أيام صعبة قادمة في اتجاه منطقة الشرق الأوسط، وها هي إسرائيل تحصل علي كل ما تمناه بنيامين نتنياهو بالحرب على 7 جبهات دفعة واحدة.
وفي ذروة التبجح الإسرائيلي تلقت هجومًا صاروخيًا من إيران، وثبت أن أمريكا تدخلت بقوة دفاعًا عن إسرائيل لاعتراض الصواريخ الإيرانية، والأمر الآخر المهم أن نتنياهو رغم تبجحه بأن الهجوم فشل، ولكن أعرب عن تعازيه لضحايا الهجوم الإيراني؛ مما يؤكد حدوث خسائر من هجوم طهران.
وفي الوقت نفسه لا شك أننا سوف نشهد ردًا إسرائيليًا، وسنرى مشاركة أمريكية في رد مشترك على طهران في الساعات والأيام المقبلة.
ورغم كل شيء فإنه رغم الصخب والرعب، ومحاولات استفزاز دول المنطقة، وتوريطها في الحرب، إلا أن غالبية العواصم تنأى بنفسها عن نيران الحرب، وأغلب الظن أن واشنطن لم تبدِ جدية في خوض مغامرة أخرى من نوعية "حرب لا نهاية لها".
وفي ذات الوقت، المنطق يقول إنها لن تدع نتنياهو يورطها بضربات مجنونة ضد طهران تطال برنا مجها النووي، والبنية التحتية الإيرانية.
وفي المقابل لن تسمح إيران لحلفائها بالتورط في شن هجمات متهورة ضد القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة.
إذن ثمة تفاهم غير مكتوب، وإن كان يمكن تلمسه ما بين واشنطن وطهران بعدم الاندفاع صوب الهاوية، وإنما التوقف عند حافة الهاوية.
إذن طهران حريصة على تأكيد أنها ترد على العدوان الذي تعرضت له فقط، وأن حزب الله وحماس يمكنهما خوض الحرب بمفردهما، وفي المقابل تؤكد واشنطن أنها لا تريد "الحرب الكبيرة" في الشرق الأوسط.
وبات واضحًا – حتى الآن على الأقل – أنه لا رغبة لدى معظم الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الذهاب إلى حرب كبيرة في الشرق الأوسط، ومثلما جرت العادة فقد تواترت ردود الفعل المنددة بالعدوان الإسرائيلي، وتعالت صيحات التحذير من خطر نشوب حريق كبير في الشرق الأوسط، ولكن يمكن القول بقدر من الواقعية أن "الحرب الشاملة" لن تقع؛ لأنه لا أحد يريدها باستثناء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وهنا تبدو المفارقة، ففي الوقت الذي يقامر فيه نتنياهو بكل شيء، ويتعجل في ممارسة أقصى درجات العدوان والاغتيالات والإبادة وجرائم الحرب، ففي المقابل تطالبه واشنطن بأن يفعل ذلك بتمهل، ولا داعي لأحراجها، إلا أن تَمنُع واشنطن وعجز بقية العالم، يدفع نتنياهو لحافة الجنون، ويزيد من رهانه على المضي قدمًا في مشروع واشنطن الجديد القديم "الشرق الأوسط الجديد"، ولكن بدون دولة فلسطينية أو إيران أو "الهلال الشيعي".
وفي اللحظة الراهنة تمضي إسرائيل في حربها ضد حزب الله بشكل لا هوادة فيه، وترى الدوائر الإسرائيلية أن قاعدة حزب الله محبطة بعد مقتل حسن نصر الله ومعظم القيادات بضربة واحدة.
ولم تتمهل تل أبيب لتبدأ عملية برية، وحرب خاطفة، للقضاء على هياكل حزب الله في لبنان، ويتفق معظم الخبراء الغربيين على عدة أسباب وراء تعجل الاحتلال في الإجهاز على حزب الله وبقية أصدقاء إيران في المنطقة، ولعل أهمها أن طهران قالت بوضوح إنها لن تتدخل عسكريًا لحماية حزب الله أو حماس.
وقد اختار الرئيس الإيراني مسعود بزيشكيان أن يبعث برسالة تصالحية تجاه الولايات المتحدة من خلال منبر الأمم المتحدة، وتبدو طهران في اللحظة الراهنة حريصة على المصالحة مع دول الجوار، وتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب، ويبدو أن حسابات طهران في اللحظة الراهنة تمنعها من التورط في مواجهة إسرائيل، خاصة بعدما رأت مدى تورط واشنطن للدفاع عن دولة الاحتلال، ومدى عمق التحالف الوثيق للولايات المتحدة مع إسرائيل، وبات واضحًا أن يدرك المرشد الأعلى لإيران، آية الله خامنئي، بوضوح الآن هذا الأمر.
ومن ناحية أخرى الموقف من حزب الله لم يكن أيجابيًا بصورة مطلقة؛ سواء في داخل لبنان أو محيطه العربي، ولطالما تعرض الحزب لمعارضة لسياساته، وانحيازه الواضح والصريح لجانب إيران.
والآن في ظل موقفه الضعيف ثمة من يريد تسوية بعض الحسابات القديمة، وبعض من يرى أن الوقت حان لاستراحة، وإجراء عملية مراجعة، والبعض الآخر لا يمانع في خروج الحزب من معادلات الشرق الأوسط مثلما خرج صدام حسين ومعمر القذافي.
وفي الوقت نفسه تطالب قوى سياسية مؤثرة بشدة بتقليص أنشطته، وهذا يصب في مصلحة الإسرائيليين.
ومن ناحية أخرى ليس لدى تل أبيب أدنى شك في دعم الغرب لها؛ فقد تلقت من الولايات المتحدة قنابل خاصة مضادة للتحصينات لتدمير مقر نصر الله، وأغلب الظن أن نتنياهو يدرك الآن أنها لحظته التي تمناها، ولحظة تمنتها واشنطن وبعض دول الإقليم في التخلص من أذرع النظام الإيراني، وصولا للإطاحة بنظام طهران نفسه.
ولا يتبقى سوى تساؤل متروك للزمن كي يجيب عنه: ترى هل يجب أن يخشى البعض من تحقق بعض أمانيه، وهل فكر هؤلاء في حسابات "اليوم التالي" عندما يتمكن اليمين المتطرف الإسرائيلي من الهيمنة على الشرق الأوسط.
وأحسب أن الكثيرين بما في ذلك واشنطن وأوروبا المجاورة ودول المنطقة عليهم أن يعيدوا حساباتهم، وأغلب الظن أننا نتعرف على بداية المأساة فقط؟!