تؤدى التغيرات المناخية إلى تهيئة بيئات جديدة ومناسبة لنمو وتكاثر الآفات، فى مصر، وقد شهدنا فى السنوات الأخيرة ازدياداً ملحوظًا فى انتشار الآفات الزراعية، مثل دودة الحشد الخريفية، التى تؤثر على إنتاجية المحاصيل الاستراتيجية كالذرة والقمح، وسوسة النخيل التى تهدد إنتاجية النخيل بالإضافة إلى أنها تقلل من فاعلية بعض وسائل المكافحة التقليدية، مما يؤثر على الإنتاجية ويعتبر تهديداً للأمن الغذائى.
ويؤكد الدكتور أحمد حامد القناوى - الباحث المتخصص فى النظم الحيوية الزراعية وتغير المناخ- مركز البحوث الزراعية، أن الآفات والأمراض النباتية لا تلتزم بحدود جغرافية، وفى عالمنا الذى يشهد تزايداً فى الترابط والعولمة، أصبح من السهل انتقال هذه الآفات والأمراض إلى مناطق جديدة واستيطانها، وتغير المناخ يزيد من حدة هذا الانتشار، حيث يوفر بيئات ملائمة لنمو وتكاثر هذه الآفات والبقاء على قيد الحياة فى أماكن لم تكن موجودة فيها سابقاً، ولمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع الهام كان هذا الحوار..
- لماذا يعتبر تغير المناخ وانتشار الآفات والأمراض من أهم التحديات التى تواجه القطاع الزراعى فى مصر؟
التغيرات المناخية باتت من أبرز التهديدات التى تشهدها البلاد، ليس فقط من خلال التغيرات فى درجات الحرارة وكمية الأمطار التى قد تؤثر بصورة مباشرة على الإنتاج، ولكن أيضاً من خلال انتشار الآفات والأمراض المتزايد الذى يؤثر سلباً على الإنتاج الزراعى، ويهدد الأمن الغذائى، حيث نفقد سنويا نحو 40 % من المحاصيل الغذائية بسبب الآفات والأمراض النباتية، ويُلحق هذا الفاقد فى كل من الإنتاج والإنتاجية والدخل، أثراً مدمراً على أشد المجتمعات فقراً التى تعتمد على الزراعة فى كسب معيشتها.
وقد ساهم تغير المناخ فى توسع نطاق انتشار بعض الآفات مثل سوسة النخيل الحمراء، ودودة الحشد الخريفية، وذبابة الفاكهة، والجراد الصحراوى، مما يشكل تهديداً كبيراً للبيئة، خاصة الأنواع الغازية منها، التى قد تؤدى إلى خسائر كبيرة فى التنوع البيولوجى.
والأمراض النباتية أيضاً لا تقل خطورة عن الآفات، إذ تلحق أضراراً كبيرة بالمحاصيل الزراعية، مما يؤدى إلى تراجع كبير فى دخل المزارعين وتهديد الأمن الغذائى.
- ما هى العوامل التى تساعد على انتشار الآفات والأمراض النباتية فى مصر؟
هناك مجموعة متنوعة من الظروف البيئية والزراعية التى تعمل بشكل متكامل لتوفير بيئات ملائمة لتكاثر وانتشار هذه الآفات، مما يزيد من التحديات التى تواجه الزراعة فى البلاد منها:
•ارتفاع درجات الحرارة: الذى يُعد من أبرز التأثيرات المباشرة لتغير المناخ، ويعزز من تكاثر الآفات الحشرية ويزيد من عدد الأجيال التى يمكن أن تنتجها خلال موسم زراعى واحد، على سبيل المثال، دودة الحشد الخريفية تنتج المزيد من الأجيال فى درجات حرارة أعلى، مما يزيد من تأثيرها المدمر على المحاصيل.
•التغير فى أنماط الأمطار: سواء فترات الجفاف الطويلة أو هطول أمطار غزيرة فى فترات زمنية قصيرة، هذه التغيرات تؤثر على المحاصيل وتضعفها، وتجعلها أكثر عرضة للهجوم من قبل الآفات والأمراض، فمثلاً الجراد الصحراوى يتكاثر بشكل كبير بعد فترات من الأمطار الغزيرة التى تلى الجفاف، حيث توفر الظروف الرطبة بيئة مثالية لوضع البيض.
•الرطوبة الزائدة: تخلق بيئة مثالية لنمو الفطريات والأمراض النباتية، مثل البياض الدقيقى والصدأ، مما يزيد من صعوبة السيطرة عليها.
•التغيرات فى مواسم النمو: تؤثر على دورة حياة المحاصيل، مما يجعلها غير متزامنة مع دورة حياة الآفات الطبيعية، مما يؤدى إلى زيادة انتشار الآفات، والمحاصيل عرضة للإصابة لفترات أطول.
•انتشار الآفات الغازية: تغير المناخ يسهم فى انتشار الآفات الغازية إلى مناطق جديدة لم تكن موجودة فيها من قبل، هذه الآفات الغازية، مثل سوسة النخيل الحمراء وذبابة الفاكهة، تستطيع أن تستوطن فى بيئات جديدة بفضل الظروف المناخية المتغيرة، مما يزيد من صعوبة مكافحتها.
•ضعف المحاصيل بسبب الإجهاد المناخى: المحاصيل المجهدة بسبب الظروف المناخية المتغيرة تكون أقل قدرة على مقاومة الآفات وأكثر عرضة للإصابة بالأمراض.
•تداخل الأنظمة البيئية: يزيد من فرص انتشار الآفات والأمراض إلى مناطق جديدة، حيث قد تجد هذه الكائنات بيئات ملائمة للتكاثر والنمو.
•التغير فى الممارسات الزراعية: نتيجة لتغير المناخ، قد يلجأ المزارعون إلى تغيير ممارساتهم الزراعية، مثل توقيت الزراعة أو أنواع المحاصيل المزروعة، مما يؤدى إلى عدم التوازن البيئى، وبالتالى المحاصيل أكثر عرضة للإصابة بالآفات والأمراض.
- ما هى أكثر الآفات الزراعية خطورة على الحاصلات الزراعية بسبب تغير المناخ؟
• دودة الحشد الخريفية: تعتبر من بين أبرز الآفات المدمرة التى ظهرت فى مصر فى السنوات الأخيرة بسبب تغير المناخ، ولها القدرة على إحداث أضرار جسيمة فى محاصيل الحبوب، خاصة الذرة، وقد ظهرت لأول مرة فى إفريقيا فى عام 2016 وانتشرت بسرعة فى جميع أنحاء القارة، ووصلت إلى مصر فى وقت قصير.
وقد وفر تغير المناخ، مع ارتفاع درجات الحرارة، بيئة مثالية لتكاثر هذه الآفة وانتشارها، وتؤدى إلى تدمير المحصول بنسبة قد تصل إلى 30 - 50 % فى بعض الحالات.
وقد وجد مزارعو الذرة أنفسهم فى مواجهة تحدٍ جديد يتطلب استخدام مبيدات حشرية متطورة، بالإضافة إلى ضرورة تحسين تقنيات المراقبة للكشف المبكر عن انتشار هذه الآفة.
•الحشرات القشرية، من الآفات التى تؤثر بشكل كبير على أشجار الفاكهة فى مصر، مثل أشجا رالمانجو والموالح، ومع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الرطوبة، أصبحت الظروف أكثر ملاءمة لنمو وانتشار هذه الحشرات، مما زاد من صعوبة السيطرة عليها.
وتغير المناخ يزيد من تعقيد إدارة الحشرات القشرية، حيث يؤدى إلى تغيرات فى دورة حياة الحشرات وتكرار أجيالها بشكل أسرع، وهذا يعنى أن الفترات التى تتطلب مكافحة الآفة أصبحت أطول وأكثر تواتراً، مما يزيد من تكاليف المكافحة ويقلل من فعالية المبيدات التقليدية.
• سوسة النخيل الحمراء أو “إيدز النخيل”، تتغذى على الأنسجة الداخلية للنخيل، مما يؤدى إلى موت الشجرة إذا لم تتم مكافحتها بشكل فعال.
وقد أدى ارتفاع درجات الحرارة وتغير الأنماط المناخية إلى توسع نطاق انتشار السوسة فى مصر، وخاصة فى المناطق التى كانت تعتبر فى السابق غير مناسبة لنموها، مما يهدد بتقليل إنتاجية النخيل، ويؤثر بشكل مباشرعلى إنتاج التمور.
- كيف أدى تغير المناخ إلى تفاقم الأمراض النباتية وتأثيرها على إنتاجية المحاصيل الزراعية؟
يعتبر مرض صدأ القمح أو”الصدأ الأصفر” من أخطر الأمراض التى تهدد محصول القمح، حيث يؤدى إلى ضعف إنتاجية الحبوب وتراجع جودة المحصول.
وفى السنوات الأخيرة، سجلت مصر ظهور سلالات جديدة من فطر الصدأ أكثر شراسة وأقل تأثراً بالمبيدات التقليدية، مما زاد من تعقيد إدارة هذا المرض، والتغيرات فى درجات الحرارة والرطوبة تساهم فى زيادة انتشار الفطر وانتقاله بين الحقول بشكل أسرع، مما يتطلب تطوير أصناف جديدة من القمح مقاومة للصدأ، بالإضافة إلى اعتماد تقنيات زراعية حديثة تقلل من تأثير هذا المرض.
البياض الدقيقى: هو مرض فطرى يصيب العديد من المحاصيل الزراعية مثل العنب والخيار والمانجو.
مع تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، أصبحت بيئة نمو الفطر المسبب للبياض الدقيقى أكثر ملاءمة، مما أدى إلى زيادة فى معدلات الإصابة بهذا المرض، كما أن زيادة الرطوبة الناتجة عن تغير أنماط هطول الأمطار تساعد فى انتشار المرض بين المحاصيل، مما يجعل من الصعب السيطرة عليه بالطرق التقليدية.
- كيف يتأثر الاقتصاد الوطنى جراء انتشار الآفات والأمراض النباتية؟
انتشار الآفات والأمراض فى المحاصيل الزراعية نتيجة للتغيرات المناخية يؤدى إلى:
-تراجع الإنتاجية الزراعية نتيجة تقليل كمية وجودة المحاصيل، مما ينعكس سلباً على إنتاجية القطاع الزراعى.
-ارتفاع التكاليف الزراعية: نتيجة استخدام مبيدات حشرية ومواد كيميائية أخرى، مما يزيد من تكاليف الإنتاج.
-تهديد الأمن الغذائى: يؤثر تراجع الإنتاج الزراعى بشكل مباشر على الأمن الغذائى، خاصة فى دولة مثل مصر التى تعتمد بشكل كبير على الإنتاج المحلى لتأمين احتياجاتها الغذائية.
-تأثيرات اقتصادية واجتماعية: تراجع الإنتاج الزراعى ينعكس سلباً على الدخل الزراعى ويوسع من دائرة الفقر فى المناطق الريفية، مما يؤدى إلى زيادة الهجرة من الريف إلى المدن وتفاقم الأزمات الاجتماعية.
- التحديات التى يفرضها تغير المناخ على الزراعة فى مصر تتطلب استجابة شاملة ومتكاملة.. ما هى الحلول اللازمة للمواجهة؟
• تعزيز البحث العلمى لتطوير أصناف نباتية مقاومة للأمراض والآفات، تتحمل الظروف المناخية المتغيرة، وهذا يشمل الاستثمار فى التكنولوجيا الحيوية واستخدام تقنيات الهندسة الوراثية لتحسين المحاصيل.
• تطوير نظم إنذار مبكر لرصد انتشار الآفات والأمراض فى الوقت المناسب، تعتمد على تقنيات الاستشعارعن بُعد واستخدام البيانات الضخمة لتحليل الأنماط المناخية وتوقع انتشار الآفات، مما يسمح بالتدخل السريع قبل أن تتسبب هذه الآفات فى أضرار جسيمة.
•تعزيز وعى المزارعين بأهمية التكيف مع تغير المناخ، من خلال برامج تدريبية تركزعلى أفضل الممارسات الزراعية التى تساعد فى تقليل تأثير الآفات والأمراض، كما يجب تعزيز التعاون الدولى للحصول على الدعم الفنى والمالى لتطوير تقنيات مكافحة أكثر فعالية ومستدامة.
وأخيراً.. فإن تغير المناخ هو تحدٍ كبير للقطاع الزراعى فى مصر، حيث يساهم فى انتشار الآفات والأمراض التى تهدد المحاصيل الغذائية الأساسية، إلا أن مواجهة هذه التحديات ممكنة من خلال تطوير حلول مبتكرة ومستدامة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة والتعاون الدولى، بتبنى هذه الحلول، يمكن لمصر أن تحافظ على إنتاجية محاصيلها وضمان الأمن الغذائى لأجيالها القادمة، فى مواجهة تأثيرات تغير المناخ المتزايدة.