اختلف المؤرخون فى تحديد أقدم حضارة على وجه الأرض عرفها الإنسان، وبدأ منها مرحلة التدوين وكتابة التاريخ، بعدما عاش الإنسان الأول حياة بدائية لم يكن فيها أى من وسائل الحياة التالية سواء مع بداية الحضارات أو عصر التكنولوجيا.
موضوعات مقترحة
بدوره يقول الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار لـ"بوابة الأهرام"، إن الحضارة في اللغة تعنى الإقامة فى الحضر، وهى بذلك عكس البداوة، أما فى الاصطلاح فإن الحضارة هى مجموعة المظاهر المختلفة فى مجتمع ما، أو فى مجتمعات متشابهة، وتشمل هذه المظاهر الفنون، والآداب، والعلوم، وحتى المظاهر الاجتماعية، لكن الجدل لا يزال دائرًا حول أول وأقدم حضارة على الإطلاق، وهو أمر مختلف عليه حتى الآن، وإن كانت أغلب الاعتقادات تذهب إلى أنها الحضارة المصرية القديمة أو الحضارة العراقية.
ويعتقد عدد من الباحثين اليمنين أن حضارة اليمن هى أقدم حضارة على وجه الأرض، وهى أقدم من الحضارة الفرعونية والبابلية وغيرها من الحضارات التي تعتبر امتدادًا لحضارات اليمن القديم، ومن أقوال بعض المستشرقين عن الحضارة اليمنية:"إن اليمن سابقة في تمدنها على مصر وبابل، واأنها البلاد التي هاجر منها إلى مصر الفراعنة العظام، وحملوا معهم العلم والحكمة والزراعة، ومنها كان على الراجح أسلاف البابليين والآشوريين، الذين حملوا في هجرتهم إلى تلك البلاد ما حملوا إلى مصر من العلم والصناعة".
ويضيف شاكر، أن ما نراه اليوم من صراع وُضعت جذوره فى كل مناحي الحياة فى عالمنا وحتى فى الدراسات الحضارية، حيث بدأ علم المصريات والأشوريات الأجانب وصارت له معاهده وأقسامه، ونلاحظ وجود تنافس بين الكتاب عن الحضارتين الأقدم/ الأنضج ... إلخ، وفيه إجماع بين المحللين إن التنافس سببه العلماء الذين اتخصصوا في كل حضارة منهم، وكل فريق يحاول تحديد أهم وأقدم حضارة في العالم القديم.
أساطير الحضارات
تتحدث أساطير "سومر" القديمة عن أصلهم باعتبار إنهم كانوا يعيشون في (العالم السُفلي)، ونتيجة لصراع بين الآلهة خرجوا للنور وعاشوا على ظهر الأرض، بينما تذهب أساطير "مصر" القديمة إبأن الأرباب كانوا يعيشون على الأرض، وقد خلق "رع" البشر من دموعه، فيما تزعم البعض أن "خنوم" خلقهم من صلصال أسوان على عجلة الفخار، أو "مين" خلقهم من منيه، وإن كل الخلق خرج من مياه الأزل العميقة "نون".
في الأساطير السومرية ظلت بعض الآلهة في العالم السفلي، فيما صعد بعضهم للسماء، وتذهب أساطير مصر القديمة أن "رع" بعدما غضب من البشر، ركب البقرة السماوية "نوت" وصعد للسماء وأخذ معاه الأرباب، وترك البشر في رعاية حفيده "حورس".
جلجامش
وتوضح أسطورة "جلجامش" حادثة خطيرة مثل الطوفان التوراتي عبارة عن فيضان نهري مدمر، بينما تزعم أسطورة "هلاك البشرية المصرية" أن "رع" بعدما غضب من البشر أمر ابنته اللبؤة "سخمت" بتدمير البشر، وبعدها حن قلبه وتركهم يعمرون الأرض.
وفي الأساطير السومرية فإن الأرض عبارة عن أنثى لقحها ذكر سماوي، بينما تدعي الأساطير المصرية أن الذكر "جب" الذي يمثل الأرض عانق السماء الأنثى "نوت".
وظهر التقويم النجمي (السنوي) الدقيق في مصر إعتبارًا من سنة 4241 ق.م –ع الأقل- وحتى كلمة "سنة" موجودة بمعناها ولفظها في أسطورة "خلق السنة" المصرية، أما التقويم في "سومر" فأقدم وثائقه عمرها بين 2000 : 1817 ق.م، وتعريف السنة فيها مختلط مع تعريف الشهر، حتى بلفظ "سار" وهى أصل كلمة "شهر" باعتبار الحضارة السومرية حضارة قمرية، بينما الحضارة المصرية هي حضارة شمسية.
ويضيف مجدي شاكر، أن أقدم وثيقة حجرية بقائمة ملوك سومر هي الموجودة في متحف أشموليان – أكسفورد، وعمرها بين (2000 : 1817) ق.م، بينما قائمة الملوك المنقوشة على حجر باليرمو من عصر الأسرة الخامسة، وبالتحديد الملك "نفر-إر-كا-رع" سنة 2446 ق.م.، مضيفًا أن الخلاف بين تاريخ بداية الكتابة في الحضارتين ليس محسوم، رغم إن الآثار التى تثبت وجود الكتابة الصورية الصامتة في مصر من عصر البداري (5500 ق.م) ونقادة الأولى (4400 ق.م) على الأقل، إنما العلماء الأجانب يصممون إن المسمارية السومرية (3300 ق.م) هي الأسبق.
أما بشأن سبب نشوء الحضارة في "سومر" في المرجح عبارة عن هجرات شمالية استوطنت بلاد الرافدين، بينما تلخص نظرية "الكنانة" سبب وكيفية نشوء الحضارة على ضفاف النيل في حماية جبال وصحراء الوادي لأسباب منطقية وموضوعية ساهمت في رعاية النبتة الحضارية الأولى حتى اشتد عودها وتوزعت في الأرض.
ويوضح شاكر، أن هناك سؤال يطرح نفسه ويشغل الأثريين والمؤرخين، هل بدأت الزراعة فى مصر قبل سومر أو العكس؟، ولكن المؤكد أن الاستقرار فى كلا الوديان كان دافعًا لتعلم الزراعة والحساب والفلك، لكن الحقيقة تثبت أن هناك تكامل وصراع سيطر فيه أحيانًا المصريون حتى وصلوا للنهر المعكوس فى الدولة الحديثة في عهد تحتمس الثالث، وسجلوا ذلك فى لوحات، وأحيانا سيطر العراقيون أشور ببابل على مصر، وهذا هو التاريخ ولكن تظل الحضارة المصرية والعراقية هما الأقدم والأكثر تأثيرًا فى تاريخ البشرية فى كل المجالات؛ لأنهما مهدا للحضارات والديانات ، ولم يستطيع العلماء حتى الآن الجزم أيهم الأقدم والأسبق والأكثر تطورا؟، وإن كان يُحسب أن كم الأثار المصرية الأكثر لتوفر مادة الحجر بكل أنواعه عكس الحضارة العراقية كانت فى الغالب طينية، وبالتالى فإن توفر الحجر وجفاف البيئة ساهما فى الحفاظ على الآثار المصرية.