الجهود والاستثمارات والمشروعات التي تقوم بها الدولة لنشر الطاقة الخضراء، هي جهود غير مسبوقة، من أهمها مشروع "مجمع بنبان" للطاقة الشمسية في أسوان، وهو أحد أكبر مشروعات الطاقة الشمسية في العالم، وهو ضمن خطة وطنية لتوليد 42% من احتياجاتنا للطاقة النظيفة عام 2035.
وبالرغم من هذه الجهود الجادة لتيسير الطاقة النظيفة كأحد أهداف التنمية المستدامة، ومع توافر عناصر هذه الطاقة الطبيعية المتجددة من شمس وهواء، معها خبرات وطنية نادرة، إلا أن تمويل مشروعات هذه الطاقة يظل هو العقبة التقليدية التي تقف أمام انتشار ونمو الطاقة المتجددة.
لماذا كل هذا الاهتمام بالطاقة الخضراء؛ لأنها باختصار الأكثر أمنًا للصحة العامة وللبيئة، وللموارد الوطنية والطبيعية، فضلا عن أنها الأرخص على المدى البعيد، إلا أن تكلفة التقنيات المكونة لوحداتها تظل هي العقبة الكبرى، نظرًا لاعتمادها على مكونات عالية التقنية تأتي من الخارج.
من بين الجهود الوطنية لمعالجة عقبة التمويل، بادرت كل من وزارة البيئة، ووزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، برعاية ندوة علمية حول تعظيم فرص التعاون بين منظمات المجتمع المدني المعني بقضايا المناخ والتنوع البيولوجي ودعم الطاقة الخضراء، الأسبوع الماضي، ونظمتها جمعية كتاب البيئة والتنمية، ومؤسسة بيئة بلا حدود، بمقر وزارة البيئة "بيت القاهرة"، بالفسطاط.
ركزت الندوة على قضية إزالة العقبات أمام قضية التمويل لهذه المشروعات، عبر إقامة تحالف، معززًا للجهود الرسمية، يهدف لتأسيس "مجتمع الطاقة الخضراء" أطرافه مؤسسات المجتمع المدني، بدأ بإطلاق أول تطبيق رقمي يجمع مستهلكي "الطاقة الشمسية"، مع مقدمي الخدمة باسم "جرين طاقة"، وهو تطبيق متاح مجانًا عبر التليفون المحمول يستهدف مستهلكي الطاقة الشمسية للاستخدام المنزلي والمشروعات.
وإذا كان غياب المعلومات والبيانات من بين أهم معوقات انتشار الطاقة الخضراء، فقد وفر التطبيق لمستخدمي ومنتجي وممولي الطاقة الخضراء كافة المعلومات، مثل عدد المستخدمين الحاليين والمحتملين، وأماكن تواجد الشركات، إضافة إلى إنشاء منصة افتراضية وواقعية لتشبيك منتج الطاقة ومستهلكها وخطوات منح القروض بفائدة ضئيلة تساعد المواطنين وصغار المستهلكين لاستخدامها.
مدير مشروع تعزيز أنظمة الإدارة والتمويل بالمحميات الطبيعية بوزارة البيئة د.عادل سليمان، المسئول عن مؤسسة بيئة بلا حدود، يوضح أن تنفيذ المشروع يتم بالتعاون مع وزارة الكهرباء عبر هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، مع مركز كفاءة الطاقة، وقد بدأ ب ٣ آلاف مستخدم فى ٣ مواقع مستهدفة مبدئيا؛ وهي محمية و"ادي الجمال" بالبحر الأحمر و"الخارجة" بالوادى الجديد، و"قرية الصديق" بالفيوم.
يجمع التطبيق بين مستخدمي الطاقة الشمسية والشركات والجهات التي تقدم الخدمات؛ سواء استشارات أو تركيب أو إصلاح وصيانة، يستفيد من التطبيق سكان المناطق النائية التى قامت بعض المشروعات السابقة بإدخال الطاقة الشمسية لبيوتهم ومزارعهم، ويتعرضون لمشاكل بسبب بعض الأعطال؛ التي أحيانا تكون بسيطة، ولكن لعدم علم المستهلك بالجهة التي تقدم الخدمة يستمر العطل، وما يترتب عليه من مشكلات، خاصة لو كانت الطاقة الشمسية هي المصدر الوحيد فى هذا المكان.
المشروع، كما أشار د. محمود بكر رئيس جمعية كتاب البيئة والتنمية، يهدف لتوظيف الطاقة الخضراء في تحسين الظروف المعيشية للمجتمعات النائية، وهو مساند لجهود الدولة لنشر الطاقة الشمسية التي نلك عناصرها دون الاستفادة الحقيقية من مميزاتها غير المحدودة، فضلا عن الاستغناء عن الوقود الأحفوري "النفط والفحم والغاز"، المتسبب في الاحتباس الحراري، المساهم الأكبر في التغير المناخي.
ونبه تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ " IPCC"، التابعة للأمم المتحدة، إلى أن تغير المناخ سيؤدي إلى شح المياه وتراجع إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية وإنتاجيتها، وصيد الأسماك وتربية الأحياء المائية، فضلا عن صحة الانسان، وزيادة الفيضانات والعواصف على المناطق الساحلية، وأضرار للقطاعات الاقتصادية الرئيسية، وتقليل فرص الاستثمار..
والمعروف أن ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي في العالم، يعتمد على الطبيعة والإدارة المستدامة للخدمات، حيث تعتمد نحو 2.1 مليار وظيفة في مجالات الزراعة والصيد والأسماك والسياحة، على النظام الأيكولوجي.
وقد فاقم التغير المناخي، التفاوت بين دول العالم خلال نصف القرن الماضي، حيث عرقل النمو الدول الفقيرة، وساهم في زيادة الرفاهية للدول الغنية، وكشفت الدراسة أن الفجوة بين الدول الغنية تزيد بنسبة 25% عما ستصبح عليه، لو لم يشهد الكوكب التغير المناخي، ومن ثم تغير خارطة الإنتاج الغذائي في العالم، وزيادة أسعار السلع الغذائية، وتعرض الأرواح للخطر في مناطق الأعاصير والفيضانات، ونزوح السكان في الداخل أو عبر الحدود.
لاشك أن توسيع دائرة الوعي والتكامل بين منظمات المجتمع المدني، يقود المسئولية الوطنية نحو مجتمعاتنا المحلية إلى الأمام، كما يسهم في تحسين حياة المجتمعات الفقيرة في المناطق النائية، والغنية بالطاقة الشمسية.
[email protected]