برغم التحديات الإقليمية والدولية، ارتفع إجمالى الصادرات الزراعية لمصر خلال النصف الأول من العام الحالى 2024 ليصل إلى 4.9 مليون طن، بقيمة 2.9 مليار دولار، بزيادة قدرها 600 مليون دولار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضى، كما أن المنتج الزراعى المصرى بات يتواجد فى أكثر من 160 دولة بما يزيد على 350 سلعة زراعية.
موضوعات مقترحة
هذه الأرقام وغيرها تعكس حجم الطفرة الكبيرة التى يشهدها هذا القطاع الحيوى فى ظل توجيهات القيادة السياسية بمضاعفة معدلات الصادرات المصرية من جميع القطاعات بحلول عام 2030، وتمثل الزراعة ركيزة أساسية فى منظومة الدخل والأمن القومى لمصر مع تنامى الاحتياجات الغذائية للمواطنين فى ظل النمو السكانى المتسارع، مع تجاوز تعداد السكان 105 ملايين نسمة، فضلا عن دورها الفاعل فى توفير مستلزمات النهضة الصناعية من الخامات الأولية والمستلزمات الوسيطة.
شكلت المشروعات الزراعية العملاقة التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى حجر الزاوية فى النهوض بهذا القطاع، عبر زيادة الرقعة الزراعية وتعزيز الأمن الغذائى المصرى، وتمكين الدولة المصرية من مواجهة التغيرات المناخية، ونقص سلاسل الإمداد والتوريد بسبب الأزمة العالمية. يأتى على رأس تلك المشروعات “ توشكى الخير” بمساحة 1.1 مليون فدان، ومشروع الدلتا الجديدة العملاق بمساحة 2.2 مليون فدان، ومشروع تنمية شمال ووسط سيناء بمساحة 456 ألف فدان، ومشروع تنمية الريف المصرى بمساحة 1.5 مليون فدان، بالإضافة إلى المشروعات الأخرى فى جنوب الصعيد والوادى الجديد بمساحة 650 ألف فدان، بالتزامن مع تنفيذ عدد من التجمعات الزراعية بشمال وجنوب سيناء وكذلك مشروع 100 ألف فدان صوب زراعية بمناطق: الحمام بمطروح، العاشر من رمضان، أبو سلطان بالإسماعيلية، غرب غرب المنيا، المغرة، المراشدة، قرية الأمل بالقنطرة شرق وتتبنى جميعها منهج الجودة الفائقة للمنتجات الطازجة . وذلك بالتزامن مع مشروعات المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» لتنمية الريف المصرى والتى تستهدف تحسين مستوى معيشة أبنائه.
نجاح كبير
يعد ملف الصادرات الزراعية، من أكثر الملفات التى حققت فيها الحكومة المصرية أخيرا، نجاحات كبيرة، وترسيخ السمعة المتميزة للحاصلات الزراعية المصرية فى مختلف أسواق العالم على حد قول علاء فاروق، وزير الزراعة، إن الصادرات الزراعية المصرية تلعب دورا مهما فى دعم الاحتياطى النقدى من العملة الأجنبية. لافتا النظر إلى هناك دعم مستمر لمنظومة الصادرات والحجر الزراعي، بهدف تحقيق الهدف الرئاسى بالوصول إلى 100 مليار دولار من الصادرات المصرية فى جميع القطاعات بحلول عام 2030، مشيرًا إلى أن قطاع الزراعة يعد أحد الركائز الأساسية فى الدخل القومى لمصر.
من جانبه قال الدكتور سعد موسى، المشرف على العلاقات الزراعية الخارجية والحجر الزراعى المصرى، بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى: هناك سيطرة للموالح على الصادرات، لتشكل النصيب الأكبر من الصادرات، حيث زادت صادراتها بنسبة 5.5% لتصل إلى 1.9 مليون طن، وشهدت العديد من المحاصيل الأخرى زيادة فى الصادرات، مثل البطاطس والفراولة والفاصوليا، بينما انخفضت صادرات بعض المحاصيل الأخرى مثل البصل والثوم.
أسواق جديدة
كما أشار الدكتور سعد موسى، رئيس الحجر الزراعى، إلى أن مصر تمكنت من فتح أسواق جديدة لمنتجاتها الزراعية، مثل فنزويلا، مما أسهم فى زيادة الصادرات، مؤكدا على، أن الحجر الزراعى لعب دورًا حيويًا فى ضمان جودة المنتجات الزراعية المصرية وتوافقها مع المعايير الدولية، مما ساهم فى فتح الأسواق الجديدة وزيادة الثقة فى المنتجات المصرية، بالإضافة إلى تسهيل لإجراءات التصدير والتأكد من مطابقة المنتجات للمعايير الدولية، مما يسهم فى فتح الأسواق الجديدة، وأشار موسى، إلى أن مصر تواجه تحديات مثل تأثر الملاحة فى البحر الأحمر، إلا أنها تمكنت من التغلب عليها من خلال تغيير مسارات الشحن، كذلك يتم تطبيق معايير جودة صارمة على المنتجات الزراعية المصرية المصدرة، مثل إجراء فحوصات دقيقة للتأكد من خلوها من الأمراض والآفات.
تحديات وفرص
وفقا للوثيقة الصادرة من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء بعنوان أبرز التوجهات الإستراتيجية للاقتصاد المصرى الفترة الرئاسية الجديدة (2024-2030) فإن الحكومة المصرية تسعى إلى تحقيق نهضة زراعية شاملة، وذلك من خلال مجموعة من الأهداف الطموحة التى تستهدف زيادة الإنتاجية الزراعية ورفع مستويات الاكتفاء الذاتى من السلع الغذائية الإستراتيجية، وزيادة الصادرات الزراعية، وتحسين مستوى معيشة الفلاحين، وتستهدف الوصول بإجمالى مساحة الرقعة الزراعية إلى ما لا يقل عن 12 مليون فدان حتى عام 2030؛ مقابل 9.6 مليون فدان خلال عام 2021-2022، بمساحة محصولية مستهدفة 21.5 مليون فدان، بالتزامن مع إطلاق مشروع قومى للتكثيف الزراعى من خلال الاستثمار فى البحث والتطوير لزيادة الإنتاجية الزراعية بما لا يقل عن 20% من خلال استنباط أصناف عالية الإنتاج تمكث فى التربة فترات أقصر وتقاوم التغيرات المناخية.
التوسع.. أفقيا ورأسيا
كما تسعى الإستراتيجية للتوسع الأفقى والرأسى فى الزراعات التصديرية، بما يسهم فى زيادة الصادرات الزراعية (الخضر والفواكه) إلى 14 مليار دولار بحلول عام 2030. مع زيادة إنتاجية الفدان من القمح لتصل إلى 3.3 طن فدان من خلال زيادة مستويات التكثيف الزراعى عبر زراعة الأصناف عالية الإنتاج، بهدف زيادة مستويات الاكتفاء الذاتى من القمح لترتفع من 47% عام 2021 إلى 70% بحلول عام 2030 . وكذلك تستهدف الاستراتيجية توسيع نطاق الكارت الذكى للفلاح ليصل عدد المستفيدين لـ 5.7 مليون فلاح بحلول عام 2030، ومد منظومة التأمين الصحى بما يغطى جميع فلاحى مصر بحلول عام 2026.
من جهته قال عبد الحميد الدمرداش، رئيس المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية، إن مصر تواجه منافسة شرسة من بعض الدول فى أسواق الصادرات الزراعية، ورغم تلك المنافسة، فإن هناك فرصًا كبيرة لزيادة الصادرات الزراعية المصرية، فمصر تستهدف زيادة الرقعة الزراعية بنسبة 30% من خلال استصلاح 2.5 مليون فدان جديدة، وهو ما سيسهم فى زيادة الإنتاج والصادرات، كما أن هناك اهتمامًا متزايدًا بالمنتجات الزراعية العضوية، وهى فرصة لمصر لزيادة صادراتها إلى الأسواق الأوروبية.
معايير للجودة
ويضيف رئيس المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية قائلا: إن الاتحاد الأوروبى يفرض شروطًا صارمة على الصادرات الزراعية المصرية، بما فى ذلك تقليل استخدام الأسمدة والمبيدات وزيادة الزراعة العضوية، وأن 70% من الصادرات الزراعية الطازجة تأتى من الأراضى الصحراوية، مما يؤكد أهمية هذه الأراضى فى تحقيق الأمن الغذائى وزيادة الصادرات، منوهًا على نجاح مصر فى زيادة صادرات العنب بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
كما أشار تقرير صادر عن الإدارة المركزية للحجر الزراعى إلى أنه على الرغم من وجود العديد من التحديات الإقليمية والدولية إلا أن المنتج الزراعى المصرى يتواجد فى أكثر من 160 دولة بأعلى مواصفات الجودة والمعايير العالمية. ووفقا للتقرير فإن أهم المنتجات الزراعية المصدرة كانت الموالح حيث جاءت فى الترتيب الأول بكمية تعدت 2 مليون طن، ثم البطاطس فى المركز الثانى بكمية تعدت 930 ألف طن، ثم البصل فى المركز الثالث بكمية بلغت نحو 131 ألف طن، ثم الفاصوليا الخضراء والجافة بالمركز الرابع بكمية بلغت نحو 84 ألف طن، وجاء العنب بالمركز الخامس بكمية بلغت 72 ألف طن، ثم البطاطا بالمركز السادس بكمية بلغت لنحو ألف 64 ألف طن، وجاءت الطماطم والفراولة الطازجة والثوم والجوافة بالمراكز السابع والثامن والتاسع والعاشر على التوالي.
ويقول الخبير الاقتصادى محمد عبد الهادى، إنه لا أحد يختلف على أهمية الزراعة كمحرك رئيسى للاقتصاد المصرى، وهو ما يجب أن نتوقف أمامه ونشيد بما حققته الدولة فى السنوات الأخيرة من طفرة لافتة للنظر فى حجم الإنتاج الزراعى ومعدلات التصدير، وليس هذا فحسب، وإنما هناك بالفعل جهود أخرى تبذل هذه الأيام من قبل جميع أجهزة الدولة لزيادة الرقعة الزراعية وتطوير البنية التحتية الزراعية، بهدف زيادة الصادرات الزراعية وتنويع مصادر الدخل خلال الفترة المقبلة .
السوق المحلية
كما حرصت الحكومة المصرية على تعزيز السوق المحلية للمنتجات الزراعية وتوفيرها بأسعار معقولة للمواطنين؛ وسعت فى سبيل ذلك لتوفير دعم مالى وتسهيلات مختلفة للمزارعين والمنتجين، كما يقول الخبير الاقتصادى، محمد أنيس، مؤكدا أن تلك الجهود كان لها بالغ الأثر فى توافر السلع بالأسواق وتجنب أزمات يمر بها العالم جراء الأزمات الجيوسياسية فى مناطق متفرقة، ألقت بظلالها الوخيمة على كافة القطاعات الاقتصادية وفى طليعتها الزراعة، حيث دفعت إلى اختفاء سلع من أسواق متفرقة فى أنحاء العالم ولكن مصر كانت بمنأى عن ذلك بفضل الجهود التى بذلت ولا تزال لرفع إنتاجية الفدان، بالإضافة إلى ذلك، تم تعزيز صادرات المنتجات الزراعية المصرية على المستوى الدولى من خلال توسيع الأسواق الخارجية وتحسين جودة وتعبئة المنتجات وتنويع الصادرات.
ويدعو محمد أنيس، إلى ضرورة زيادة الاستثمارات فى الصناعات الغذائية لتعزيز الصادرات المصرية، موضحًا أن تصنيع المنتجات الغذائية قبل تصديرها سيؤدى إلى تحقيق أرباح أعلى وفتح أسواق خارجية جديدة، وأضاف الخبير الاقتصادي، هذا التحول سيساهم فى تحقيق نمو مستدام للاقتصاد المصري، ويعزز من فرص الاستثمار وتنويع مصادر الدخل الأجنبية لمصر.