تلعب الدعاية لأى عمل فنى دورا كبيرا فى الترويج له وجلب الجماهير لمشاهدته، مما يساعد على نجاحه وتحقيق أعلى الإيرادات، خصوصا لو كان عملا جيدا، وإذا كان هذا يحدث فى عالم السينما والمنصات الرقمية، إلا أنه يكاد يكون غائبا عن الأعمال المسرحية، برغم جودة ما تقدمه، وما ينفق عليها من ميزانيات كبيرة، لا تقل بالنسبة للعرض المتواضع إنتاجيا عن نصف مليون وتتجاوز المليون بكثير فى العروض الكبيرة، فإنه ومع تعدد الأعمال المقدمة على مختلف مسارح الدولة، وما يصاحبها من إنفاق الملايين، تصبح هذه الأعمال فى مأزق كبير بسبب غياب الدعاية عنها، وهو ما تكشف عنه «الأهرام العربي» فى السطور التالية من خلال أصحاب التجارب المسرحية، كما تكشف سر نجاح بعض العروض وتحقيقها إيرادات عالية برغم ذلك.
موضوعات مقترحة
فى البداية تقول مى مهاب، مخرجة أحدث عرض مسرحى تم تقديمه من خلال المسرح القومى للطفل» الحلم حلاوة «: إن الدعاية جزء لا يتجزأ من نجاح أى عمل مسرحي، فمن أين للجمهور أن يعرف بوجوده إلا من خلالها، وبرغم أن ميزانية أى عمل مسرحى تتضمن بندا ماليا لعمل الدعاية، لكنها للأسف ضعيفة جدا وتقتصر فقط على البوسترات والبانرات، التى توضع على المسرح الذى يقدم فيه العرض ، دون وجود أى بند بالميزانية يتعلق بعمل دعاية ممولة، سواء فى الصحف أم المواقع الإلكترونية أم السوشيال ميديا برغم أهميتها فى الوقت الحالي.
تضيف مهاب: إن ما يؤكد أهمية الإعلانات الممولة هو حرص القطاع الخاص عليها، فكل العروض المسرحية الخاصة لا تخلو من بند مالى للدعاية والإعلان، لإدراكهم بأنها تلعب دورا كبيرا فى جلب الجمهور إلى هذه العروض، واستمرار عرضها لفترات طويلة، ومن خلال تجربتى الأخيرة مع عرض «الحلم حلاوة» وجدت إقبالا كبيرا من الجمهور عليها وكانت القاعة كاملة العدد، برغم ضعف الدعاية، لأن افتتاحها تواكب مع موسم العيد، الذى يبحث الجمهور فيه عن العروض المسرحية وينزل لها خصيصا لكى يرفه عن نفسه فى هذه المناسبة السعيدة، وهو ما يفسر سر رفع شعار «كامل العدد» لأغلب العروض المسرحية فى الأعياد برغم غياب الدعاية عنها، والتى يظهر تأثيرها بعد ذلك بشكل يضطر بعض العروض لغلق أبوابها برغم كل ما أنفق عليها فى إنتاجها، فى حين لو أنفق عليها القليل من الأموال فى الدعاية لها فلن تغلق وستجلب المزيد من الأموال، وتعوض ما أنفق عليها على الأقل. لذا أطالب بأن يكون هناك بند مالى للإعلانات الممولة، خصوصا أن تذاكر العروض المسرحية الخاصة بالأطفال ليست مرتفعة الثمن، وبالتالى فالدعاية لها ستساعد على إغراء الأسر التى لديها أطفال لمشاهدة هذه العروض.
خطة كيوبيد
المخرج أحمد فؤاد الذى تخطى عرضه المسرحى «خطة كيوبيد» 150 ليلة عرض، كما فاز أخيرا عرضه الثانى «النقطة العميا» بجائزة أفضل عرض مسرحى مركز ثان فى المهرجان القومى للمسرح، علاوة على تخطيه 120 ليلة عرض، ولا يزال العرضان يواصلان النجاح يقول: تعد الدعاية أكبر مشكلة تواجهنا نحن المسرحيين، ونحاول على قدر جهودنا أن نجد لها بدائل تعوض غيابها، خصوصا بعدما حدث لها من ترشيد شديد فى الفترة الأخيرة، لدرجة أنها تصل فى بعض الأحيان إلى حد الإلغاء، وذلك لأن شكل الدعاية تغير وحدث به تطور كبير بفعل التكنولوجيا، وهو ما انتبهت إليه السينما فواكبته بصورة سريعة، وذلك حتى تحافظ على جمهورها، عكس المسرح الذى توقف عند الاكتفاء بعمل بانر يوضع على واجهة المسرح، لدرجة أن الناس لم تعد تعرف أين توجد المسارح وماذا تقدم، مما أحدث فجوة كبيرة بين الجمهور والمسرح.
عن سبب نجاح عرضه برغم كل هذه الظروف يقول فؤاد : لقد تعلمت الكثير عن الدعاية للمسرح أثناء بعثتى فى إيطاليا، ومنها أن المسرح نوع من الترفيه، يخلق للمتلقى حالة مختلفة من الاستمتاع الشديد، ويجعله يلقى عن كاهله الضغوط اليومية التى يعيشها، بعيدا عن التفاهة وفكرة «الناس عايزه كده»، لأن المثقفين ومنهم المسرحيون هم من يصنعون الوعي، لذلك لابد من تحديد ما الذى نقدمه للمتلقى وهل يناسبه أم لا؟ وضرورة أن يكون جديدا ومختلفا عن الوسائط البديلة مثل المنصات وغيرها، وبالشكل الذى يجعل المتلقى يفضل النزول إلى المسرح عن البقاء أمام التليفزيون فى بيته ومستريحا على أريكته، كل ذلك لا يمكن تحقيقه إلا بالدعاية، لأن أى عمل فنى يقدم بدونها، هو بمثابة القيام بدفنه قبل أن يولد،لذلك ما إن عدت إلى مصر، حتى بدأت أعيد النظر فى كيفية العمل الدعائى للعرض المسرحي، فاعتمدت فى عرضى الأول «ديجافو» على تصميم بوستر بجودة عالية يغرى الجمهور بالقدوم لرؤية هذا المنتج، الذى لا يعرف عنه أى شيء، خصوصا أننا لا نعمل ومعنا ممثلون سوبر ستارز، الذى يمثل وجودهم فى حد ذاته عنصر جذب للجمهور، لذلك حاولت تعويض ذلك ببوستر مختلف وجاذب وفيديوهات قصيرة، تحوى لقطات من العرض نشرتها على السوشيال ميديا، وكانت النتيجة مبهرة حيث امتلأ مسرح الهناجر بالمتفرجين طوال أيام العرض برغم الحظر وقتها بسبب جائحة كورونا، ومن وقتها وأنا أهتم بالجانب الدعائى لدرجة أننى أصبحت حريصا أن يكون الجلوس مع مصمم الدعاية من أوائل الجلسات التى أقوم بها، عندما أبدأ فى تنفيذ أى عرض مسرحي، لوضع الشكل الدعائى الذى تتوافر فيه عوامل الجذب ويشرح من خلاله موضوع العرض، تماما كما أجلس مع مهندس الديكور ومؤلف الموسيقى ومصمم الملابس وغيرهم، كذلك أصبحت أشد حرصا على أن يبدأ ذلك مبكرا وليس قبل العرض بأيام قليلة كما يحدث فى عروض كثيرة.
تمثال جميل
يتابع فؤاد: قمت أيضا بالاستعانة بفريق للسوشيال ميديا مهمته، أن يوضح للناس مكان العرض ومواعيده والمميزات التى سيحصل عليها لو جاءوا إلينا، لكن كل ذلك لا يمكن أن يؤتى ثماره إلا بمنتج قوى، يعتمد بشكل أساسى على قوة الكلمة التى يقولها للجمهور، ويجعله يتحول إلى وسيلة دعائية له تدفع من كان مترددا أو من لم يكن يعرف، وللأسف هناك عروض كثيرة تميزت بجودتها العالية،إلا أن غياب الدعاية عنها جعلها تتحول إلى ما يشبه التمثال الجميل، الذى صنعناه ثم وضعناه فى غرفة أغلقناها عليه.
لا أنكر ما يقوم به البيت الفنى للمسرح من جهود - والكلام لا يزال للمخرج أحمد فؤاد- ومنها قيامه بإنشاء صفحة لكل مسرح على السوشيال ميديا، مما أحدث نوعا من التنشيط، لكن الأمر فى حاجة لأن يكون بشكل أكثر احترافية، كأن يتم عمل بروموهات، يتم عرضها على القنوات الفضائية و السوشيال ميديا، وأن يتم عمل ذلك بوقت طويل قبل الافتتاح وليس أثناء العرض، مع الأخذ فى الحسبان أنه على قدر ما يتم صرفه على المنتج، يتم الإنفاق على الدعاية، فالمنتج الثقافى مهما كانت جودته، فإنه بدون دعاية وتسويق، يظل مجهولا للناس، لذلك يجب أن تكون الدعاية بندا أصيلا فى كل عرض وبشكل منفصل، لأنها بلا شك ستختلف من عرض لآخر، حسب نوعية الجمهور الذى سيخاطبه، كما لابد من تهيئة الجو للمتلقى بما لا يعكر صفوه، وإزالة كل العقبات التى قد تزعجه مثل وجود مكان لركن سيارته والاستقبال الجيد من العاملين بالمسرح، وسهولة الحجز والدفع لكى يشاهد العمل وهو فى حالة كبيرة من الارتياح والانبساط، وبالشكل الذى يشجعه على دعوة معارفه لمشاهدة هذا العرض.
خارج الصندوق
يطالب فؤاد المسئولين عن مسارح الدولة بضرورة تحديثهم لفكرتهم عن الدعاية، والاستعانة بفريق تسويق يدرك مدى التطور الذى أصبحنا نعيش فيه، لافتا النظر إلى أنه وعن تجربة شخصية تعامل مع شركات دعاية كبيرة من أجل تسويق أعمال له، ففشلت فشلا ذريعا لعدم قدرتهم على مواكبة التطور وتحديث أفكارهم عن الدعاية بطرق ذكية ومبتكرة، ومثل هذا الأمر يتطلب من هؤلاء المسئولين الاستعانة بدماء جديدة من الشباب وفهم الأقدر على مواكبة هذا التطور، وتحريك المياه الراكدة، خصوصا أنه من خلال تعامله مع مديرى مسرح الغد الفنان سامح مجاهد ومسرح السلام الفنان محسن منصور وكذلك رئيس القطاع المخرج خالد جلال وجدتهم يبذلون كل ما فى وسعهم، برغم أنهم يتحركون تحت سقف ضعيف بسبب اللوائح وميزانية الدعاية التى لا تكاد متواجدة، بالعمل خارج الصندوق خصوصا أن المسرح قابل جدا، لأن يكون مربحا أو على الأقل يغطى تكاليفه.
أزمة كبيرة
من جانبه يقول محمد فاضل القبارى، مدير إحدى المؤسسات الإعلانية المتعاقدة من الخارج لعمل الدعاية الخاصة ببعض عروض مسرح الدولة: بدأنا العمل مع البيت الفنى للمسرح منذ عام 2017، وحرصنا طوال هذه الفترة على مواكبة ما يحدث في سوق التسويق الإلكترونى، الذى يتطور كل عام بفعل التطور التكنولوجى و الرقمي، وأصبحنا أكثر قدرة على تحديد الجمهور المستهدف فى الإعلانات التى نقوم بنشرها على المنصات المختلفة وصفحات التواصل الاجتماعى وغيرها،لكننا وجدنا أنفسنا فى أزمة عندما صدر قرار بترشيد الإنفاق بداية من شهر أكتوبر الماضي، وهو قرار نحترمه خصوصا فى بعض الوزارات التى تنفق أموالا كثيرة فى طباعة أجندات وغيرها من مستلزمات الطباعة،لكن الأمر يختلف بالنسبة للمنتج الفنى بشكل عام، الذى يكون فى أشد الحاجة إلى الدعاية، وإلا سيكون هناك إهدار لما ينفق عليه، لأن غياب الدعاية يتسبب فى ضعف الإيرادات وقد يصل الأمر إلى إغلاق هذه العروض، بالتالى فكل ما أنفق من أموال على المنتج الفنى، سيكون مالا مهدرا لكونه لم يحقق الغرض منه، لذلك نرجو إعادة النظر فى هذا القرار فى الأيام المقبلة، حتى تستعيد الأعمال المسرحية بريقها ويعود الجمهور لمشاهدتها.
يضيف القبانى قائلا: قبل صدور قرار الترشيد، كنا قد طرحنا عددا من الأفكار للترويج للأعمال المسرحية، أساسها التسويق الالكترونى لكى نواكب العصر الحالي، بجانب الوسائل الأخرى مثل الإعلانات التليفزيونية وإعلانات المترو والجرائد والتنسيق مع شركات السياحة والمدارس الخاصة لعروض الأطفال، علاوة على أفكار أخرى عديدة، بعضها لم يستجب إليه، بسبب أن بند الدعاية المخصص فى الميزانية ضئيل جدا ولا يكاد يذكر، لأنه لم يكن يتخطى نسبة 1 % من ميزانية العرض المسرحى، وهى نسبة تكاد تكون غير موجودة فى العالم كله، ويكفى أن نعرف أن الإنتاج الخاص والذى عملت معه أكثر من مرة، يخصص للدعاية وحدها حوالى 50 % من إجمالى ميزانية العرض، وهى نسبة صحيحة لمن يريد أن يحقق إيرادات، لذلك أنصح طوال الوقت بأن تتراوح نسبة الدعاية من 30-50 بالمائة فى ميزانية العمل الفني.
مش روميو وجوليت
يتابع القبانى: برغم هذه الظروف لم نقف مكتوفى الأيدي، ونقوم بما لدينا من أفكار مبتكرة بعمل الدعاية اللازمة، التى لاشك تختلف باختلاف محتوى العروض، فالدعاية لعرض أطفال ليس كالدعاية لعرض كوميدى أو تراجيدى وهكذا، وأقرب مثال على ذلك هو ما قمنا به مع مسرحية «طيب وأمير» التى قدمتها فرقة المسرح الكوميدي، حيث اشتغلنا على التقاط صور للمتفرجين وهم يضحكون أثناء مشاهدتهم لها، ونشرها على صفحات السوشيال ميديا ، فكان لها تأثير كبير ومحبب شجع الناس على الحضور للمسرحية ومشاهدتها، فى حين يختلف أسلوب الدعاية إذا كان يتعلق بعرض للمسرح القومى للطفل، فهنا يكون الجمهور المستهدف وهو الأسرة و تحديدا الزوجة التى تعد المحرك الأساسى فى البيت المصرى، فيما يتعلق بالوسائل الترفيهية والعروض المسرحية الخاصة بأطفالها،كما أن من أهم الأشياء التى تساعدنا فى التسويق لعرض ما، وجود نجوم شباك فيه، لأن لكل نجم جمهوره الذى يسعى خلفه فى كل مكان يقدم فيه فنه، على سبيل المثال لدينا حاليا فى المسرح القومى مسرحية « مش روميو وجوليت « بطولة على الحجار ورانيا فريد شوقى وميدو عادل وعزت زين، فوجود هؤلاء النجوم مع اسم المسرح القومي، ساعدنا بشكل كبير فى الترويج لهذه المسرحية، التى حققت ما يزيد على 40 ليلة وهى تحمل شعار كامل العدد، فى حين نركز فى عروض الشباب التى تخلو من كبار النجوم على التسويق لجودة المنتج، الذى يقدم من خلال تسليط الضوء على ردود أفعال وأراء من شاهدوه.
طيب وأمير
يقول الفنان ياسر الطوبجى مدير فرقة المسرح الكوميدي: لا أحد يختلف على ضعف الميزانية المخصصة للدعاية الخاصة بالعروض المسرحية، ولكن هذا لا يقف أمام نجاحنا وتحقيق أعلى الإيرادات، خصوصا مع قيام الشركة المتحدة بالدعم اللوجستى للمسرح بتسليط الضوء على أعماله من خلال أشهر البرامج، التى تقدم على مختلف القنوات كدعاية لها ولنجومها من خلال استضافتها للعروض وعرض مقتطفات منها وتقديمها للمشاهدين لتحفيزهم على الذهاب لمسارح الدولة، ونحن بدورنا أيضا لا نهمل الدعاية ونقوم بها من خلال السوشيال ميديا، علاوة على الجمهور نفسه الذى أصبح يقوم بعمل الدعاية لنا، بالطبع سيصبح الأمر مختلفا لو زادت الميزانية المخصصة للدعاية، وسنحقق المزيد من النجاحات وتحقيق أعلى الإيرادات .
وعن فكرة اللقطة الذهبية التى ساهمت بشكل كبير فى الترويج لعروض المسرح الكوميدى يقول: هذه الفكرة راودتنى بعد أن توليت مسئولية المسرح الكوميدى وتحديدا مع عرض «حلم جميل» للفنان سامح حسين، عندما طلبت من الفوتوغرافر أن يلتقط لقطات تظهر بهجة المتفرجين فى لقطات مقربة لضحك الجمهور ليفاجأ بها الجمهور منشورة على صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، هذه الفكرة جعلتهم يساهموا فى عمل دعاية ضخمة لنا وقد زاد نجاحها بشكل كبير فى عرض «طيب وأمير» وحاليا مع عرض شغل عفاريت».