مر 56 عاما على افتتاح معبدى أبوسمبل للزيارة، وهو الحدث الذي أذهل العالم بعد نقل المعبدين من أجل بناء السد العالي.
موضوعات مقترحة
الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار قال في تصريحات خاصة لـ"بوابة الأهرام" أنه فى العهد القديم فى عام ١٢٤٤ق م ولمدة واحد وعشرين عاما، قام المصريون فى عهد الفرعون رمسيس الثاني بنحت أكبر وأضخم معبد فى قلب الصخر فى منطقة أبوسمبل، ولم يكن نحت المعبد هو المعجز، ولكن هى المعجزة الهندسية الفلكية التى يشهدها المعبد كل عام، وهى ظاهرة تعامد الشمس، وتمر آلاف السنوات حتى عام ١٩٦٤م ليأتى أحفاد رمسيس ليقوموا بملحمة لا تقل عما فعله أجدادهم ليقوموا بعمل ماسمى بجزارة أبو سمبل ليتم تقطيع الجبل الذى يضم المعبد الكبير إلى ٨٠٧ قطع، والصغير إلى ٢٣٥ قطعة وبمساهمة خمسين دولة ومؤسسة بتكلفة ثلاثة وأربعين مليون دولار وبمشاركة ثلاثة آلاف عامل وخمس شركات دولية فرنسية وألمانية واثنتين سويدية ومصرية.
وأضاف شاكر: من خلال أضخم مشروع فى معجزة رائعة وسيفونية عزفها العالم أجمع من 1964/1968 حيث استطاعوا تقطيع ونقل المعبدين بارتفاع ستين مترا وبناء أضخم قبوة خرسانية قطرها ستون مترا، وبارتفاع اثنين وعشرين مترا، وعمل تل صناعى فوق القبة ٣٣٠ ألف متر من الحجر الرملى ليظهر شكل الجبل كما كان، وكان ذلك بإشراف اليونسكو ووزير الثقافة المصرى آنذاك د.ثروت عكاشة الذى أطلق النداء الدولى لإنقاذ آثار النوبة، وقد زار الزعيم جمال عبد الناصر المعبد عام 1961 قبل نقله.
- ظاهرة التعامد
وتشهد مصر ظاهرة فريدة من نوعها تتكرر مرتين فى العامن ظاهرة تعامد الشمس بمعبد أبو سمبل، ومن أهم المظاهر التي تميز المعبد عن غيره من المعابد المصرية دخول أشعة الشمس في الصباح المبكر إلي مكان بداخله يسمى "قدس الأقداس" ووصولها إلي التماثيل الأربعة، فتضئ هذا المكان العميق في الصخر، والذي يبعد عن المدخل بحوالي ستين متراً، ولقد كُتب كثيرا عن هذه الظاهرة.
وعن سبب تسمية هذا المعبد " بمعبد أبوسمبل يقول مجدي شاكر، إن أبو سمبل هو أشهر المعابد التي نحـتت في الجبال في عهد رمسيس الثاني.
وبدأ بناؤه في 1244 ق م قبل الميلاد واستمر لمدة 21 عاما تقريباً، وهو علي بُـعد 290 كم جنوب غرب أسوان، وكانت الرمال تغطي تماثيل المعبد الرئيسي حتى الركبتين وحدث زلزل فى العصور القديمة دمر جزءا من الواجهة.
وفي عام 1813م، عثرالمستشرق السويسري"جي أل بورخاردت" على كورنيـــــش المعبد الرئيسي. وتحدث " بورخاردت "عن هذا الاكتشاف مع نظيره الإيطالي المستكشف جيوفاني بلزوني اللذين سافرا معاُ إلى الموقع، لكنهما لـم يتمكنا من حفر مدخل للمعبد وعاد بلزوني في 1817م، ولكن هذه المرة نجــح في محاولته لدخول المجمع، وأخذ كل شيء قيم يمكن أن يحمله معه.
وربط البعض بين أسطورة أسم "أبو سمبل"، أنه كان فـتى محليا صغيرا هو الذي قاد المستكشفين إلى الموقع من جديد في وقت مبكر للمعبد المدفـون الذي كان يراه من وقت لآخر في الرمــال المتحركة.
في نهاية المطاف، أطلقـوا اسم أبو سمبل على المعبد تبعاً لاسم هذا الفتى.
- تعامد الشمس
في الساعة الخامسة وثلاثة وخمسين دقيقة من صباح يوم 22 فبراير أكتوبر من كل عام يتسلل شعاع الشمس ليهبط فوق وجـه الملك رمسيس فيضاً من نور يملأ قسمات وجه هذا الملك داخل حجـرته في قدس الأقداس في قلب المعبد، ثم يتكاثـــر شعاع الشمس بسرعة مكوناً حزمـــــة من الضوء تضئ وجوه التماثيل الثلاثة داخل قدس الأقداس.
يذكر أن حدوث تعامـــد الشمس على تمثال رمسيس كان يحـــدث يومي 21 أكتوبر و21 فبراير قبل عام 1964، إلا أنه بعد نقل معبد أبوسمبل بعد تقطيعه لإنقاذه من الغــــرق تحت مياه بحيرة السد العالي في بداية الستينات من موقعه القـديم الذي تم نحته داخل الجبل إلى موقعه الحالي، أصبحـت هذه الظاهرة تتكرر يومي 22 أكتوبر و22 فبراير، وذلك لتغير خطوط العرض والطول بعد نقـل المعبد 120 متراً غرباً وبارتفاع 60 متراً.
وتمت عملية نقل المعابد خلال عدة مراحل:
المرحلة الأولى
بإقامة سد عازل بين مياه النيل وبين المعبدين، وذلك لحماية المعبد من الغمر فى المياه التى ترتفع بسرعة.
المرحلة الثانية
تغطية واجهة المعابد بالرمال أثناء قطع الصخور.
المرحلة الثالثة
تقطيع كتل المعابد الحجرية ثم ترقيمها حتى يسهل تركيبها بعد النقل.
ثم نقلها إلى مكان المعبد الجديد والذى يبعد عن المكان القديم بحوالى 120 مترًا وعلى ارتفاع 60 مترًا عما كان عليه من قبل مما أدى إلى تغير موعد التعامد من 21 أكتوبر و21 فبراير إلى 22 أكتوبر و22 فبراير.
المرحلة الرابعة
بعد نقل جميع الأحجار من موقعها القديم، تم البدء فى تركيبها مرة أخرى، بداية من قُدس الأقداس أى آخر جزء بالمعابد من الداخل وحتى البوابة الخارجية.
المرحلة الخامسة
تم بناء قِباب خرسانية لعمل جبل صناعي بدلا من الأصلي والذي غمرته مياه بحيرة ناصر .
وتم لصق الحجارة على تلك القباب من الخارج لتعطي الشكل الطبيعي للصخور.
القباب أيضا فائدتها تخفيف حمل صخور الجبل الصناعي تلك على المعبدين.
وتدخل الشمس من واجهة المعبد لتقطع مســــافة 200 مترلتصل إلى قدس الأقداس لتضيء ثلاثة تماثيل من الأربـعة الموجودة في داخله، وهي تماثيل :
* رع حور أخت اله الشمس *
*تمثال رمسـيس الثاني
* تمثال أمون إله طيبة
* التمثال الرابع للإله بتاح رب منف وراعي الفن والفنانين وإلـه العالم السفلي فلا تصله أشــعة الشمس، لأنه لابد أن يبقى في ظلام دامس مثل حالته في العالم الســــفلي ـ ثم تقطع أشعة الشمس 60 متراً أخرى لتتـــــــعامد على تمثال الملك رمسيس الثاني وتمثال آمون رع إله طيبة، صانـــعة إطاراً حول التمثالين بطول 355 سم وعرض 185 سم.
المصريون قصدوا إدخال الشمس داخل معبد أبوسمبل الكبير لسبب ديني وهو ذكرى قصة الإله رع حور أختي رب الشمس المشرقة ولسبب عملي وهو تحديد ميقات بدء فصلي الزراعة والحصاد للأهالي البعيدين عن العاصمة التي يتوفر لها الفلكيون والإمكانيات الفلكية وقيل له علاقة بميلاد الملك وتتويجه.
- مكتشف الظاهرة :
أكتشفت هذه الظاهرة في عام 1874 حيث قامت المســتكشفة إميليا إدوارذ والفريق المرافق لها برصد
هذه الظاهرة وتسجيلها في كتابها المنشــور عام 1899 م "ألف ميل فوق النيل" والذي جاء فيه :
( تصبح تماثيل قدس الأقداس ذات تأثير كبير، وتحــاط بهـالة جميلة من الهيبة والوقار عند شروق الشمس وســـقوط أشعتها عليها ).. واستطردت قائلة :
( إن أي مشــــاهد إذا لم يراقب سقوط أشعة الشمس هذه يساوره شك في أثرها القوي المحسـوب بدقة حسب علم الفلك والحساب عند قدماء المصريين، حيث حُســــــــب بدقة ووجه نحو زاويـة معينة حتى يتسنى سقـوط هذه الأشعة على وجوه التماثيل الأربعة، ولاريب أنه امر " معجز ومبهر ".
فى النهاية نقول إن إنقاذ معبدى أبوسمبل الذى يعد تتويجا رائعا لأعمال إنقاذ آثار النوبة ودليلا على يقظة الضمير الإنسانى للحفاظ على تراثه التاريخى وعلى قيمة التعاون الدولى والذى نرجو أن يتكرر ثانية فى مناطق أخرى فى مصر.
أبو سمبل