يعتبر الأمام جلال الدين السيوطي علم من أعلام القرن التاسع وأوائل القرن العاشر الهجري، فهو شيخ الإسلام، والإمام الحافظ، العلامة الفقيه المُحدث جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن كمال الدين أبي بكر الخضري السيوطي الشافعي.
كان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه رجالاً وغريبًا، ومتنًا وسندًا، واستنباطًا للأحكام منه، إلا إن مكتبته التي نجت بأعجوبة من الدمار وقت الغزو العثماني لمصر، وكان لتلك النجاة قصة دونها التاريخ.
بدوره يقول عمر محمد الشريف، باحث في التاريخ والتراث لــ"بوابة الأهرام" إن أغلب المرويات تؤكد أن الأمام السيوطي كان يحفظ مائتي ألف حديث؛ حيث قال عن نفسه "قد رُزقتُ -ولله الحمد- التبحر في سبعة علوم: التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان والبديع".
ووُلد الحافظ السيوطي سنة ٨٤٩ هـ، وكان يُلقب بـ"ابن الكتب"؛ لأن والده كان من أهل العلم، واحتاج إلى مطالعة كتاب، فأمر والدة السيوطي أن تأتيه بكتاب من بين كتبه، فذهبت لتأتي به، ففاجأها المخاض وهي بين الكتب، لذلك أطلق عليه ذلك الاسم.
وقد تميز الحافظ السيوطي بذهن ثاقب وذاكرة قل أن يوجد لها نظير، ولما بلغ الأربعين أخذ في التجرد للعبادة والانقطاع لله تعالى والاشتغال به صرفاً، وشرع في تحرير مؤلفاته فكان آية كبرى في سرعة التأليف، وقدّم للمكتبة العربية والإسلامية مئات الكتب، وترك مؤلفات لم يسبقه إليه أحد.
عدّ السيوطي في مقدمة كتابه "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" مؤلفاته، فبلغ عددها 300 كتاب في علوم شتى، كالتفسير، والحديث، والقراءات، والفقه، والتراجم، والنحو والأدب.
أما المؤرخ ابن إياس فذكر أن مصنفات السيوطي بلغت نحوًا من 600 تأليف.
ولما توفي جلال الدين السيوطي سنة ٩١١هـ، ترك كتباً وأوقافاً، وكان ذلك في عهد السلطان المملوكي الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري، ومع أن الزمن الذي توفي فيه السيوطي، كان زمن جور وأخذ أموال الأحياء فيه قهراً فضلاً عن الأموات، ولم يوقر أحداً في ذلك الزمان، إلا أن السلطان الغوري لم يتعرض لتركة الشيخ بوجه من الوجوه، وقال:"الشيخ لم يقبل منا شيئاً في حياته، فنحن لا نتعرض لتركته بعد وفاته"، وأمر بعدم معارضة والدة الإمام السيوطي، وفوض إليها أمر كتبه التي صنفها ووقفها، والتي تخلفت عنه تتصرف فيها وتضعها بأي مكان تشاء.
اختارت والدته أن تكون مصنفاته الموقوفة في مكانها المعروف بجامع ابن طولون، وأن تكون تحت نظرها، وأن الشيخ شرمنت الذي جعله الشيخ وصياً على كتبه الموقوفة، وعلى تركته، وعلى وقفه، يعير منها من ينتفع بها قراءة وكتابة ومطالعة وهي في مكانها وأوضح عمر الشريف أنه ستمر الأمر على ذلك إلى أن ماتت والدة الإمام السيوطي، ودفنت بقبر مجاور لقبر الإمام في داخل التربة التي أنشأتها.
وضريح الحافظ السيوطي حالياً خارج سور صلاح الدين الجنوبي الشرقي المجاور للقلعة، وكان يعرف باسم "باب القرافة" لقربه من القرافة الصغرى أو قرافة الإمام الشافعي، والذي عُرف فيما بعد باسم باب السيدة عائشة؛ لقربه من ضريح السيدة عائشة، ومنطقة مدفنه تعرف الآن بمقابر سيدي جلال نسبة إليه.
نقل الشيخ شرمنت فيما بعد الكتب عنده في منزله وصار يُعير منها ولا يمنعها عن من يريد الانتفاع بها، واستمرت الكتب عنده إلى أن دخل السلطان العثماني سليم القاهرة.
وأوضح عمر الشريف أن العثمانيين استباحوا القاهرة قتلا وتدميراً، حيث مات 10 آلاف شهيد، وتم اقتياد العمال والصناع وكذلك الكتب والمخطوطات لاسطنبول، فخاف عليها عمن النهب والضياع كغيرها من كتب الأوقاف، فنُقلت للجامع الأزهر في خلوة برواق الريافة، وجعل الشيخ شرمنت التكلم عليها والتصرف فيها لتلميذين من تلامذة الحافظ السيوطي، الأول هو السيد الشريف، الإمام العالم، الفاضل المحدث، جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن عبد الله الأرميوني الإدريسي الحسني، والثاني هو الشيخ الإمام الفاضل المحدث شمس الدين الداوودي المالكي، وقد عم النفع بها شرقاً وغرباً، وحفظها الله وسلمها من النهب، ولم يصل إليها أحد بسوء.