أكد الدكتور أحمد مغاورى دياب الوزير المفوض ورئيس مكتب التمثيل التجارى لدى مفوضية الأمم المتحدة في جنيف، أن هناك العديد من التحديات التى تواجه منظمة التجارة العالمية بنظامها الجامد الثابت من أكثر من30 عامًا، ورغم التحديات التي تواجهها، إلا أنها لا تزال تلعب دورًا حيويًا في الاقتصاد العالمي، مشيرًا إلي أن مصر يمكنها الاستفادة من منظمة التجارة العالمية.
موضوعات مقترحة
جاء ذلك في حوار أجراه مع "بوابة الأهرام" نستعرض تفاصيله فيما يلي:
بينما تحتفل منظمة التجارة العالمية بالذكرى الثلاثين لتأسيسها، فهل نظام التجارة العالمي الذي تمثله المنظمة في الأساس غير قادر على الأداء أم أنه في حالة جمود عملياً؟
إن تعطل منظمة التجارة العالمية يعود إلى عدة أسباب، لكن هذا لا يعني أن المنظمة فقدت أهميتها، ولا شك أن فهم دور منظمة التجارة العالمية بشكل صحيح أمر بالغ الأهمية، كثيرًا ما يتم الخلط بين المنظمة والنظام التجاري المتعدد الأطراف ككل. يجب أن ندرك أن منظمة التجارة العالمية هي جزء من هذا النظام الأكبر، وليس كلّه.
ويشمل النظام التجاري المتعدد الأطراف مجموعة واسعة من الاتفاقيات والتكتلات الاقتصادية، مثل الاتفاقيات الإقليمية والثنائية، والمناطق الحرة، والاتحادات الجمركية. أمثلة على ذلك: الكوميسا، المنطقة التجارية الحرة الإفريقية، الشراكة الأوروبية، والاتفاقيات التجارية عبر الأطلسي والهادئ، كل هذه الاتفاقيات، إلى جانب منظمة التجارة العالمية، تشكل النظام التجاري المتعدد الأطراف.
وتتبوأ منظمة التجارة العالمية مكانة مركزية في هذا النظام المعقد، فهي توفر الإطار القانوني والقواعد الثابتة التي يحكم بها التجارة الدولية، هذه القواعد تحظى بالتزام غالبية الدول الأعضاء، والتي يزيد عددها عن 166 دولة.
ورغم التحديات التي تواجهها المنظمة، إلا أنها لا تزال تلعب دورًا حيويًا في الاقتصاد العالمي، فمنذ إنشائها عام 1995 لتحل محل اتفاقية الجات، أصبحت المنظمة مسؤولة عن إدارة مجموعة واسعة من الاتفاقيات التجارية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالزراعة، والصناعات، والخدمات، اتفاقية المنسوجات واتفاقية الجوانب التجارية المرتبطة بالاستثمار على الرغم من النمو المستمر لقطاع الخدمات، فإن مسألة تنظيمه لا تزال تثير قلقًا كبيرًا.
ولكن من المسؤول عن تنظيم هذا القطاع الضخم والمعقد؟
تمثل الجوانب التجارية المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية (تريبس) وقطاع الخدمات عمومًا ركيزة أساسية في الاقتصاد العالمي المعاصر. هذا القطاع الحيوي يشهد نموًا متسارعًا، مما يجعله محركًا رئيسيًا للتنمية الاقتصادية. يمكن تشبيهه بـ"الحصان الأسود" الذي يجب على جميع الدول استثماره وتطويره."
وعلى الرغم من أهمية قطاع الخدمات وتناميه المستمر، إلا أن مسألة تنظيمه تظل محل اهتمام كبير. فمن الذي يتولى تنظيم هذا القطاع الواسع والمتشعب. الجواب يكمن في أن التجارة العالمية للخدمات تتميز بدرجة عالية من الاحترافية، مما يطرح تساؤلات حول آليات تنظيمها وإدارتها. هنا نتذكر مثال عبدالحميد بن ممدوح، الذي كان له دور بارز في صياغة الاتفاقيات المتعلقة بقطاع الخدمات. هذا يدل على الدور المحوري الذي يلعبه الخبراء في هذا المجال.
ما أهمية منظمة التجارة العالمية؟ ولماذا نقول إنها تحتضر؟
الإجابة تكمن في الوظائف الأساسية التي تقوم بها، والتي تتمثل في التفاوض على الاتفاقيات التجارية، ومراقبة تطبيق هذه الاتفاقيات، وحل المنازعات التجارية التي قد تنشأ بين الدول الأعضاء، هذه الوظائف تجعل من منظمة التجارة العالمية ركنًا أساسًا للنظام التجاري العالمية، ودون الدخول في التفاصيل الوظيفة التفاوضية هي عملية التفاوض على معطيات وأحكام وقواعد واتفاقيات جديدة. يمكننا أن نأخذ اتفاقية صيد الأسماك كمثال. تم التوصل إلى جزء من هذه الاتفاقية في الوزارة السابقة، ولكن الجزء الآخر لا يزال قيد التفاوض، ورغم ذلك، فقد أودعت العديد من الدول صكوك التصديق الخاصة بها في المنظمة المعنية، مما يعني أن الاتفاقية قريبة من الدخول حيز التنفيذ.
وفي مصر، لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصديق على هذه الاتفاقية حتى الآن. ومع ذلك، فإن العديد من الدول الأعضاء في المنظمة قد أكملت إجراءات التصديق، مما يوضح أن عملية التفاوض مستمرة على الرغم من بعض التحديات.
رغم أن بعض الاتفاقيات الجديدة يتم التوصل إليها، إلا أن بعض الملفات التفاوضية الأخرى تواجه جمودًا. على سبيل المثال، مفاوضات اتفاقية الزراعة مستمرة منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا دون تحقيق تقدم يذكر، كذلك، فإن مفاوضات الخدمات تواجه بعض العقبات ولكنه عطل جزئي..
إن اتفاقية الزراعة تعد من أهم الاتفاقيات في منظمة التجارة العالمية، وتأثيرها كبير على نظام التجارة في المنتجات الزراعية. لذلك، فإن تعثر المفاوضات بشأنها يمثل تحديًا كبيرًا للمنظمة.
وأعتقد أن إصلاح هذه الاتفاقية من شأنه أن يعيد الحياة لمنظمة التجارة العالمية التي تعاني من جمود وظيفي منذ فترة، ومع ذلك، هناك جانب آخر مثير للقلق، وهو خيبة أمل الدول النامية من عدم تحقيق أهداف التنمية التي كانت تطمح إليها من خلال هذه المنظمة.
إن غياب تعريف واضح للتنمية في منظمة التجارة العالمية يمثل عقبة كبيرة، صحيح أن اتفاقية مراكش المنشئة للمنظمة تتحدث عن زيادة مستويات المعيشة ورفع نصيب الدول النامية في التجارة، إلا أنها تفتقر إلى آليات واضحة لتحقيق هذه الأهداف.
وعندما سعت منظمة التجارة العالمية للإجابة على سؤال تصنيف الدول، اعتمدت على تقسيم بسيط إلى دول متقدمة ونامية وأقل نموًا. إلا أن هذا التصنيف، وإن كان مبسطًا، فشل في تلبية احتياجات الدول النامية وتحديدًا في مسألة إعادة تعريف مفهوم التنمية بما يتناسب مع ظروفها.
إن التنمية ليست مجرد تصنيف، بل هي عملية ديناميكية تتطلب إعادة تعريف مستمر، في لحظة تاريخية معينة، تجمدت فكرة تقسيم الدول إلى هذه الفئات، دون مراعاة التغيرات والتطورات التي تشهدها الدول النامية.
كانت كوريا الجنوبية، في وقت ما، تكافح من أجل الخروج من أوضاع اقتصادية صعبة، في حين لم تكن الصين قد انضمت بعد إلى منظمة التجارة العالمية. اليوم، وبعد أن حققت قفزات نوعية في اقتصادها، تسعى كوريا الجنوبية بشكل أحادي الجانب إلى الانتقال من تصنيف الدول النامية إلى مصاف الدول المتقدمة.
وفي عام 2001، انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية، مما أحدث تحولاً جذرياً في النظام التجاري العالمي. ظهور قوة اقتصادية كبرى مثل الصين كلاعب أساسي في التجارة الدولية والاستثمار أدى إلى تغييرات عميقة في خرائط التجارة والصناعة والقيمة المضافة وسلاسل الإمداد العالمية.
ومع تطور التقنيات الحديثة مثل الإنترنت وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، استمرت هذه الخرائط في التغير بوتيرة متسارعة. التغيرات المناخية أيضًا أضافت بعدًا جديدًا لهذه التحولات، حيث دفعت الدول إلى اتخاذ إجراءات أحادية الجانب لحماية بيئاتها، فلم تعد قادرة منظمه التجارة العالمية بنظامها الجامد الثابت من اكتر من30 عاما علي مواكبة التغيرات.
كيف يمكن تنفيذ إصلاح منظمة التجارة العالمية؟
المشكلة الأساسية تكمن في عجز منظمة التجارة العالمية عن تطوير مفهوم جديد للتنمية. هذا المفهوم يجب أن يكون شاملًا ويراعي الاختلافات بين الدول، ويوفر المرونة اللازمة لمعاملة كل دولة وفقًا لاحتياجاتها الفعلية.
النظام الحالي يعتمد على مفهوم "المعاملة الخاصة التفضيلية" الذي يهدف إلى مساعدة الدول النامية وأقلها نموًا. لكن المشكلة تكمن في أن خريطة العالم الاقتصادية تغيرت بشكل كبير. هناك دول نامية مثل كوستاريكا والبرازيل أصبحت تتمتع بقدرات تنافسية عالية جدًا في الاقتصاد العالمي.
الأمر المثير للاهتمام هو أن بعض الدول النامية، مثل كوستاريكا، تتبنى مواقف أكثر تشددًا في مفاوضات منظمة التجارة العالمية مقارنة بالعديد من الدول المتقدمة.
هذا يدل على أن النظام الحالي لم يعد يعكس الواقع الاقتصادي الحالي، مشكلة التصنيف الحالي للدول النامية تتجلى بوضوح في صعوبة تطبيق المعايير بشكل عادل هذه الحقيقة تعقد عملية التفاوض على الاتفاقيات التجارية.
أحد الأمثلة الواضحة على هذه المشكلة هو مجال الزراعة، العديد من الدول النامية تحتاج إلى مرونة في الاتفاقيات التجارية لزيادة إنتاجها الزراعي، ومع ذلك، فإن تصنيف الدول إلى متقدمة ونامية وأقل نموًا يحد من هذه المرونة. فمن غير المنطقي منح دولة نامية متقدمة في مجال الزراعة نفس المعاملة التفضيلية التي تحتاجها دولة نامية أخرى تعاني من نقص في هذا المجال.
إعادة تعريف الدول النامية أو إعادة صياغة او فلسفة او إعادة النظر في فلسفة تكوين المعاملة الخاصة التفضيلية بشكل يتناسب مع القدرات الفردية للدول. وهذا موضوع صعب جدا ومعقد.
إذا حدث هذا التغيير، فكيف ستستفيد البلدان النامية؟
قد يكون هذا الطرح مقبولاً علميًا، إلا أنه يواجه تحديات تفاوضية، نظراً للقيود المفروضة من منظمة التجارة العالمية. ويضاف إلى ذلك، فإن هذا العامل يعقد عملية التفاوض، حيث يتطلب الأمر موافقة جميع الدول الأعضاء، ولأسباب تتعلق بآلية اتخاذ القرار بالإجماع، فإن معارضة دولة واحدة كافية لرفض المقترح.
إذا اتفقنا على ضرورة تقديم معاملة تفضيلية لهذه الشريحة، فإنه يتعين علينا إعادة تصنيف الدول إلى شرائح جديدة، تتجاوز التقسيم التقليدي بين الدول المتقدمة والنامية. هذا صحيح. ولكن تطبيق هذا المقترح مشروط بموافقة جميع الدول الأعضاء، حتى لو كانت دولة واحدة، مثل مصر على سبيل المثال، تعارض هذا المقترح، فلن يتم تطبيقه.يعرقل الوظيفة التفاوضية فكرة أن منظمة التجارة العالمية ستتحول إلى مناقشة قضايا بعيدة عن التجارة التقليدية. فمنظمة التجارة العالمية نجحت لأنها ركزت على ملفات محددة مثل التجارة في الحاصلات الزراعية، وحماية حقوق الملكية الفكرية، والاستثمار، والخدمات، والإغراق، وغيرها من القضايا التجارية الملموسة.
اما الآن، فإن الدول المتقدمة تطرح قضايا جديدة مثل العلاقة بين التجارة والمسائل الجندرية، والسلام، والشمول، والاستدامة، والبيئة. هذه قضايا مهمة ولكنها غير محددة المعالم ولا يوجد اتفاق تجاري خاص بهذه القضايا. لذلك، فإن طرح قضايا جديدة وغير مكتملة الفهم يضع الدول النامية في موقف صعب، حيث تدخل المفاوضات دون فهم واضح للأهداف والمحددات
اذن أنت لا تنفذ ما تم الاتفاق عليه، وبدلاً من ذلك تقدم لي مقترحات جديدة وأجندات لا أفهمها. هذا يثير شكوكاً حول نواياك الحقيقية، خاصة عندما تدعي أن هذه أجندة تنمية جديدة، إن عدم وجود أرضية مشتركة واضحة بين الدول النامية والمتقدمة يجعل من الصعب بلورة أجندة عمل موحدة.
كيف يمكن لمنظمة التجارة العالمية أن تفيد مصر؟
لتوضيح أهمية المنظمة، دعونا نأخذ مثالًا سريعًا: حتى لو كانت الآلية التفاوضية داخل المنظمة تواجه بعض التحديات، فإن مجرد وجود نظام متفق عليه يمثل قيمة كبيرة لدولة نامية مثل مصر. ولكن، ما هي الفوائد الأخرى التي يمكن لمصر أن تستفيد منها؟ بافتراض أن هناك حوالي 30 اتفاقية دولية، وكل اتفاقية تحتوي على متوسط 30 مادة، فإن مصر مرتبطة بحوالي 900 مادة في إطار منظمة التجارة العالمية.
يمكننا تقدير أن نصف هذه المواد تمثل حقوقًا لمصر، والنصف الآخر يمثل التزامات عليها. هذا النظام يوفر إطارًا واضحًا للعلاقات التجارية الدولية. إذا استطاعت مصر الاستفادة من حقوقها ضمن منظمة التجارة العالمية، وكذلك تجنب المخالفات التي قد تنشأ عن عدم الالتزام بهذه الالتزامات، سيساعدها ذلك على تجنب التعارضات التي قد تنشأ بين تشريعاتها وإجراءاتها والتزاماتها الدولية. وبالتالي، سيكون من الأسهل على مصر صياغة سياسة تجارة خارجية متسقة ومتوافقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية. من خلال فهم حقوقها والتزاماتها، يمكن لمصر وضع سياسة تجارية خارجية فعالة، سيمكنها من زيادة صادراتها واستهداف أسواق جديدة وتحديد نقاط قوتها وضعفها بشكل أفضل. نتمنى أن تتمكن الوزارة الجديدة من مواجهة هذا التحدي.
يشكل عدم وجود تعريف واضح للتنمية في منظمة التجارة العالمية عقبة رئيسية، صحيح أن اتفاقية مراكش المنشئة لمنظمة التجارة العالمية تتحدث عن تحسين مستويات المعيشة وزيادة حصة الدول النامية في التجارة، إلا أنها لا تتضمن آليات واضحة لتحقيق هذه الأهداف.