على مدار الصراع الدائر بين حزب الله وإسرائيل كان هناك اتفاق ضمني بين الطرفين على ما يعرف بـ"قواعد الاشتباك" أي أن كل طرف لديه رقابة ذاتية في ضرب الآخر في مناطق حدودية لا تصل إلى عمق الأراضي ولا تتجاوز الخطوط الحمراء بالمفهوم العسكري إلا أن الأيام الأخيرة شهدت خرقا لهذه القواعد وكشفت العمليات العسكرية الدائرة بين الطرفين عن رسائل نارية متبادلة تجاوزت قواعد الاشتباك إلى أعتاب حرب شاملة ربما تنشب بين ليلة وضحاها.
إسرائيل مدفوعة من التيار المتطرف بقيادة نتيناهو وأنصاره تبحث عن تغيير قواعد اللعبة مع حزب الله عبر دفع قوات الحزب إلى ما وراء نهر الليطاني، لمنع تهديداته للشمال الإسرائيلي والتي تسببت في تهجير نحو 60 الف أسرائيلي وفق ما تراه تل أبيب تهديدا أمنيا بل ووجوديا لكن الأمر في الحقيقة يتجاوز هذه الحسابات ويتخطى تلك المعادلات.
إسرائيل التي تمارس حرب إبادة في غزة قاربت على العام على مرأى ومسمع من العالم أجمع دون أن يتحرك له ساكن، ولا تتجاوز ردود الفعل الدولية سوى دعوات هزيلة تطلق على استحياء لوقف الحرب دون أن يكون هناك ضغط حقيقي يردع هذا الكيان الإرهابي عن تنفيذ مخطط بات واضحا واهدافه بينة ومكشوفة؛ حيث أصبحت لديها قناعة كاملة بغياب الردع الدولي لها؛ سواء على مستوى المنظمات الدولية أو الإدارة الأمريكية فانخرطت ببربرية ووحشية في إشعال الحروب بالمنطقة مستغلة تلك الظروف السياسية التي يمر بها العالم وحالة الضعف التي تعاني منها المنظمات الدولية؛ وفي مقدمتها الأمم المتحدة، وكذلك ضعف الإدارة الأمريكية الحالية في ظل ظروف الانتخابات الرئاسية.
قبل أيام مع بدء قوات الاحتلال ضرب الجنوب اللبناني قال نيتياهو إن إسرائيل بدأت للتو تغيير الشرق الأوسط في إشارة واضحة إلى توسيع دائرة الحرب والسعي نحو تنفيذ المخطط الذي وضعه المتطرفون اليهود الذي يهدف إلى توسيع الوجود الإسرائيلي.
عبر الإبادة الشاملة واشعال الحروب في المنطقة، كما لا يمكن فصله عن الصراع الإسرائيلي الإيراني، ومحاولة إسرائيل كسر ما تسميه بأذرع إيران في المنطقة والتي تعتبر حزب الله من بينها.
كما لا يمكن فصل ما يجري في غزة عما يحدث وسيحدث في الضفة الغربية من عمليات تدمير وتهجير، وما تقوم به قوات الاحتلال في جنوب لبنان فالهدف الإسرائيلي هو القضاء على المقاومة وتوسيع دائرة الاستيطان والتهام المزيد من الأراضي العربية بما يؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني وهو الهدف الأكبر للكيان الإسرائيلي.
تلك هي الأهداف وهذا هو المخطط لكن هل تنجح إسرائيل في تنفيذ ما تسعى إليه؟ المؤكد أن الأمر ليس بالسهولة التي يتصورها المتطرفون اليهود، فالبرغم مما تمتلكه إسرائيل من أسلحة متطورة إلا ان هذا الكيان يواجه أزمات كبيرة ويكفي الإشارة إلى أنه ما زال عالقا في غزة، رغم مرور عام من حربه على القطاع؛ استخدم فيها كل الأسلحة الفتاكة، وبدعم لا محدود من أمريكا والدول الغربية، كما أن دخول إسرائيل في حرب مع حزب الله لن يكون نزهة لها في الجنوب اللبناني، فإذا كانت تمتلك سلاحا جويا قادرا على إحداث تدمير واسع في البنى التحتية فإن حزب الله أصبح قادرا على الوصول إلى عمق إسرائيل بصواريخه وإحداث خسائر كبيرة لا يتحملها مجتمع الكيان الصهيوني، وهو ما ظهر خلال الساعات الماضية؛ بعد ضرب صواريخ حزب الله منطقة حيفا لأول مرة؛ مما تسبب في خسائر كبيرة ونشوب حرائق بعدد من المناطق؛ مما دفع السكان للاختباء في الملاجئ.
المؤكد أن رهان المتطرفين اليهود سيفشل، وأن النار التي يشعلها نتنياهو في المنطقة لحسابات شخصية وحزبية زائفة؛ بغية إطالة أمد الحرب والبقاء في السلطة لن تجلب لإسرائيل إلا النار.
ويقينا أن قيام هذا الكيان المحتل بإشعال جبهة الجنوب اللبناني لن يجلب له الأمن كما يزعم بل سيجر المنطقة بأكملها إلى صراع طويل، وربما حرب إقليمية لن ينجو من تداعياتها أحد حتى وإن كانت إستراتيجية إسرائيل عدم الدفع إلى حرب شاملة كما يزعم قادتها.
[email protected]