في نفس اليوم منذ واحدٍ وخمسين عامًا، وفي السادس من أكتوبر المجيد عام ١٩٧٣م، استطاع الجيش المصري أن يستعيد الكرامة والأرض، ويكسر شوكة الكيان الصهيوني المحتل؛ بعبور قناة السويس وخط بارليف المنيع، وعلى الرغم من أنني والملايين من أبناء جيلي والأجيال المتعاقبة، لم نكن من الذين عاصروا حرب أكتوبر المجيدة، إلا أننا نحاول استحضار روح النصر، وتصور المعركة كأنها أمامنا نراها رؤيا العين، وذلك للشعور بالفخر والاعتزاز.
ومما زادني في ذلك ما رأيته الأيام الماضية خلال حفل تخرج طلاب كلية الشرطة، وكذلك ما شهدته سماء وأرض العاصمة الإدارية الجديدة أثناء تخرج طلاب الأكاديمية والكليات العسكرية من أداء عسكري رائع يشيب له الولدان وتقشعر له الأبدان، ويبعث الروح على التفاؤل، أنه ما زال لهذا البلد الحصين درع وسيف.. ومما يؤكد أن هؤلاء الأبطال أحفاد أسود حرب أكتوبر.
إن احتفالات النصر هذه الأيام تختلف عن سابقتها؛ لأنها تأتي في ظل متغيرات كثيرة، وتحديات جسام تمر بها المنطقة والدولة المصرية، وهذا ما أكده الرئيس السيسي خلال حفل تخرج طلاب الأكاديمية والكليات العسكرية؛ مما يؤكد أن العبور ما زال مستمرًا بالوطن؛ لمواجهة تلك التحديات برؤية مختلفة ودقيقة، وأن الحرب لم تصل إلى نهايتها بعد، حتى نستريح استراحة المحارب؛ حيث قال الرئيس "احتفال القوات المسلحة المصرية، هذا العام، بذكرى نصر أكتوبر المجيد، يأتي في ظرف بالغ الدقة في تاريخ منطقتنا، التي تموج بأحداث دامية متصاعدة، تعصف بمقدرات شعوبها، وتهـدد أمن وسلامة بلدانها".
مما لاشك فيه أن نجاح انتصار أكتوبر كان بسبب عبقرية الجندي المصري، والتخطيط الجيد للحرب، وللحفاظ على ذلك النصر وقوة الجيش المصري، حرص الرئيس السيسي على رفع قدرات الجيش المصري وتزويده بأحدث الأسلحة، مع تنوعها حتى يظل الانتصار خالدًا..
وسلاحنا صاحي على أهبة الاستعداد، وهذا ما أكده أيضًا الرئيس السيسي، خلال حفل تخرج طلاب الأكاديمية والكليات العسكرية، قائلًا: "هذا التصعيد الإقليمي يأتي وسط أجواء من الترقب على المستوى الدولي، تذكرنا بما حققه المصريون -بالتماسك وتحمل الصعاب- من أجل بناء قواتنا المسلحة، للحفاظ على سلامة هذا الوطن الغالي، وتبديد أي أوهام لدى أي طرف".
وكأن انتصار أكتوبر العظيم ينادي المصريين الآن، ويستدعي روح الوطنية بداخلهم في ظل الحملات الشرسة التي تتعرض لها مصرنا الحبيبة من بث سموم اليأس أو الإحباط بين أفرادها وشعبها، ولكن رسائلنا واضحة ومباشرة، من يقترب من حدود وتراب هذا الوطن المقدس سيواجه رجالاً بواسل على أهبة الاستعداد، حاملين أرواحهم على أكفهم، جاهزين لكل من تُسول له نفسه الاقتراب من تراب هذا الوطن.
إن نصر أكتوبر لم يأتِ من فراغ، ولكن جاء جراء عمل جاد وشاق دائم، لذا علينا استعادة تلك الروح المتمثلة في التحدي والوطنية والنصر؛ لمجابهة تلك الأزمات والمتغيرات.
إن المصريين بعد الهزيمة وقبل النصر، كان لديهم إيمان راسخ بضرورة استرداد الأرض والكرامة، غير مبالين بالموت، ونسوا الدنيا ولذاتها، ولم يعد أمامهم سوى النصر أو الشهادة.
وفي ظل هذه الظروف المحيطة، نرى -بلا شك- أن هناك من يحاول أن يزعزع أمن وأمان مصر بعودتها للخلف مرة أخري ومحاولة فقدنا الثقة في أنفسنا، وقتل الانتماء بداخلنا، ولكننا قادرون على مجابهة ذلك واستعادة روح النصر.
إن حرب أكتوبر المجيدة غيرت مجرى التاريخ، وليس أدل على ذلك ما كتبته صحيفة "التليجراف" البريطانية صباح يوم النصر السابع من أكتوبر عام ١٩٧٣، "عندما عبر الجيش المصري قناة السويس وخط بارليف.. نعم لقد حول النصر مجرى التاريخ لكل من مصر وعموم الشرق الأوسط"، وأيضًا ما قاله أديبنا الكبير توفيق الحكيم -رحمه الله- صباح يوم النصر في "جريدة الأهرام" عن حقيقة الانتصار العظيم قائلا: "عبرنا الهزيمة".
السؤال الأهم الآن هل ما زالت روح أكتوبر حاضرة بين المصريين؟
الإجابة هنا لا تحتاج إلى كلمات رنانة ومصطلحات مزخرفة، بقدر ما تحتاج لأفعال تبرهن على ذلك، خاصة أن ما نواجهه الآن لا يقل عما شهدته مصر في حرب أكتوبر، وهذا هو الاحتفال الحقيقي بالنصر العظيم.
نحن الآن أحوج ما نكون إلى الاصطفاف الوطني للحفاظ على أرضنا، في ظل مؤامرات تحاك وأطماع خارجية، لا تقل عما عاشه المصريون خلال حرب أكتوبر عام ١٩٧٣، خاصة في ظل اختلال المنطقة والتوسع الإسرائيلي.
إننا يجب علينا أن نحافظ على ما حققه أجدادنا من الشهداء والأبطال الذين ضحوا بأنفسهم وصعدت أرواحهم إلى ربهم راضية مرضية لإخلاصهم النية والعمل، فكان جزاؤهم الجنان كما وعدهم الرحمن.
إن ما قالته "جولدا مائير" عن حرب أكتوبر المجيدة في كتابها، والذي يحمل عنوان "حياتي" يؤكد أن حرب أكتوبر مازالت كابوسا للإسرائيليين حتى الآن؛ حيث قالت: "إنني أكتب عن هذه الحرب باعتبارها كابوسًا وكارثة، فلقد تعرضت أنا شخصيًا لمآسيها التي سوف تلاحقني حتى آخر العمر".
إن ما تمارسه إسرائيل من حرب وقتل وإبادة وبلطجة ليس جديدًا، ولكن نهايتها حددها "إبراهام بورج" الرئيس الأسبق للكنيست الإسرائيلي لـ"صحيفة الجارديان" البريطانية بتاريخ ١٥ سبتمبر عام ٢٠٠٣م عندما قال: "إسرائيل اليوم تقوم على بناء من الفساد مؤسس على الجور والظلم، وبلد تنتفي فيه العدالة ويحيا على القسوة مآله الانهيار".
وبمناسبة ذلك النصر العظيم، أناشد الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية -لما لها من باع كبير في إنتاج الدراما والسينما، وكذلك كافة الجهات المعنية- بالقيام على إنتاج عمل سينمائي ضخم يؤرخ لهذا النصر العظيم؛ لأن هناك أجيالًا كاملة تريد أن تعرف المزيد عن حرب العزة والكرامة والنصر حرب أكتوبر المجيدة، والتي تمت بمشاركة القوات المسلحة والشعب جنبًا إلى جنب، وحتى تستلهم هذه الأجيال من التضحيات ودروس التفاني من أجل الوطن ورفعته.
إن هذه الحرب الغالية ستظل محفورة في ذاكرة المصريين يتوارثها جيل بعد جيل، يروون لحظات الفرح التي عاشها الجنود المصريون على الجبهة وقت العبور العظيم؛ حيث ضحوا بالغالي والثمين من أجل تحرير الأرض، وعودة كرامة وطنهم الحبيب مصر، فحققوا أعظم انتصار سجله التاريخ، وظهر علم مصر عاليًا خفاقًا مرفرفًا فوق سيناء أرض الفيروز ومهبط الأنبياء !!
فتحية وسلاماً لأرواح شهدائنا الأبطال ورجالنا البواسل، وتحية وسلامًا لروح الرئيس الراحل المؤمن محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام، ولأرواح قادة القوات المسلحة، وكل من شارك وخطط لهذا النصر العظيم.
إن هؤلاء الأبطال الذين سالت دماؤهم الزكية على أرض سيناء سنظل نذكرهم، فكما هم أحياء عند ربهم فهم أحياء في ذاكرة الجميع دائمًا لا يموتون ولا يغيبون، فهؤلاء هم الأبطال حقًا البواسل صدقًا.. (بطل مضى للهِ ناصِعَ سِيرة.. تتحدّثُ الأيامُ عن عَزَماته.. ما ماتَ مَن تسمو بهِ أوطانُهُ.. إنَّ الشهيدَ حَياتُهُ بِمَماتِهِ).
عاشت مصر حرة عزيزة أبية بشعبها الأصيل وهوائها النقي الجميل.. عاشت مصر بأرضها وسمائها وبحرها وجوها بنيلها وهرمها بأزهرها وكنائسها بجبالها وشموخها بجيشها العظيم وشرطتها ومؤسساتها الصامدة وقيادتها الحكيمة... عاشت مصر تبني الحضارة قديمًا وحديثًا، وتعلم الشعوب معنى الإنسانية والمحبة والعدل والبطولة والكرامة والفداء، وشعارنا كلنا نحن على قلب رجل واحد ونقول للعالم أجمع.. نموت لتحيا مصر.