Close ad

حكايات من الواقع: رجل آخر .. !

23-9-2024 | 13:42
حكايات من الواقع رجل آخر  أرشيفية
خالد حسن النقيب

طاقة نور هى ما يحتاجه الإنسان فى مرحلة من حياته يكون فيها بأمس حاجة لما يقشع ظلمة أحاطت به تطبق على روحه توشك أن تقضى عليه.

موضوعات مقترحة

عشت مرحلة من حياتي كانت هي العذاب بعينه رغم أن حياتى  مع زوجتي و ابنتنا الوحيدة كانت سعيدة إلا أن الأقدار كانت تخفي لي اختبارا قاسيا بوفاة زوجتي و ابنتي في يوم واحد حيث اختنقا من تسريب غاز البوتاجاز أثناء تواجدي بعملي‏.‏

كم كانت الصدمة قاسية إلي حد القتل أجل شعرت وقتها أن رحيلهما قتلني علي قيد الحياة فكيف لي أن أعيش من دونهما.. لم أصدق و لم أع ذلك الواقع المرير غير اني رحت في غيبوبة عقلية فترة طويلة خضعت فيها للعلاج النفسي بضعة أشهر وبعد خروجي من المستشفي كان لوالدي دور كبير في إعادة تأهيلي نفسيا فقد كان واحدا من رجال الدين درس بالأزهر و قضي عمره يخطب في الناس توعية بدينهم و حياتهم..

استطاع أن ينتشلني من لجة الضياع و يدفع بي إلي طريق القرب إلي الله و اليقين أن له حكمة في كل مجريات الحياة.. تعلمت منه أن الدنيا التي أفقدتني أعز ما أملك فيها لن تستطيع أن تعميني عن حقيقة وجودي و رسالتي التي خلقني الله من أجلها.. كان نور اليقين و التسليم بفكرة القضاء و القدر هما النبراس الذي اهتديت إليه حتي اكتمل الوعي مني و بنفس اليقين و التسليم بمقتضيات الله و أقداره قررت أن أتزوج و أبدأ حياتي من جديد.. كنت أشعر اني رجل آخر..

تغيرت عقليتي و وعيت من الحياة ما لم أكن أعي من قبل.. أكسبتني التجربة القاسية صلابة التعايش في الدنيا و مكابدتها كي أزرع بذور السعادة من جديد, استخرت الله سبحانه و تعالي و ارتبطت بإنسانة كانت لي أشبه بطوق النجاة التمست به حياتي الجديدة, لم أنس زوجتي الراحلة و ابنتي, كنت كلما أشعر بالفراق ينهش قلبي و يدميه أمسك المصحف و أقرأ لهما قرآنا يثلج صدري و يصل إليهما رحمة و نورا و قد تعجب لو عرفت أن زوجتي الجديدة كانت تقرأ لهما معي من القرآن و تحتفي بصورهما المعلقة في البيت.. كنت أشعر أن رضا ربي علي كثيرا و لم تسعني الدنيا عندما عرفت أن زوجتي حامل.....! هل يعقل هذا ؟ هل تشرق شمس الرحمة في حياتي بنهار جديد و تطل علي صغيرتي من جديد بعينيها الزرقاوين و تقفز علي صدري بشقاوة سنها الفطري مرة أخري ؟

هل تزهر ياسمين من حولي مرة أخري.. يالرحمة الله و قدرته أهداني طفلة كانت عوضا جميلا عن كل ما راح مني.. الشبه بينها و أختها الراحلة كثير إلي حد التطابق.. و مضت بنا الأيام و تجددت الحياة و أسباب السعادة فيها بأن رزقني الله سبحانه و تعالي بثلاثة من الأبناء تباعا و عشت شاكرا حامدا نعمة ربي راضيا بما قسمه الله لي في الدنيا, ولكني عندما قرأت حكاية قلب ميت من حكاياتك من الواقع أشفقت علي بطلة القصة التي مازالت تعيش في أغلال مأساتها لا تبرح ألم و نار الفراق تضطرم فيها ليل نهار..

أردت أن أنير لها الطريق المعتم قاسي الظلمة كما أناره لي والدي و لعلك في ردك عليها أرشدتها إلي ما يشبه ذلك و استشهدت بقول الله تعالي من سورة التوبة{ ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلي الله راغبون} و لعلي أكون سببا في هدوء روحها فأنا لها نموذج مجسد لنفس المأساة التي عاشتها و تبدل الحال بي إلي ما هو أكثر سعادة و رضي و حسبها أن تلجأ لرب العزة تهتدي به ألا بذكر الله تطمئن القلوب.

و ـ  م

نفعك الله بوالدك يا اخي فقد كان لك البلسم الشافي بفضل قربه من الله و فضل نصحه لك و جعلك له الابن البار الوفي إن شاء الله.. أنا معك يا أخي في أن الطريق إلي الله هو خير طريق للنجاة لصاحبة رسالة قلب ميت و لعلها تعي أن الحياة لا تتوقف علي حدث ما أو مأساة نعيش مرارتها فقد خلقنا الله عز و جل في كبد بالحياة ولو أنها كانت جنة فما قيمة الحساب و الجنة و النار.. ما قيمة وجودنا في الدنيا حيث تكمن الحكمة فيها أن الحياة رسالة مكلفين بها مسيرين بها مخيرين في أسلوب التعايش بها,

ولعلها إن لم تفق من غفوة اليأس المتملكة منها سوف تقضي نحبها بما يشبه الانتحار النفسي.. أما إن ارتضت بحالها و وصلت إلي مرحلة اليقين بأن الله استرد أمانته عندما توفي زوجها وابنها لعل رحمته تشملها بالعوض في الخلف الصالح وزوج يعمل علي سعادتها فتتجدد معها الحياة مرة أخري, وهناك من أحاديث رسولنا الكريم ما يبعث الأمل في النفس و يجدده ففي صحيح البخاري من حديث ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: خط لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم خطا مربعا, وخط وسطه خطا, وخط خطوطا إلي جنب الخط, وخط خطا خارجا, وقال: أتدرون ما هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا الإنسان- للخط الذي في الوسط- وهذا الأجل محيط به, وهذه الأعراض- للخطوط التي حوله تنهشه, إن أخطأه هذا نهشه هذا, وذلك الأمل- يعني: الخط الخارج.

صدق رسول الله صلي الله عليه و سلم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: