مما لاشك فيه أن المشاركة الفاعلة والإيجابية للأحزاب بمثابة الروح للحياة السياسية، وكذلك للدولة الديمقراطية؛ لأن الأحزاب تعد الوسيط وحلقة الوصل الرئيسية بين المجتمع والدولة، وتعد أيضًا شريكًا أساسيًا في نهضة الدولة والحفاظ على دعم استقرار المجتمع، والجمع بين مصلحة الوطن والمواطن في آن واحد، وتعد حائط الصد ضد المؤامرات التي تحاك ضد الوطن ومقدراته.
ومع غياب الإستراتيجيات العالمية أحيانًا، وتغييرها أحيانًا أخرى، وحالة الإقليم المضطرب الذي تعيش فيه مصر، وإعادة رسم الخريطة الدولية، وظهور قوى دولية جديدة، وتقسيم بعض الدول إلى دويلات، كل هذه الأمور وأكثر ألقت بظلالها على الواقع الذي نعيش فيه؛ مما يتطلب من الأحزاب السياسية الحقيقية أن تقوم بدورها، مع ضرورة تغيير رؤيتها؛ لتواكب تلك المتغيرات، وللوقوف بجوار الدولة والحفاظ على الوحدة الوطنية؛ من خلال رفع حالة الوعي الجماهيري، وتنميته من خلال برامج ورؤى جديدة، وإطلاع المواطنين على حقيقة ما يدور وما يحاك ضد الوطن؛ مما يساهم في زيادة التأييد والمساندة الجماهيرية للقيادة السياسية ومؤسسات الدولة المختلفة؛ لمواصلة الجهود للحفاظ على الوطن، وحمايته من الأخطار التي تحيط به، مع استمرار التنمية لتحقيق أهدافها المستدامة.
وللحقيقة وبلا مبالغة، مصر بها أكثر من 84 حزبًا سياسيًا قانونيًا، إلا أن هناك أحزابًا لا يتجاوز دورها أكثر من وجود مقر وجريدة وهيئة عليا تضم أشخاصًا يُعدون على أصابع اليد، وفي المقابل هناك أحزاب حقيقية تمارس دورها، ولكن أيضًا لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، ولذا فإننا بحاجة إلى إعادة النظر في الإستراتيجيات الخاصة بالأحزاب، بما يتناسب مع متطلبات المرحلة.
....ولكن السؤال الأهم والذي يطرح نفسه: هل الأحزاب السياسية تلعب دورًا سياسيًا حقيقيًا فاعلا؟
والإجابة هنا تحتاج إلى مقالات أخرى، وهذا ما سيتم توضيحه خلال المقالات المقبلة، ولكن علينا أن نؤكد أن هناك حالة من الحراك السياسي للأحزاب السياسية؛ مما أدى إلى ظهور حركات وتجمعات شبابية أثبتت وجودها في العمل السياسي والحزبي مثل "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين"، علاوة على بعض الأحزاب الفاعلة؛ مثل مستقبل وطن، وحماة الوطن، والشعب الجمهوري، والوفد العريق، الذي يحتاج لبعض الدعم.. وغيرها من الأحزاب السياسية.
نحن نبحث عن دور سياسي حقيقي للأحزاب، يتم بمشاركة سياسية حقيقية، وذلك في الاقتراب من مشكلات المجتمع وحلها وتطوير العمل التطوعي، والتصدي لكافة القضايا والأزمات، ومساعدة الدولة في كل قضاياها، ورسم خططها المستقبلية، ومحاسبة المقصرين.
وتجدر الإشارة إلى أنه يجب في هذه المرحلة، على كافة القوى الوطنية، العمل من أجل مصلحة الوطن والمواطن، والمساهمة في وجود عمل "جبهوي" و"توعوي"؛ فمهما كانت الصورة، فالأمل موجود قادم، والشعب المصري قادر على تجاوز الأزمات، وهذا لا يمكن أن يحدث دون برامج تعبر عن حنكة سياسية نابعة من مشاعر وهموم المواطن تجعله يؤمن بأن الأحزاب هي ظهير حقيقي وفعلي لكل ذي رأي أو محتاج أو ضعيف أو مظلوم أو مهمش، مع ضرورة العمل على تلبية احتياجات المواطنين ومطالبهم اليومية المشروعة.
إنني أثق كل الثقة بأن الدولة لا تمانع في أن تتحمل كل الأحزاب المسئولية السياسية والوطنية، ولكن هذا لن يتم إلا بوجود برامج جديدة قادرة على مواجهة التحديات.
إن الوطن الآن في خطر، ومصر تمر بأصعب مرحلة فارقة في تاريخها الحديث منذ عهد محمد علي باشا؛ أخطار ومؤامرات الهدف منها كسر إرادة الأمة وتهديد بنيانها ووحدتها، فيجب على الجميع -وعلى رأسهم الأحزاب السياسية- العمل على حماية المصريين وتسليحهم بأدوات درء هذه الأخطار؛ وذلك بضرورة اليقظة، والبعد عن الانقسام، وعدم السماح بخلخلة الجبهة الداخلية، واستغلال براءة أهالينا البسطاء وحالة اللاوعي لدى البعض.
ويجب على الأحزاب السياسية -بما لها من ظهير شعبي- إعادة الثقة بين المواطن والدولة، وإظهار الحقائق وما تقوم به القيادة السياسية ومؤسسات الدولة من تنمية، وما تخوضها من حروب ضروس؛ للحفاظ على مقدرات الوطن ومكتسباته، والتصدي للمؤامرات والحملات التي تستهدف تشويه الدولة وزعزعة الاستقرار وإشاعة الفوضى في المجتمع؛ بما يحافظ في النهاية على الوطن، الذي بمثابة السماء التي تظلنا، والروح والحياة التي تجمعنا كمواطنين.
حتي تظل مصر شامخة رغم أنف الحاقدين المغرضين.
وللحديث بقية .....