"جاءت مصر ثم جاء التاريخ".. إنها حقيقة تاريخية ثابتة لا جدال فيها.. وإذا تصفحنا دفتر أمجاد الوطن سنجده زاخرًا بصفحات المجد والانتصار التي فرضت ذاتها على جبين التاريخ، فيها انتفض أبناء مصر فحطموا قيود الاحتلال، وأعلوا راية مصر فوق كل الرايات، تغلبوا على كافة التحديات وتحققت على أيديهم المعجزات، وخلص وجه الوطن حُرًا عزيزًا مُتطلعًا لمستقبل مشرق، لا صوت يعلو فيه فوق صوت المصريين وهم يهتفون "الله أكبر وتحيا مصر".
وإذ تحتفل مصر بالذكرى الحادية والخمسين لحرب أكتوبر المجيدة، الذي يمثل أعظم انتصار لمصر وجيشها الباسل وشعبها العظيم على امتداد العصور والأزمان، فإن "بوابة الأهرام" في إيمان منها بأهمية هذا الانتصار العظيم وضرورة ترسيخه في أجيال الشباب، فإنها توثق لحرب العزة والكرامة من خلال أرشيف صحيفة "الأهرام" في معايشة يومية، ننتقل فيها بين قرارات العبور وتضحيات الجنود، نرصد ما أحدثته الحرب من تغييرات شاملة على خارطة السياسة العالمية، وكيف استطاعت قواتنا المسلحة الباسلة بتحطيم أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر".
في صباح يوم الثامن من أكتوبر، تصدرت خسائر العدو في ملحمة العبور المانشيت الرئيسي لـ"الأهرام" فجاء بعنوان:
تل أبيب: سير القتال في اليوم الثاني "حرج للغاية بالنسبة لإسرائيل"
وتلا هذا المانشيت مجموعة من العناوين الرئيسية تكشف موقف القوات وردات الفعل الدولية:
ـ الرئيس الأمريكي نيكسون يقطع أجازته ويطلب اجتماع مجلس الأمن فورا ليقرر وقف القتال
ـ خسائر العدو أمس على الجبهة المصرية: 30 طائرة و32 دبابة وعدد كبير من مدرعاته
ـ القوات السورية تتقدم على 3 خطوط في المرتفعات السورية برغم الهجمات المضادة المكثفة
وعرضت "الأهرام" في صفحتها الأولى تقرير وكالة "اليونايتيد برس" الأمريكية لنتائج العمليات والتي ذُكرت فيه تدمير محاولتين قام بهما العدو للتصدي للقوات المتقدمة شرقي القناة، وخسارة العدو 30 طائرة و32 دبابة وعددًا كبيرًا من المدرعات، واستولت قواتنا على عدد من الدبابات الإسرائيلية، وتقدمت قواتنا المصرية داخل سيناء بعد أن تمكنت خلال معاركها البالغة العنف من تعزيز مواقعها على طول الشاطئ الشرقي للقناة، وتمكنت من تشتيت هجوم مدرع مضاد للعدو.
واستسلم عدد من جنود العدو بدباباتهم ومدرعاتهم لقواتنا، علاوة على الأسرى الذين سقطوا في أيدي القوات المصرية، وأعلن "شموئيل جونين" القائد الإسرائيلي للجبهة الجنوبية في حديث على راديو الجيش الإسرائيلي:"أن المعارك في شرق القناة قاسية جدًا بسبب حشود المدفعية المصرية الضخمة بالقرب من منطقة المواجهة".
وفي شمال سيناء استطاعت قوات المظليين المصريين تدعمها الطائرات المقاتلة المصرية في وقف تقدم قطع الأسطول للعدو، ومنع الإمدادات الإسرائيلية المتجهة من قلب سيناء صوب قناة السويس، كما قامت المقاتلات القاذفة المصرية بضربة جوية للقطاعين الأوسط والشمالي من سيناء، وأدت إلى إصابات بالغة العدد من مواقع العدو وبطاريات مدفعيته ووسائل دفاعه الجوي.
شهدت ميادين القتال مع العدو في جنوب سيناء والجبهة الشمالية معارك ضارية بالدبابات في صراع عنيف واشتركت فيه مئات من الدبابات والعربات المدرعة وقطع المدفعية الثقيلة، وقد وصف هذه المعارك بأنها أعنف المعارك منذ الحرب العالمية الثانية، وخسر العدو 24 فانتوم وسكاى هوك، و36 دبابة وعددًا من المدرعات، واستسلام 45 أسيرًا من القوات البرية وعدد من الطيارين.
حققت القوات المسلحة المصرية من القتال البطولي في جبهة سيناء، وخاض فيه الرجال بصلابة عدة معارك طاحنة مع العدو، وكسروا فيها موجات متتالية من الهجوم المضاد الذي قام به العدو ودفع فيه بمجموعة من ألويته المدرعة في محاولات مستميتة لوقف زحف جنود مصر.
وحرصت "الأهرام" على نقل صورة دقيقة للأوضاع على الجبهة السورية حيث توغلت قوات الجيش السوري مدفوعة بالدبابات قرابة 15 كيلو متر على طول خطوط المواجهة، وأن الطائرات السورية نفذت ضرباتها عند قرية مجدل التي تبعد 68 ميلا عن تل أبيب، وقد نجحت قوات الدفاع الجوي السوري في إسقاط 43 طائرة للعدو.
ونشرت "الأهرام" صورًا للدبابات والآليات العسكرية المصرية وهي تعبر الجسور إلى الضفة الشرقية من القناة حيث سيناء، فضلاُ عن صور الجنود المصريين وهم يرفعون علم مصر فوق إحدى نقاط خط بارليف الذي تم نسفه للأبد.
وكان للخسائر الإسرائيلية نصيبها الوافر من مساحة الصفحة الأولى، حيث نجد العناوين التالية:
ـ قوافل من طائرات الهليكوبتر تنقل جرحى العدو وقتلاه إلى مستشفيات بير سبع وحيفا وتل أبيب والقدس
ـ تعبئة الحاخامات في إسرائيل لدفن القتلى في جبهات القتال
جاء ذلك في الوقت الذي اجتمعت فيه الوزارة الإسرائيلية للمرة الثالثة خلال 24 ساعة لمتابعة مستجدات الموقف العسكري، واستمعت لتقرير رئيس الأركان الجنرال دافيد أليعازر، وتقرير من رئيسة الحكومة جولدا مائير.
وتحت عنوان "الزيات: الانسحاب شرط مصر لوقف إطلاق النار"، حيث ظهر وزير الخارجية المصري الدكتور محمد حسن الزيات في مقابلة مع التليفزيون الأمريكي، حيث شدد أن الانسحاب من سيناء هو شرط مصر لقبول وقف إطلاق النار.
وأبرزت "الأهرام" الدعم العربي لمصر وسوريا، فتحت عنوان "ليبيا تمول المعركة بالمال والبترول"، أكد الرئيس الليبي معمر القذافي خلال إلقاءه كلمة بمناسبة الذكرى الثالثة لجلاء القوات الإيطالية عن بلاده أن ليبيا ستمول الحرب التي تخوضها مصر وسوريا بالمال والبترول، وفي خبر آخر أبرزت الأهرام "قوات جزائرية وصلت إلى القاهرة"، حيث وصلت القاهرة طلائع القوات الجوية الجزائرية للاشتراك في القتال مع القوات المصرية؛ تنفيذا لقرار مجلس الثورة الجزائري.
ولازلنا في الصفحة الأولى من عدد "الأهرام" الصادر صباح يوم 8 أكتوبر عام 1973م، حيث تم تسليط الضوء على الجهود الدبلوماسية وردات الفعل الدولية، حيث التقى الرئيس السادات بسفراء دول كل من بريطانيا، وفرنسا، وإيران والأردن، كما التقى للمرة الثالثة بالسفير السوفييتي فلاديمير فينوجرادف لتسليه رسائل من ليونيد بريجينيف السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفييتي.
أما الولايات المتحدة فدعت لاجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي بدعوة أطلقها الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون لبحث تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط في محاولة لاستصدار قرار بوقف إطلاق النار، يأتي هذا في الوقت التي أصدرت فيه الحكومة السوفيتية بيانًا تقول فيه إن على تل أبيب أن تتحمل نتائج حماقتها؛ نتيجة عدوانها المتكرر على الدول العربية، وأن الحكومة تدين السياسة الإسرائيلية التوسعية، مطالبة إياها بالجلاء عن الأراضي العربية التي احتلتها في الخامس من يونيو عام 1967م.
وفي الصفحة الثالثة من عدد "الأهرام" الصادر يوم 8 أكتوبر 1973م، عرضت الصحيفة ردود الفعل في عواصم العالم، التي تباينت ما بين الترحيب والتحفظ والدعوة لوقف إطلاق النار، كما طافت "الأهرام" في جولة بين كبريات صحف العالم مثل "الديلي نيوز" و"صنداي تايمز" البريطانيتين، و"النيويورك تايمز" الأمريكية، حيث اتفقت هذه الصحف على صلابة المقاتل المصري، وأن عملية العبور لم تكن منتظرة، وأم ما حدث ليس مجرد معركة بل حرب ستغير واقع الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.
خلال ذلك تعرض مقر الوفد المصري في الأمم المتحدة بنيويورك لهجوم من الرابطة اليهودية هناك، حيث رشقوا مقر الوفد بالحجارة، بحسب ما صرح به الدكتور عصمت عبد المجيد، مندوبنا الدائم في الأمم المتحدة.
وفي الجانب الأيسر من الصفحة الثالثة، نشرت "الأهرام" صور للجنود المصريين بينما يواصلون العبور إلى الضفة الشرقية من قناة السويس، كما واصلت تحليل الأوضاع في الجبهتين المصرية والسورية، ونشر البيانات العسكرية الصادرة من القوات المسلحة المصرية والسورية، وأوضحت "الأهرام" أن العدو فشل للمرة الثانية في إعادة تمركزه مرة أخرى على الجانب الشرقي من القناة، فيما ظل لليوم الثاني على التوالي في نقل خسائره، مع تسليط دور الأسطول المصري في قصف الساحل الشمالي من سيناء، مكبدًا العدو خسائر فادحة.
في الصفحة الخامسة تصدرت صور الرئيس السادات بينما يلتقي سفراء دول بريطانيا وفرنسا وإيران، وإلى جانبها كاريكتير بأقصى يسار الصفحة للفنان صلاح جاهين، مصورًا وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر بينما يطلب السلام من وزير الخارجية المصري محمد حسن الزيات مختبًا وراء مبنى الأمم المتحدة.
وفي ذات الصفحة نجد مجموعة من المقالات والتقارير كتبها كبار كتاب الأهرام، فتحت عنوان "قواتنا تحرز المبادأة على العدو" كتب المراسل الحربي للأهرام الأستاذ عبده مباشر أن عنصر المفاجأة التي أتبعته قواتنا قد زلزل العدو وكان سببًا في إحراز النصر، وكتب الكاتب الكبير محمد سيد أحمد تقريرًا بعنوان "إطلاق العملاق من القمقم" مؤكدًا أن جنود البواسل قد حطموا للأبد أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وكتب الكاتب الكبير جميل مطر مقالاً بعنوان "أساطير تتزعزع" ، وكتب الكاتب محمد عبد المنعم مقالاً بعنوان"معركة نخوضها بشرف".
وأبرزت "الأهرام" دور المقاومة خلف خطوط الجولان ووادي الأردن، حيث أذاع راديو إسرائيل أن فصائل المقاومة هاجمت عدة مواقع إسرائيلية ، خاصة في مؤخرة القوات الإسرائيلية المشتبكة مع الجيش السوري في الجولان.
وفي الصفحة، وتحت عنوان "وقف ضخ البترول منظمة التحرير تدعو إليه" نجد أول مطالبة من منظمة التحرير الفلسطينية باستخدام سلاح البترول ووقف ضخه للدول الداعمة لإسرائيل.
وفي إطار العمل العربي المشترك لخدمة المعركة، تسلم الرئيس السادات برقية من السيد محمود رياض، الأمين العام لجامعة الدول العربية أبلغه فيه أن قد سلم الرسالة التي بعث بها السادات لكافة الدول العربية، وفي برواز آخر نطالع هذا العنوان:
قرارات الدول العربية بوضع إمكانياتها تحت تصرف مصر وسوريا
وفي الصفحة الأخيرة من "الأهرام" نُشرت صور الجنود بينما يرفعون علم مصر على الضفة الشرقية من القناة، وذلك تحت عنوان "ساعة رفع العلم المصري في سيناء"، ولا شك أنها صورة مُحببة تطلعت إليها عيون كل المصريين لتكتحل بها طيلة 6 سنوات، فيما نُشرت الصور الأولي للجنود الإسرائيليين الأسرى الذين أُسروا عقب الاستيلاء على خط بارليف.
وفي الغد نطالع صفحة جديدة من صفحات المجد والانتصار ...
الصفحة الأولى من الأهرام يوم 8 أكتوبر 1973 الصفحة الثالثة من الأهرام يوم 8 أكتوبر 1973 الصفحة الخامسة من الأهرام يوم 8 أكتوبر 1973 الصفحة الخامسة من الأهرام يوم 8 أكتوبر 1973