5-10-2024 | 15:19

تظل ذكرى نصر أكتوبر المجيدة أهم وأجمل ذكرى للمصريين والعرب..

ومهما مرَّ عليها من زمن طال أو قصر، تزداد الذكري جمالاً كالعطر النفيس الفواح يزيده مَرُّ الأيام فواحًا وقوة. انتصارٌ عزيز على النفوس جميعها، إنه يومَ طردِنا لعدونا ذليلًا خانعًا يجرُّ أذيال الخيبة والندامة. 

إنه شهر أكتوبر الذي تحوَّل بعد الطوفان إلى شهر الرعب لإسرائيل، وما تزال ذكراه نذير شؤم عليها، يذكِّرها مِرارًا بأنها كيان طفيلي لن يلبث أن يتلاشى.

أيام العزة
يا لحسرة جولدا مائير وموشي دايان، بعدما حدث فأورثهم الحسرة والحزن الطويل..

لم تكن حرباً سهلة، ولا الإعداد لها. هذا الذي استمر شهورًا وسنوات من حروب استنزاف أرهقت العدو الغاشم. لقد استمرت حرب الاستنزاف ثلاث سنوات ونصف، وتضمنت ثلاث مراحل رئيسية هي مرحلة الصمود، ثم مرحلة المواجهة والدفاع، وأخيرًا مرحلة الردع والحسم. 

استطاعت مصر أثناءها استكمال بناء منظومة الدفاع الجوي المصري، وتحريك حائط صواريخ الدفاع الجوي إلى قرب حافة الضفة الغربية من القناة، وتنفيذ عدة عمليات لعبور الشاطئ الشرقي للقناة داخل عمق سيناء، كما أعادت بناء قواتها الجوية، وأعادت تنظيم وتدريب القوات المسلحة. خلال عمليات تلك الفترة استشهد الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة؛ وهو على الخطوط الأمامية للجبهة، ولم يذهب استشهاده سدى، بل كان مقدمة لانتصار عظيم جاء لتتويج جهود مئات ممن دفعوا حياتهم وبذلوا دماءهم رخيصة فداء بقاء وطنهم عزيزًا كريمًا رافعًا قامته وهامته بين الأمم.

في يوليو عام 1972 طلب الرئيس محمد أنور السادات سحب المستشارين العسكريين السوفيت من مصر، وقرر أن الحرب ستجري بما هو متوافر من سلاح ومعدات.

وفي أكتوبر من نفس العام بدأ اللواء عبدالغني الجمسي رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة في التشاور مع القادة لتحديد التوقيت المناسب للهجوم واستعادة الأرض، واستقرت المشاورات على يوم السبت 6 أكتوبر عام 1973م. 

وبقي هذا الموعد سريًا لا يعلمه إلا عدد لا يزيد على أصابع اليد الواحدة.

وهنا جاء الدور على إعداد خطة الخداع الإستراتيجي التي أصبحت لاحقًا جزءًا من مناهج التدريب والتدريس لدى العسكريين، لا في مصر وحدها بل في مختلف جيوش العالم..

اشتملت الخطة على ستة محاور رئيسية: إجراءات تتعلق بالجبهة الداخلية، وإجراءات تتعلق بنقل المعدات للجبهة، ثم خطوات خداع ميدانية، وإجراءات خداع سيادية، وخطوات تأمين تحركات واستعدادات القوات المسلحة، ثم الأهم وهو توفير المعلومات السرية عن القوات الإسرائيلية وتضليلها بمعلومات خداعية مغلوطة، وقد تمكنت المخابرات بفرقها وأفرادها من تنفيذ الخطة بمنتهى البراعة والتكتم، حتى حانت ساعة الصفر.

المشهد العبقري
كان مشهد رفع العلم المصري فوق سيناء مشهدًا تلقائيًا حمل من دلالات العبقرية والشجاعة ما تُكتب في وصفه عدة كتب، وتضيق به المقالات؛ فقد كان علينا كي ننفذ هذا المشهد الموحي أن نعبر المانع المستحيل؛ "خط بارليف" ولم تكن المهمة بسيطة أو يسيرة التنفيذ؛ بل سبقتها عمليات بحث وابتكار من مهندسي القوات المسلحة، ثم اختبارات فاعلية دامت شهورًا، بعيدًا عن أعين العدو الذي نشر عيونه في كل مكان..

كما كان علينا أن نتخطى عقبة أنابيب النابالم؛ تلك التي مدَّها العدو بطول القناة لتشعل به سطح القناة إذا فكرنا في عبورها، وكان علينا أن نسد فتحات تلك الأنابيب جميعها بمادة سريعة التصلب. لتدعيم قوات المشاة والمدفعية الذين سيعبرون الضفة. 

ثم هناك مشكلة الجسور، والتي تغلبنا عليها باقتدار؛ كل هذا كان خطوة تالية لخطوة أهم، هي الضربة الجوية التي كانت أول وأهم خطوة؛ إذ نفذت 220 طائرة حربية مصرية ضربة جوية على الأهداف الإسرائيلية شرقي القناة (كان أقصى عمقٍ ممكنٍ للطائرات المصرية خط المضائق في منتصف سيناء، وعليه غطت الضربة الجوية النصف الغربي من سيناء عدا هجوم واحد قصف مطارًا جنوب العريش). 

عبرت الطائرات على ارتفاعاتٍ منخفضةٍ للغاية (حوالي 30 م) لتفادي الرادارات الإسرائيلية، وقد استهدفت المطارات ومراكز القيادة ومحطات الرادار والإعاقة الإلكترونية وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصافي النفط ومخازن الذخيرة.

وبعد عبور الطائرات المصرية بخمس دقائقَ بدأتِ المدفعية المصرية قصف التحصينات والأهداف الإسرائيلية الواقعة شرق القناة بشكلٍ مكثفٍ تحضيرًا لعبور المشاة، فيما تسللت عناصر سلاح المهندسين والصاعقة إلى الشاطئ الشرقي للقناة لإغلاق الأنابيب التي تنقل السائل المشتعل إلى سطح المياه، ثم جاءت لحظة العبور المهيبة.. إذ قام ألفا ضابط وثلاثون ألف جندي من فرق المشاة بعبور القناة، واحتفظوا بخمسة رؤوس جسورٍ واستمر سلاح المهندسين في فتح الثغرات في الساتر الترابي لإتمام مرور الدبابات والمركبات البرية، بالإضافة إلى لواء برمائيٍّ؛ مكونٍ من عشرين دبابةٍ برمائيةٍ، وثمانين مركبةٍ برمائيةٍ، جاء عبر البحيرات المرة في قطاع الجيش الثالث، وبدأ يتعامل مع القوات الإسرائيلية، وبعد أربع ساعات اكتمل بناء أول جسرٍ ثقيلٍ، ثم بعد ساعتين أخريين اكتمل بناء سبع جسورٍ أخرى وبدأت الدبابات والأسلحة الثقيلة تتدفق نحو الشرق مستخدمةً الجسورَ السبعَ وإحدى وثلاثين معدية.

سرعان ما تهاوى خط بارليف وصارت قواتنا بكامل عتادها على الضفة الأخرى لتكتمل سطور الملحمة الرهيبة، وليستولي الجيش المصري على تحصينات العدو تباعًا، ولولا المدد غير المنقطع، والجسر الجوي الدائم من أمريكا، ما أمكن للعدو أن ينجو بشيء من قواته التي تهالكت وانهارت، وأحصي العدو خسائره: فإذا قتلاه عشرة آلاف، وإذا جرحاه أكثر من عشرين ألفًا، وخسر من الدبابات ألفًا، ومن الطائرات أربعمائة.

ثم أتبعنا حربنا الكبرى وانتصارنا العظيم بأن مددنا يدنا بالسلام؛ سلام القوة والعزة والمجد.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: