًا كانت الكتب المستهدفة بالشكاوى، يتم حظرها، لأنها تحتوى على كلمات بذيئة وقصص رومانسية بين الشباب، أما الآن فقد أصبح أى عمل يتعلق بالتجارب الحياتية للأفراد المثليين، أو الأشخاص الملونين من ضمن أهداف الحظر، والهدف هو إسكات الأشخاص الذين يتحدثون نيابة عن المجتمعات المهمشة.
وكان عام 2021 عامًا مظلمًا فى الولايات المتحدة، وقد حددت الجمعية نحو 1597، احتجاجًا على الكتب فى المدارس والجامعات باعتبار أنها تتمحور حول الهوية الجنسية، أو تتناول قضايا الاضطهاد مثل كتاب «الكراهية التى نمنحها»، والذى يتحدث عن عنف الشرطة ضد السود وكتاب «العين الأكثر زرقة»، تحفة تونى موريسون الأدبية حول العنصرية.
جزء كبير من حالات الحظر، ناتج عن تصرفات السلطات العامة فى الولايات التى يسيطر عليها الحزب الجمهورى، مثل ولاية فلوريدا التى اعتمدت تشريعاً يحظر أى نقاش حول الجنس، أو الاضطهاد فى المدارس العامة، كما اختفت العديد من الكتب التى تتحدث عن ذلك من الأرفف المكتبية.
وتتعارض هذه الجهود مع رغبات الناخبين الأمريكيين، الذين يعارضون إلى حد كبير مثل هذا الحظر الصادر عن أقلية، تريد فقط الحفاظ على السلطة والسيطرة، فى حين أن الجميع يجب أن يكونوا قادرين على اختيار ما يريدون قراءته، خصوصا الشباب ضحايا العنصرية، والتمييز الذين يحتاجون إلى المعلومات.
تتسبب هذه الحملة فى إلحاق الضرر، بأمناء المكتبات، الذين أصبحوا لقمة سائغة فى فم المحافظين، الذين وصل الأمر بهم إلى اتهام أمناء المكتبات بالتحرش بالأطفال، لمجرد أنهم عرضوا كتبًا لا يوافق عليها المحافظون، ما أدى إلى استقالة العديد منهم، ولسنوات عديدة أصبحت رفوف المكتبات فى الولايات المتحدة، بمثابة مناطق للعمل السياسى بحجة حماية الأصغر سنًا، وقد تضاعفت القيود خلال العام 2023-2024، لتتجاوز 10000 حالة حظر لكتب معينة، بعد اعتماد قوانين قمعية تقيد حريات التعبير والمعلومات، والأسوأ من ذلك أن الاتجاه مستمر فى النمو.
وعلى مدى عدة سنوات، كانت حركة حظر الكتب فى المدارس مدفوعة باتجاهين رئيسيين، هما تشريعات الولايات المختلفة، وتأثير الجماعات التى تعتمد على خطاب “حقوق الوالدين”، لتبرير اللجوء إلى الرقابة وفى الولايات المحافظة التى يقودها حكام جمهوريون، مثل فلوريدا وأيوا ويوتا وتكساس، يتم فى الواقع وضع تشريعات مصممة خصيصا، بحجة حماية الأطفال ومكافحة المواد الإباحية، وهكذا تمكنت هذه الولايات من استبعاد كتب مارجريت أتوود وروبى كور، وسارة جيه ماسو أليس ووكر وتونى موريسون من المكتبات العامة والمدرسية.
والحقيقة أن مجرد ذكر الحياة الجنسية، قد يكون الآن كافياً لوصف كتاب بأنه “إباحى”، فضلا عن ذكر المحرقة، وحركة حياة السود والاضطهاد وتعامل الشرطة مع الملونين، وتلك التى تركز على العنصرية أو تصور شخصياتهم.
وتمتد عملية قمع حرية الطلاب فى القراءة، من الروايات الكلاسيكية والخيال الشعبى إلى قصص الشباب والتاريخ الأمريكى، حيث تظهر العديد من العناوين، فى مؤشر قلم أمريكا لحظر الكتب المدرسية لأول مرة خلال العام الدراسى 2023-2024، بما فى ذلك:
الجذور: ملحمة عائلة أمريكية لـ”أليكس هالى”
شجرة تنمو فى بروكلين لـ”بيتى سميث”
كيف استعادت ستيلا أخدودها لـ”تيرى ماكميلان”
إعادة إعمار السود فى أمريكا 1860-1880 لـ”دبليو.إى.بى. دوبوا”
موت فوق النيل لـ”أجاثا كريستى”
كيف فقدت فتيات جارسيا لهجاتهن لـ”جوليا ألفاريز”
العثور على جونى كيم لـ”إلين أوه”
اذهب وأخبرها على الجبل لـ”جيمس بالدوين”
الصيف الضال لـ”باربرا كينج سلفر”.
وتتضمن العديد من الكتب المحظورة، خلال العام الدراسى 2023-2024، عناوين تم استهدافها منذ بداية حركة حظر الكتب فى عام 2021 بما فى ذلك:
اللون الأرجوانى للكاتبة أليس ووكر
تسع عشرة دقيقة للكاتبة جودى بيكولت
العين الأكثر زرقة لتونى موريسون
وذلك إضافة لروايات لسارة جيه ماس وستيفن كينج وإلين هوبكنز.
أما بالنسبة لجماعات الضغط، فإن منظمة أمهات من أجل الحرية، فهى المحرض الرئيسى لهذا، إذ إنها مدعومة ماليا من قبل شخصيات محافظة تجمع بين الأمهات وخصوصا الأمهات الغاضبات من المكتبات، والمعارضات للإجهاض والمؤيدات للسياسات المعادية للمثليين.
وقد رفع المعارضون هذا العام لفكرة حظر الكتب شعار “تحرر بين السطور”، مذكرين فيه الجميع بمدى المخاطر التى يواجهونها، مستعرضين التهديد الذى يواجه حرية استكشاف أفكار جديدة، ووجهات نظر مختلفة، فحظر الكتب لا يقيد الوصول إلى القصص، فحسب بل يقوض حقوق القراءة والاطلاع، وبالتالى فلابد من إيجاد الحرية فى صفحات الكتاب لحماية الأصوات المتنوعة، فالرقابة هى عدو الحرية، ومن خلال حظر الكتب، فإنه يتم الحرمان من فرصة التعلم من الماضى وتصور مستقبل شجاع، فالكتب لديها القدرة على فتح العقول وبناء الجسور.
ولهذا فإن حزب المحافظين، لا يريد أن يفعل ذلك، فهو يرفض تعامل الجماهير مع الكتب، لأنهم يخشون التقدم والنمو فى اتجاهات جديدة وجريئة، ولذلك لابد من الدفاع عن حقوق الإنسان فى جميع أنحاء العالم ضد الذين يرفضون إسكات الأصوات.
ويرى هؤلاء المعارضون لفكرة حظر الكتب، أنه فى زمن الانقسامات السياسية العميقة، تواجه الثقافة عددًا هائلاً من محاولات الحظر، ففى عام 2023، وحده أعلن مكتب الحرية الفكرية التابع لجمعية المكتبات الأمريكية عن 1247، محاولة لفرض رقابة على الكتب والموارد الأخرى فى المكتبات، بزيادة قدرها 65% على العام الذى سبقه.
وفى الوقت نفسه، وثق نادى القلم الأمريكى، انفجارًا فى عدد الكتب التى تمت إزالتها من رفوف المدارس فى عامى 2023 و2024، حيث تضاعف ثلاث مرات عن العام السابق، وتمت إزالة أكثر من 8000 كتاب فى ولايتى فلوريدا، وأيوا وحدهما، حيث تم هناك إقرار القوانين التى تقيد محتوى الكتب.
وأسبوع الكتب المحظورة، هو احتفال سنوى بحرية القراءة، ويرعاه مكتب الحرية الفكرية، وهو جزء من جمعية المكتبات الأمريكية والتحدث عن حرية القراءة، لا يعنى الحق فى اختيار أى كتاب متاح تجاريًا وقراءته من أجل المتعة، لكن المقصود به هو الوصول غير المقيد، إلى المعلومات وحرية البحث عن الأفكار والتعبير عنها، حتى تلك التى يجدها بعض الأشخاص مرفوضة أو مسيئة.
وكانت ديبوراه كالدويل ستون، مديرة مكتب الحرية الفكرية التابع لجمعية المكتبات الأمريكية، ضيفة على أحد البرامج لمناقشة حظر الكتب فى أعقاب هجوم 12 أغسطس، على المؤلف سلمان رشدى، والذى حظرت دول متعددة كتابه “آيات شيطانية”، حيث تحدثت عن كارثة حظر الكتب فى جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث من المفترض أن يتمتع جميع المستخدمين بالحق فى الوصول إلى الكتب، التى تم اختيارها لوضعها على الرف وقراءتها، أما إزالة هذه الكتب بسبب الآراء والموضوعات والأفكار الواردة فى هذه الكتب فيعد انتهاكًا.
وقد تم إطلاق أسبوع الكتب المحظورة فى عام 1982، ردًا على الارتفاع المفاجئ فى عدد التحديات التى تواجه الكتب، فى المكتبات العامة والمكتبات المدرسية، من خلال التركيز على الجهود المبذولة لإزالة أو تقييد الوصول إلى الكتب، ويلفت أسبوع الكتب المحظورة الانتباه إلى أضرار الرقابة.
ويُعقد هذا الحدث السنوى عادةً (ولكن ليس دائمًا)، خلال الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر، ويسلط الضوء على قيمة الوصول الحر والمفتوح إلى المعلومات، ويجمع مجتمع الكتاب بأكمله، من أمناء المكتبات والمعلمين والمؤلفين والناشرين وبائعى الكتب، والقراء من جميع الأنواع فى دعم المشترك لحرية البحث عن الأفكار والتعبير عنها.