يشهد قطاع الدعم الحكومي في العديد من الدول، ومنها مصر، تحولاً كبيرًا من نظام الدعم العيني التقليدي إلى نظام الدعم النقدي المباشر. هذه الخطوة الجريئة تهدف إلى تحقيق كفاءة أكبر في توزيع الدعم ووصوله إلى مستحقيه الحقيقيين، ولكنها تثير في الوقت نفسه العديد من التساؤلات حول آثارها الإيجابية والسلبية على المواطنين والاقتصاد.
وقال شريف فاروق وزير التموين والتجارة الداخلية في بيانه أمام مجلس النواب اليوم الإثنين، إن الظروف الراهنة والتحديات التي يشهدها العالم تتطلب اتخاذ إجراءات للحفاظ على استقرار البلاد وتأمين الاحتياجات من السلع الأساسية بخاصة السلع التموينية والخبز.
وتابع وزير التموين قائلًا: إن ملف الدعم خلال إقرار الموازنة العامة للدولة بمجلس النواب شهد تخوفات من ارتفاع نسبة الفاقد بسبب تطبيق الدعم العيني، الأمر الذي دعانا إلى إعادة النظر في صياغة منظومة دعم السلع التموينية والخبز لتحقيق أقصى استفادة للمواطن، وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه تمشيًا مع رؤية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة، لذا عقدنا العزم على دراسة التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي أو الدعم النقدي المشروط وهو الملف المطروح على مائدة الحوار الوطني وصولًا إلى ما فيه صالح المواطن.
منظومة الدعم تحتاج إلى تطوير
وبهذا الصدد، يقول الدكتور وليد جاب الله، الخبير المالي والاقتصادي، وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، لـ"بوابة الأهرام": الدعم هو الآلية التي تستخدمها الحكومات لعلاج اختلالات توزيع ثمار التنمية، وتوجيه النشاط الاقتصادي، وتتشابك مسارات الدعم بين الدعم النقدي، أو الدعم العيني، أو الخلط بينهما، وتحتاج منظومة الدعم إلى التطوير المُستمر بما يتناسب مع تطورات النشاط الاقتصادي، والاجتماعي، مشيرًا إلى أن موازنة 2024-2025 قد رصدت نحو 635,9 مليار جنيه كمخصصات تمويل الدعم والحماية الاجتماعية.
ثلاثة محاور
وتابع: يمكن لنا أن نميز بين ثلاثة محاور للدعم في تلك الموازنة وهي:
1- المحور الأول
دعم ومن أهم عناصره، تخصيص نحو9 مليارات جنيه لعلاج المواطنين على نفقة الدولة، و8 مليارات جنيه لدعم التأمين الصحي والأدوية، و12 مليار جنيه دعم برامج الإسكان الاجتماعي، و3,5 مليار جنيه لدعم برامج الغاز الطبيعي للمنازل؛ حيث نجد أن هذه المُخصصات تذهب لمُستحقيها بالفعل، وبعضها وهو المُتعلق بالتأمين الصحي والعلاج على نفقة الدولة سوف يتطور ذاتيًا مع اكتمال مشروع التأمين الصحي الشامل خلال السنوات القادمة.
2- المحور الثاني
دعم نقدي مُشروط، من أهم عناصره تخصيص نحو 41 مليار جنيه مُخصصات تكافل وكرامة، ومعاش الطفل، و143 مليار جنيه مُساهمات الدولة في صناديق المعاشات، و215 مليار جنيه مُساهمة للتأمينات الاجتماعية لدعم المعاشات وفض التشابك المالي المرتبط بها، و23 مليار جنيه دعم تنمية الصادرات، و17 مليار جنيه دعم الأنشطة الإنتاجية الصناعية والزراعية، ونجد أن هذه المُخصصات نجحت بالفعل في تحقيق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية حيث يُمثل نموذج الدعم النقدي البديل الأكثر مرونة ونجاح.
3- المحور الثالث
الدعم العيني وهذا يحتاج لتطوير، وبحث إمكانية تحويله لدعم نقدي، ومن أهم عناصره، تخصيص نحو154 مليار جنيه دعم المواد البترولية، و134 مليار جنيه دعم الخبز والسلع التموينية، و2,5 مليار جنيه دعم الكهرباء، و1 مليار جنيه لدعم شركات المياه، و2,4 مليار جنيه دعم نقل الركاب.
قضية الدعم تحتاج إلى تطوير
ونّوه جاب الله إلى أن حجم قضية الدعم الذي يحتاج للتطوير في مصر يصل إلى نحو 300 مليار جنيه تمثل نحو 47% من إجمالي الدعم، ويتركز في دعم المواد البترولية، والسلع التموينية، والكهرباء، والمياه، والنقل؛ حيث نجد أن الاستمرار في الدعم العيني لتلك العناصر يجعل نسبة كبيرة منها تذهب لغير المُستحقين، عبر استفادة أغنياء المصريين، والمُقيمين الأجانب منها، فضلاً عن مُمارسات الهدر، والفساد والتربح التي طالت مراحل تحويل المُخصصات النقدية إلى سلع تُقدم للمواطن عينياً، لافتًا إلى أن هذا الأمر هو الذي دفع نحو التفكير في التحول نحو الدعم النقدي الذي يُعالج عيوب الدعم العيني لكنه قد يترتب عليه زيادة مفاجأة في الأسعار إذا تُم تُرك الأمر للسوق بحجمها الحالي في ظل زيادة الطلب المُتوقع.
واستكمل: إذا توقفت جهات الدعم السلعي عن تقديم الكميات التي تضخها في الأسواق، وهذا الأمر يتركز أثره في مجال الخبز والسلع التموينية التي يجب على الدولة الاستمرار في توفيرها عند ذات المصادر بنفس الكميات مع بيعها بسعر السوق وتعويض المُستفيدين بفارق السعر نقدياً، بينما في مجال دعم المواد البترولية والكهرباء والمياه فهناك العديد من التجارب الدولية التي قدمت فيها الدول دعماً نقدياً لمواطنيها بشأنها وأهمها عربياً دولة "سلطنة عمان"، التي قدمت نموذجا إلكترونيا مُتكاملا لتنظيم ذلك، بينما دعم نقل الركاب فهو دعم يتسم بالتمييز لكونه يتركز على دعم وسائل الانتقال في العاصمة كالأتوبيسات الحكومية، ومترو الأنفاق، ولا يمتد للأقاليم.
إنشاء كيان حكومي لإدارة تطوير ملف الدعم
ويضيف جاب الله: للتصدي لمسألة تطوير ملف الدعم وزيادة مساحة الدعم النقدي، وتوجيهه للمُستفيدين الحقيقيين، يجب أن تكون البداية بإنشاء كيان حكومي لإدارة هذا الملف المُتشعب، وتقوم تلك الجهة بتحديد نطاق محاور الدعم، والطريقة المُثلى لتنظيم الدعم في كل محور مُستعينة بالدراسات والتجارب الدولية، ومُقترحات الخُبراء، مؤكدًا على التركيز لتكوين قاعدة بيانات مُتكاملة عن ذلك الملف؛ حيث يمكن الاستناد إليها عند وضع المعايير العادلة لمُستحقي الدعم، مع العمل على مُتابعة نتائج التطوير في كل مرحلة وتلافي مُشكلات تطوير ملف الدعم وتحولاته نحو زيادة مساحة الدعم النقدي، الذي يجب أن يكون في صورة برامج نقدية مُتعددة يختار المُستحق منها، بصورة تجعله هو من يُطالب بالحصول على المُقابل النقدي وليس الاستلام العيني للسلعة.
الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادي والمالي
خطوة مهمة
ومن جانبه، يرى الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، أن التحول إلى الدعم النقدي يعد خطوة مهمة لتحقيق عدالة أكبر في توزيع الموارد؛ حيث يمكن أن يساعد في توجيه الدعم للفئات الأكثر احتياجاً بشكل مباشر وفعال، دون أن يتم إهدار الموارد في دعم غير مستحقين أو توجيهها لأشخاص خارج دائرة الاحتياج.
إيجابيات التحول للدعم النقدي
ويوضح الإدريسي إيجابيات الدعم النقدي الكفاءة والشفافية؛ حيث إن النظام النقدي يوفر فرصة لمراقبة صرف الأموال بدقة، مما يقلل من احتمالية الفساد والتلاعب، كذلك استهداف الفئات المستحقة فيمكن أن يضمن هذا النوع من الدعم وصول الأموال إلى الفئات الأكثر احتياجاً دون دعم غير مستحقين، بالإضافة إلى أن المرونة؛ حيث يمكن للأسر المستفيدة استخدام الأموال حسب احتياجاتهم الفعلية، بدلاً من الاعتماد على سلع معينة، فضلا عن تحفيز الاقتصاد المحلي من خلال منح الأسر القدرة على الشراء من الأسواق المحلية، يمكن أن يُساهم الدعم النقدي في تحريك عجلة الاقتصاد على المستوى المحلي.
الدكتور علي الإدريسي الخبير الاقتصادي
تحديات التحول إلى الدعم النقدي
وعلى الجانب الآخر، يشير الخبير الاقتصادي الدكتور على الإدريسي، إلى أن هناك تحديات تواجه التحول إلى الدعم النقدي فعلى سبيل المثال التضخم، فقد تؤدي زيادة الإنفاق النقدي إلى زيادة الطلب على السلع، مما يرفع الأسعار إذا لم تكن هناك زيادة مقابلة في العرض، بالإضافة إلى أن بعض الأسر قد لا تستخدم الأموال بالطريقة المثلى، مما قد يقلل من الفائدة المتوقعة، فضلا عن أن التحول إلى الدعم النقدي، يتطلب الأمر نظاماً تقنياً قويًا وآليات رقابة فعّالة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه بطرق آمنة وفعالة. كما قد يواجه النظام النقدي مقاومة من بعض الفئات التي قد تكون معتادة على الدعم العيني، مثل السلع الغذائية.
وأردف أن التحول إلى الدعم النقدي يمكن أن يكون خطوة إيجابية، إذا تمت بشكل مدروس ومدعوم بآليات رقابية تضمن الشفافية والكفاءة. كما يجب أن يتزامن مع إصلاحات أخرى في الاقتصاد لضمان عدم حدوث تضخم مفرط وضمان استدامة هذا النوع من الدعم.
موضوعات قد تهمك:
مبادرات منتدى شباب العالم.. استثمار في المستقبل من خلال تمكين الشباب
بين هويتين.. كيف نحافظ على ثقافتنا في تربية الأبناء بالخارج؟