"أؤمن بالشعب وسوف أقول الحقيقة بشجاعة وبإخلاص، وسأبذل قصارى جهدي لجعل اليابان بلداً آمنا -مرة أخرى- ومكاناً يستطيع الجميع أن يعيشوا فيه بابتسامة".
بهذه العبارة المقتضبة، دشن السياسي الياباني المخضرم، إيشيبا شيجيرو، مهامه كزعيم منتخب للحزب الليبرالي الديمقراطي، تمهيدا لكي يصبح الرئيس رقم 102 لمجلس وزراء اليابان، بعد انعقاد جلسة استثنائية للبرلمان، مقررة بعد غد الثلاثاء.
رحلة صعود زمنية طويلة، خاضها السياسي إيشيبا (67 سنة) منذ انتخابه كأصغر نائب في البرلمان الياباني، لأول مرة في عام 1986 وكان عمره -وقتها- 29 عامًا، ومرورًا بشغله للعديد من المناصب الوزارية -من بينها الدفاع- والحزبية، كأمين عام أسبق للحزب الحاكم، ودخوله لأربع مرات سابقة في المنافسة على زعامة الحزب، ليتحقق حلمه بالفوز 215 صوتًا مقابل 194 في الخامسة والأخيرة -التي جرت يوم أمس الأول، الجمعة- على منافسته القومية المتشددة تاكائيتشي سانائيه.
المراقبون للشأن الياباني لا يتوقعون تغييرًا جوهريًا في السياسات الداخلية والخارجية في أثناء حقبة الزعيم إيشيبا، طالما استمر الحزب الليبرالي الديمقراطي في سدة الحكم، غير أنه من المتوقع أن تواجه الحكومة الجديدة تحديات من نوع آخر.
المشكلة تكمن في إدارة ملفات التوترات الأمنية والإقليمية، الشائكة، التي تنتظر حكومة إيشيبا، وتحديدا، ملف التهديدات النووية والصاروخية الكورية الشمالية، وتداعيات التحالف العسكري بين بيونج يانج وموسكو، وأعباء التوتر الإقليمي بين الولايات المتحدة (الحليف الإستراتيجي لليابان) والصين، وكذلك، بين بكين والعواصم المطلة على بحر الصين الشرقي، وأيضًا، الخلافات المزمنة بين طوكيو وموسكو -منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية- على تبعية جزر تقع شمال اليابان.
اللافت أن حقبة حكومة كيشيدا فوميئو، المنتهية ولايتها، تركت بصمة واضحة في التعامل مع هذه التوترات، وغيرها من الأزمات الدولية، ومن المؤكد أن السياسات الأمنية المتبعة حاليًا سوف تستمر وتصبح ملزمة للحكومة اليابانية الجديدة، ما لم تحدث أية مفاجآت، في حالة حل مجلس النواب والدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة.
أهم بصمات حكومة كيشيدا، الملزمة، تتمثل في: زيادة الإنفاق الدفاعي، وتجهيز القوات اليابانية بقدرات على ضرب قواعد العدو في أوقات التهديد، وكذلك تعديل السياسات الرئيسية المتعلقة بالدفاع، مع توثيق التحالف مع الولايات المتحدة، وإضفاء الصفة المؤسسية للتعاون الأمني الثلاثي بين طوكيو وواشنطن وسول.
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أكد أن التعاون الثلاثي سيظل حاسمًا بغض النظر عن التغييرات القيادية بالولايات المتحدة واليابان، وقال: "لدينا تحولات سياسية باليابان والولايات المتحدة، وهذا الثلاثي -بغض النظر عن تلك التحولات- سيظل حيويًا لمستقبل بلداننا الثلاثة، وهو مستقبل نعمل على تشكيله معا".
في الوقت نفسه، أكدت وزيرة الخارجية اليابانية، كاميكاوا يوكو، أهمية التعاون الأمني الثلاثي، وقالت: "إن البيئة الأمنية المحيطة بنا تزداد خطورة، والنظام الدولي الحر والمفتوح القائم على سيادة القانون يواجه تحديات خطيرة، وهذا يجعل تعاوننا الإستراتيجي أكثر أهمية من أي وقت مضى، ونود أن نعزز تنسيقنا في التعامل مع كوريا الشمالية، وفي مجموعة واسعة من المجالات".
من جانبه، أعلن الرئيس الكوري الجنوبي، يون صوك-يول أن التعاون الأمني بين سول وطوكيو وواشنطن سيستمر بغض النظر عن تغير القيادة، وتم تصميمه لتعزيز الاستجابات المشتركة للتهديدات الكورية الشمالية والتحديات الأمنية الإقليمية، وقال الرئيس يون: "إن إطار التعاون بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان مهم للغاية، ليس فقط بالنسبة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولكن -أيضًا- للاقتصاد والأمن، العالميين، وبما يعود بالنفع على الدول الثلاث".
كان قد تردد تكهنات بأن السياسة الخارجية الأمريكية التي انتهجتها إدارة بايدن قد تتغير، إذا عاد الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث انخرط ترامب -في السابق- في محادثات نووية مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج-أون، بين عامي 2018/ 2019، ووقتها، ضغط ترامب على كل من طوكيو وسول لزيادة حصتيهما بمقدار كبير في كلفة تمركز القوات الأمريكية باليابان وكوريا الجنوبية.
[email protected]