«أبراج الحمام».. «عش الزغاليل وزينة الغيطان» في أرياف مصر| صور

"ياحمام البر سقف.. حوم ورفرف..طير وهفهف..على كتف الحر وقف..والقط الغلة".. بهذه الكلمات التى صاغها الشاعر الكبيرصلاح جاهين، وغنتها المطربة المُبدعة أحلام من ألحان الموسيقار محمود الشريف، أصبح برج الحمام رمزًا لنهضة مصر ووقوفها شامخة كالبُرج أمام أعدائها، حيث تعد هذه الأبراج أقدم وسيلة لتربية الحمام على أرض النيل. 

ومع الوقت أصبحت "أبراج الحمام" رمزًا للريف المصري، بل أنها أصبحت بمثابة الحدود التي تفصل بين القرى والنجوع في الأرياف؛ لذا نجد كوكب الشرق أم كلثوم تشير إلى ذلك في أغنيتها "طوف وشوف" حيث غنت "للغيطان اللى أخرها المدنة وأبراج الحمام".  

وتطور الأمر لنجد محافظة كمحافظة المنوفية، تجعل من "برج الحمام" شعارًا لها؛ في إشارة لحادثة دنشواي، حيث تسبب جنود الإنجليز في مقتل فلاحة مصرية وحرق جرن القمح بالقرية، ولذا فقد تتبعه الفلاحين، فمات نتيجة ضربة شمس، ليرتكب الاحتلال الإنجليزي مجزرة بشعة وعقدوا محاكمة صورية، انتهت بإعدام عدد من أبناء القرية، ليسجل التاريخ واحدة من أبشع صور قسوة الاستعمار. 

الحاج محمود الفخرانى واحدًا من أشهر بُناة أبراج الحمام بمحافظة البحيرة، تحدث معنا عن شروط بناء الأبراج، ومنها أن تكون فى مكان غير رطب حتى لا تكثر الأمراض والحشرات الضارة بالحمام، وحتى لا يحدث تصدع أو شروخ فى جسم البرج نفسه، ويجب ألا تقل  المساحة التى يبنى عليها البرج عن 20: 30م2، وكذلك يجب أن يتميز البرج بسعة مناسبة من الداخل ليسهل التحرك بداخله. 

المُربع والمخروطى وذو القباب.. أشهر تصاميم أبراج الحمام فى مصر 

ويتوقف شكل برج الحمام على المكان الذي سيُقام عليه، بحيث يضيف البرج لمسة جمالية إلى المكان الموجود فيه، ولأبراج الحمام تصاميم مختلفة الأشكال والأحجام، فمنها المربع أوالمخروطى أو الأبراج ذات القباب المستديرة، أو الأبراج الأسطوانية. 

ارتفاع أبراج الحمام قد تصل لـ 20 مترا

ويُبنى أساس البرج "القاعدة" عادة من الطوب الأحمر أو الحجارة، وقد تكون القاعدة على شكل غرفة أو اثنين، أو بدون غرفة أصلاً، وتتفاوت ارتفاع الأبراج بين 3 إلى 5 أمتار لتصل إلى 20 مترًا. 

أما جدران البرج فتُبنى من الطين المخلوط بالتبن "الطوب اللبن"، وترص القواديس، وهى (عبارة عن آنية فخارية مستديرة  ذات تجويف؛ تستخدم كعنابر أو أعشاش للحمام حيث يعيش ويضع البيض).

القواديس الفخارية تستخدم كأعشاش للسكن ووضع البيض 

وتمتاز القواديس بوجود انتفاخ من الخلف يُعطيها اتساع بالداخل يُحافظ علي بيض الحمام من السقوط خارج العُش، ويجب وضع هذه القودايس بوضعية مناسبة بحيث لا تكون موجهة لأعلى، حيث لايتسبب ذلك فى وقوع البيض أثناء طيران الطائر، ويحتاج البرج الذى يكون على هيئة حجرة أبعادها 4 × 5 متر حوالى 1200 قادوس. 

ويؤكد الفخرانى ضرورة إحكام قفل غرفة البرج أو قاعدة للبناء، بحيث يكون لها باب يُغلق بإحكام حتى يحافظ على "الزغاليل" من الافتراس أو السرقة، ويراعى أن يوجد لكل عش عتبة خشب ليهبط الحمام عليها أثناء العودة من الطيران وقبل دخول العش.

وبين هذه القواديس توجد فتحات دائرية فخارية، تستخدم لتهوية البرج، وكأبواب لدخول الطائر وخروجه من البرج، وكذلك يوجد سقالات خشبية داخل البرج توضع بشكل عرضى، يستخدمها المُربي كسُلم يتسلق عليه؛ لجمع الزغاليل أو لتنظيف القواديس "الأعشاش الفخارية" من فضلات الحمام "الزرق". 

ويشدد الفخرانى على أمرين هامين، الأول عدم بناء الأبراج من الأسمنت؛ وذلك لأن الطوب اللبن يمتص حرارة الصيف، ويوفر حراره الشتاء، أما الأسمنت فليس كذلك ويتسبب فى انتشار الآفات والحشرات؛ مما يسبب هروب الحمام وهجرته للبرج.

الفئران والغربان والثعابين والبومة المصاصة.. مربع الخطر لحمام الأبراج 

أما الأمر الثانى فهو أن السعة المثالية للبرج هى حوالى 1000 قادوس تزيد قليلاً أو تقل قليلاً، ولا يُفضل الأبراج الكبيرة جدًا ولا الصغيرة، كما يراعى فى إنشاء البرج عدم تسلق القطط إليه، وإحكام قفل أبوابه وفتحاته، حتى لا يجد أعداء الحمام طريق لدخوله كالغربان والبومة المصاصة والفئران والثعابين.  

"الطوب اللبن" لبناء البرج والدهان بالجير الحى ضروري لتمزيق الثعابين 

ويُطلى البرج من الداخل بالطين المتخمر؛ لسد الشقوق التى تكون عادة مأوى للآفات والحشرات، كما يُطلى من الخارج بمحلول الجير؛ وللجير أهميته فى ذلك فهو يعمل على تشقق جلود الثعابين وتآكلها، وبالتالى موتها فى حالة تسلقها لجدار البرج. 

القزازى والبديرى وعروسة البرج.. أشهر أنواع الحمام البرى

هناك عدة أنواع للحمام البرى، مثل الورقاء، والحمام الجبلى العربى والباهت والمصرى، وتنتشر هذه الأنواع بين الوادى، والدلتا، ووادى النطرون، وسيناء، ومطروح والواحات، وهو ذو ألوان متعددة، فمنه "القزازي" وهو رمادى اللون مع خطين أسودين على طرفى الجناح، و"الأزرق المفصص" ويشبه القزازى إلا أن جسمه كله منقط بريشات سوداء، و"البديرى" ولونه بُنى فاتح، ويميل هذا اللون إلى البُنى الغامق عند الذيل، وهناك "عروسة البرج" وهى بيضاء تنتشر على جسمها ريشات سوداء أو بنية.  

حمام البر يعشق الهدوء ويتنفس الحرية.. يهاجر فى الضوضاء ولا يضع البيض فى الأسر

والحمام البرى صغير الحجم، ليس من السهل استئناسه؛ لتغلب الصفة البرية عليه، وهو ينفر من الضوضاء؛ ولذلك تقام الأبراج عادة فى أماكن هادئة، فإن ازدحمت وضاق المكان به مال إلى الهجرة لمكان آخر، ولذلك تبنى أبراج الحمام إلى جوار الأبراج التى ازدحمت فيهاجر إليها وتعمر بها. 

ولا يفرخ هذا الحمام البرى إلا إذا كان حرًا طليقًا، فإن حُبس لا يضع البيض إطلاقًا، ويبدأ موسم التفريخ من الربيع حتى الخريف، وتبلغ مدة الحضانة حتى الفقس 17 أو 18 يومًا، وتعقب ذلك فترة راحة وسكون وقت الشتاء، حيث "يقلش" الريش أى "يتغير"، فتتجه الدورة الدموية للحمام إلى تكوين ردائه الجديد من الريش أكثر مما تتجه لوضع البيض. 

ويترك الحمام يترك أبراجه مرة فى الصباح الباكر وأخرى فى منتصف النهار، فيطير بعيدًا وينتشر بين الزراعات، ليلتقط بذور الحشائش أو النباتات المتطفلة التى تضر الزرع، فيؤدى بذلك خدمة كبيرة للفلاحين.

ومن فوائد اقتناء حمام الأبراج البرى فضلاً عن منظره الجمالى، الحصول على فراخه "الزغاليل" أو "الزرق" ، ويعتبر لحم الحمام من ألذ لحوم الطيور أكلاً وأسهلها هضمًا، كما تؤمن مصدر دخل كبير لأسر الفلاحين، فبإمكانه بيع الزغاليل أو فضلات الحمام "الزرق" كسماد. 

ولكن يراعى فى قطف "جمع" زغاليل البرج ألا تؤخذ دفعة واحدة؛ مما يتسبب فى انزعاج الحمام وهجرته من البرج، فلا يؤخذ من الزغاليل إلا ما يسقط على أرضية البرج، أو ينتهز صاحب البرج فرصة خروج الحمام وقت طيرانه بحثًا عن الطعام، فيأخذ من كل عش فرخًا "زغلول" ويترك الآخر. 

زرق الحمام عنصر سمادى لا تستغنى عنه التربة

أما زرق الحمام فتعتبر موردًا سماديًا مفيدًا للتربة بديلاً عن الأسمدة اليماوية الضارة، حيث تسمد به سائر أنواع محاصيل الخضر والفاكهة والنخيل، ونباتات الزينة، ويُباع بثمن مرتفع.