Close ad

حكايات من الواقع: قلب أم.. ورغبة فى الخلاص!

29-9-2024 | 15:06
حكايات من الواقع قلب أم ورغبة فى الخلاصأرشيفية
خالد حسن النقيب

إحساس مخيف أن تنعزل عن واقعك إلى واقع آخر على هامش الدنيا لا تبغى فيه شيئا غير أن ترحل و فى رحيلك الخلاص مما تعانى.. !

موضوعات مقترحة

كيف يمكن للروح أن تستمد القوة و القدرة على الحياة و كل مقومات العيش من حولها تلاشت ؟ هل كتبت على الأقدار حكما ثقيلا بالعيش رغما عنى بلا رغبة إلا من رحيل مرتقب ألحق به بنصف قلبى الآخر هناك حيث اللا وجود؟

كانت حياتى و كل آمالى فى الدنيا، لا أدر إن كانت هى ابنتى موطن الروح فى جسدى أم إنها أمى و كل حياتى، عمرها لم يتجاوز عقدا من الزمان و أبت عليها الدنيا إلا أن يتجمد عمرها عند طور الطفولة و تغادر الحياة بمرض شرس فتاك لا يرحم .

لقد نشأت وحيدة و عشت فى الدنيا بلا شقيق و مات والدى و أنا بعد صغيرة و ترملت أمى على و هى فى ريعان شبابها لم تقبل الزواج من رجل آخر غير والدى من أجلى، قررت أن تهبنى حياتها و عمرها كله و عندما تخرجت فى الجامعة و ارتبطت عاطفيا بزميل لى فى نفس الكلية بلغت بها السعادة حد النهاية و اكتملت رسالتها و فرحة عمرها معى فى يوم زفافى و لكنها لم تبق طويلا بعدها و كأنها كانت على موعد مع أبى حبيب عمرها، لحقت به ما أن تيقنت من اكتمال رسالتها و تسليم الأمانة إلى صاحبها و حقا كان زوجى و حبيبى أهلا للأمانة فقد كان يخشى الله فى عشرتى و يترفق بى و يهبنى حبا عظيما و بادلته السعادة و الحياة الهانئة الهادئة حتى من الله علينا بابنتنا الوحيدة ساعتها شعرت أن قلبى ينشطر إلى نصفين نصفه لحبيبى و زوجى و النصف الآخر لابنتى أعيش لهما و بهما و لا مطلب لى فى الدنيا غير إسعادهما و لكن بقى خوف دفين يسكن قلبى بمرارة إحساسها يعيد فى قلب الماضى عندما ترملت أمى فأنا مثلها أخلصت حياتى لزوجى و ابنتى تماما كما هى كانت، و تهاجمنى وساوس أنى لست أكثر حظا منها و قد أفقد حب عمرى مثلها .. !

ظل هاجس الفقد المقيت هذا يحاصرنى و يقض مضجعى سنوات حتى جاء موعد الامتحان العظيم و مرضت ابنتى، مرضا أعجزها و أعجزنى، كنت أخشى على أبيها الرحيل أشقت الأقدار قلبى بمرضها و عبثا حاولنا إنقاذها فما بين التردد على المستشفيات و الطرق على أبواب الأطباء طلبا للشفاء كانت رحمة الله بها أكبر فقد ترفق بها من الألم المبرح لا يغادرها ليلا أو نهارا، رحلت كى تستريح تلك الراحة الأبدية التى لا لقاء بعدها .

و بقيت أنا جسدا بلا روح فقد رحل نصف قلبى لا أدر من أمر نفسى شيئا لا أستطيع التوافق مع ذلك الواقع المر أعجز عن التصديق أنى لن أراها ثانية، يأكل الفراق عقلى و نفسى حتى أنى بقيت فى المستشفى فترة تحت التأهيل النفسى، قد يكون الأطباء نجحوا فى استعادتى من غيبوبة الحزن للحياة و لكنى لست أنا من كنت أما أنا الآن شخص آخر خاوى، هش، ضعيف، لا حيلة لى إلا الانتظار فى تجمد من الأحاسيس و المشاعر حتى ألحق بابنتى .

أرى زوجى لا يفارقنى بحبه و حنانه و رعايته لى و لكنى لا أقوى أن أقدم له شيئا غير أنى أعيش على إحساسى أنه مازال إلى جوارى و لم تأكله الصدمة كما أكلتنى، إيمانه أقوى منى و صبره تجاوز حدود الفراق و آلامه حتى إنه كان يواسينى بكلمات مفعمة بالأمل فى غد قادم أفضل و أن عوض الله قريب، لم تكن كلماته غبر طبطبة تزيد من ألمى فكيف للأمل ينزرع فى قلب جدرانه بور جفت فيه ينابيع الحياة ؟

أشفقت عليه منى و طلبت منه أن يتزوج و لا يشغل باله بى فإنى راحله عنه و الدنيا و لكن فى كل مرة أحدثه فيها ينظر إلى بنظرة هادئة مستقرة و ابتسامة مشرقة على وجهه و يقول لى إن ربه وعده الجنة وشربة ماء من بد ابنتنا فيها و أنى لا يجب أن أن أحزن فقد استرد الخالق أمانته و لعله يعوضنا يوما بالخلف الصالح بإذنه و قدرته .

أكتب لك و قد أيقنت تماما أنى غير قادرة على التحكم فى إرادتى بالتعايش و التسليم بالأمر الواقع و لست أدر إلى أين يصل بى ما أنا فيه، هلى هو الجنون؟

م . ن

ترفقى بروحك الثكلى يا ابنتى فمن منا يملك من أمر نفسه شيئا و إن كانت أرواحنا نفسها و ليست أرواح أولادنا فقط أمانة تستحق خالقها إن أرادها أينما شاء و لست أقلل من حجم اللوعة و عذابات الغراق و لكن تتزايد أحاسيس الألم دائما وتتضخم عندما تنفصل الذات عن مفاهيم الإيمان و اليقين الإلهى المترسخة فى وعينا و ضمائرنا و أحسبك إن شاء الله من عباد الله الصابرين الموقنين بحقيقة الخلق و أمانة الروح و لعل زوجك لم يغادره ذلك الإحساس الإيمانى فكان صابرا محتسبا و ما بك لا يقل عنه غير أن قلب الأم أكثر تألما لفقد "الضنا" و ذلك طبيعى إن لم يستمر التمادى فيه و من هنا تمسكى بطوق النجاة مما أنت فيه فى قول الله تعالى "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " و ثقى إيمانا و احتسابا فى وعد الله بالسكينة تسكن قلبك "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" .

و كما قال لك زوجك و هو نعم الرفيق الناصح لك فى الحياة و الذى لا يقل ألمه فى فقد طفلته عنك عند الله العوض و الأمل فيه كبير و قادم لا محالة فلا تفقدى يقينك يا إبنتى و احتسبى و سيرزقك الله من النبت الصالح إن شاء الله ما يثلج صدرك و يطفئ نيران الفراق فى قلبك فأنت مازلتى صغيرة و الحياة من أمامك قادمة بكل خير و إعلمى أن منطق الحياة التى جبلت عليه منذ بدء الخليقة يكمن فى سر تلاشى الألم مع الوقت فأى مصيبة أيا ما كانت كبيرة أو عظيمة تصغر تدريجيا مع الوقت حتى تتلاشى و هذه نعمة من المولى عز و جل لولاها ما تحمل أحد ما يعترض حياته من صدمات و لمتنا و راء من نحب بعد موتهم .

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة