مأساة العدوان الإسرائيلى على فلسطين، وسوريا، ولبنان، واليمن إنها حرب تقليد للحرب الأصلية، لا تتشابه معها إلا فى حجم التدمير والتخريب والموت.
بعض الخبراء الإستراتيجيين يسمونها «المعركة بين المعارك»، أو العملية الجراحية المميتة تمهيدًا للحرب الحقيقية.
المأساة تكمن فى سقوط ضحايا أبرياء من أطفال ونساء وعائلات كاملة، بعضها مُحيَ من السجلات المدنية، وتكمن فى تغييب الحقيقة عبر إسكات الأصوات، باغتيال الصحفيين والإعلاميين، وفرض الرقابة على ما يجرى من إبادة على الأرض، ربع سكان غزة البالغين حوالى 2.3 مليون قضوا ما بين شهيد وجريح.
تدور الآن عجلة المقتلة فى لبنان بنفس الوتيرة، كتلك العائلة التى قضت بغارة إسرائيلية، أب وزوجة وثلاث بنات حاصلات على أرقى الشهادات العلمية، ثم العائلة الأخرى المكونة من عشرة أفراد، وقد قضت بالكامل فى البقاع، حتما لم تتخيل هذه العائلة أو تلك أنه يمكن أن تكون ضحية “الحرب تقليد الحرب”، أو ضحية الأفكار الخرافية التى تتصادم على غير موعد أو بموعد.
الانضباط المميت عنوان ما يجري، أطراف الحرب تنتظر المدد أو الإشارة من الرعاة، أو لنقل إن قرارها مربوط بحبل خارجى لا يرى أو يرى.
ينبع ألم المأساة من تخريب العمران، واختطاف المصير، وقتل المستقبل، والدوران فى حلقة مفرغة من الألاعيب المميتة، ألاعيب عقائد وخرافات، تستخدم ما أنتجته القريحة البشرية من أسلحة ذكية فتاكة، وبدا وكأن الثورة الصناعية الرابعة، ثورة الذكاء الاصطناعي، تفتح عهدها بالرعب والموت، تستخدم الذكاء فى تفجير وسائل الاتصالات، كالبيجر واللاسلكى فى لبنان.
نكتشف فجأة أن يوم 17 سبتمبر 2024 سيكون الحد الفاصل بين الماضى الطويل بحروبه المختلفة وبين هذه الحرب التى تبدأ فصلا مختلفـا، فصلا من الموت العرضي، يستدعى من الذاكرة جريمة تسميم الآبار بين الأعداء القدامى، وإشعال الحرائق الغامضة بين المتحاربين، واستخدام ما هو مكرس من أجل الحياة والرفاهية والعمل كوسيلة للقتل العرضي.
الرعاة يرفعون أيديهم، يراقبون، ينتظرون اللحظة المناسبة، فإذا ما حققت أهدافهم هذه الحرب، التقليد للحرب الأصلية، دون صدام مباشر فلا بأس، وإذا ما اختلت عجلة القيادة من هذا الطرف أو ذاك، فلا مفر من خوض الحرب الأصلية غير المقلدة.
يدار الموت عن بُعد، الجماعة الإسرائيلية مكشوفة، وعارية، بعض الناس يعيد قراءة ما جرى لها فى أوروبا على مدى ألف عام، ومكشوفة كونها ظهرت كمخلب باطش لغرب يريد أن يستعيد ذاكرة استعمارية، كانت تغطى الأرض فى أزمنة سابقة.
أما الإقليم العربي، مسرح الحرب التى تشبه الحرب، فتم تجهيزه بثورات ملونة، وحروب أهلية، وتكوين جماعات وأحزاب وميلشيات تنوب عن قوام الدولة، والدولة كمفهوم تكمن فى وجود شعب، وإقليم محدد، وسيادة، وسلطة مستمرة، قادرة على فرض القوانين على رعاياها، وإقامة العلاقات الخارجية، وهناك من يضيف إلى هذا المفهوم: الثقافة والحضارة.
لا يمكن أن تكون هناك سلطتان فى نفس الوقت، وإذا ما وجدت، فإن الأمر يصبح خارج نطاق مفهوم الدولة، ويضعف الشعب، ويؤثر على مستقبله.
وإذا ما فتحنا قوسًا كبيرًا من دول الإقليم العرب فسنرى أنه تتنازعه سلطات مختلفة، بعضها ينوب عن بقية السلطة الأصلية، يتخذ قرار الحرب والسلام، وهنا تكمن الطامة الكبرى، فيظهر مفهوم ما يسمى الحرب التى هى تقليد للحرب، والأمة هى الضحية.
هل حان الوقت للتخلص من مرض عضال تمكن من مفاصل الإقليم العربي؟
أما إسرائيل كجماعة جوالة ومقاتلة، فقادمة من دهاليز العقل الأوروبي، تبدو مكشوفة فى تصريحات دونالد ترامب التى وصفها كاتب أمريكى يهودى بأنها خطيرة جدا، وتتجاوز الخطوط الحمراء.