في الوقت الذي يقف فيه العالم عند مفترق طرق، فإن قمة المستقبل في نيويورك هي أكثر من مجرد اجتماع لقادة العالم؛ إنها تمثل نقطة تحول حاسمة للبشرية، ولحظة حاسمة للتعاون العالمي، وسيركز هذا التجمع الحاسم لقادة العالم على صياغة اتفاقات دولية جديدة، تهدف إلى تحسين الظروف الحالية وحماية المستقبل للأجيال القادمة.
وتسعى القمة إلى معالجة الالتزامات الدولية طويلة الأمد والتحديات الناشئة، كل ذلك من خلال وثيقة شاملة وقابلة للتنفيذ - ميثاق المستقبل.
إن المستقبل يتطلب قرارات جريئة اليوم.. لحظة حاسمة لتعددية الأطراف والتعاون العالمي
لقد أصبح التعاون العالمي الفعال أكثر أهمية، ولكنه لا يزال بعيد المنال، وخاصة في خضم الصراعات المستعرة، والتوترات الجيوسياسية المتفاقمة، والاستقطاب، وانعدام الثقة المتزايد في الأنظمة المتعددة الأطراف، وهذه العوامل تضعف المبادئ الأساسية للدبلوماسية الدولية وصنع القرار.
ولمواجهة هذه العقبات، تهدف القمة إلى إعادة تنشيط النظام الدولي، وضمان استعداده بشكل أفضل لمواجهة التحديات العالمية الحالية والمستقبلية، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس مؤخرًا، "لا يمكننا بناء مستقبل لأحفادنا، بنظام مبني من أجل أجدادنا".
تنشيط خطة عام 2030
ويتمثل أحد الأهداف الرئيسية للقمة في إعادة تنشيط خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وأهداف التنمية المستدامة، فإن أهداف التنمية المستدامة هي أفضل مخطط لدينا لحماية مستقبلنا المشترك، غير أن التقدم نحو تحقيق هذه الأهداف قد تعطل إلى حد كبير.
ولابد من اتخاذ إجراءات عاجلة وواسعة النطاق، إلى جانب السياسات والاستثمارات، لتسريع وتيرة التقدم وضمان تحقيق الأهداف في الوقت المحدد، وستكون هناك حاجة على وجه الخصوص إلى زيادات كبيرة في الاستثمار المالي في البلدان النامية، وبدون اتخاذ إجراءات عاجلة وواسعة النطاق، ستظل هذه الأهداف بعيدة المنال.
إن العديد من أفقر دول العالم تتصارع مع أعباء الديون الهائلة، وغالبًا تدفع في خدمة الديون أكثر مما تستطيع تخصيصه للخدمات العامة الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.
هيكل مالي جديد لواقع عالمي جديد
تسعى القمة أيضا إلى إجراء إصلاحات طموحة للنظام المالي الدولي؛ فالهياكل الحالية عفا عليها الزمن، ولا تمثل الحقائق السياسية والاقتصادية الراهنة تمثيلًا كافيًا، إن هناك حاجة إلى إصلاح شامل لضمان إدارة اقتصادية عالمية أكثر شمولا وفعالية، وسيساعد ميثاق المستقبل على معالجة مجالات رئيسة مثل تخفيف عبء الديون، والتعاون الضريبي الدولي، وتحسين الشروط المالية للبلدان النامية، ومن خلال القيام بذلك، يهدف الميثاق إلى إنشاء نظام مالي أكثر إنصافًا قادرًا على تسريع التنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم من خلال أدوات تمويل مبتكرة.
دور مصر وإسهاماتها في هذا المشهد العالمي
في هذه الحقبة التحولية، برزت مصر كلاعب رئيسي في النهوض بأهداف التنمية المستدامة من خلال برامجها المبتكرة وسياساتها الاستباقية، وتقدم مبادرة حياة كريمة في مصر، وبرنامج الترابط بين المياه والغذاء والطاقة (نوفي)، وغيرها من المشروعات أمثلة قابلة للتوسع والتطوير على كيفية معالجة البلدان لتحديات التنمية والاستدامة، مع التركيز على السياسات التي تركز على الإنسان وحلول التمويل المبتكرة.
لقد تبنت مصر إطارًا لإشراك الأطراف المعنيين المتعددين ويوائم التدخلات الإنمائية مع كل من الأهداف الوطنية وأهداف التنمية المستدامة، وقد أثبت هذا الإطار، الذي يدعمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فعاليته في تعزيز أثر المساعدة الإنمائية الرسمية وفي إيجاد نهج إنمائي أكثر شفافية وتركيزًا على النتائج.
تظهر العديد من المبادرات التي تم إطلاقها في السنوات الأخيرة، التزام مصر بالإجراءات التحويلية، وتشمل هذه المبادرات دليل شرم الشيخ للتمويل العادل، الذي يقدم مخططًا للأنظمة المالية المستدامة والمنصفة، وبرنامج تكافل وكرامة، الذي يتناول الحماية الاجتماعية والتخفيف من حدة الفقر، بالإضافة إلى ذلك، فإن مشاركة مصر في بنك التنمية الجديد لدول البريكس تسلط الضوء على نفوذها المتزايد في تمويل التنمية العالمية.
ويقدم برنامج الترابط بين المياه والغذاء والطاقة (نوفي) في مصر مثالاً قابلاً للتطوير والتوسع على كيفية تطبيق التمويل المبتكر، لتسهيل مشروعات التكيف والتخفيف من خلال التعامل مع المؤسسات المالية الدولية والشركاء الثنائيين، وقد استخدمت مصر بنجاح برامج مبادلة الديون وغيرها من آليات التمويل للاستثمار في رأس المال البشري، والأمن الغذائي، والتحول الأخضر.
وتسلط أدوات التمويل المبتكرة في مصر الضوء على إمكانية اعتماد حلول مماثلة على مستوى العالم، ويؤكد هذا النهج أهمية استثمارات القطاع الخاص، وآليات التمويل الأخضر، وبرامج مبادلة الديون في دفع التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
خلال قمة المستقبل، استضافت مصر والاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر حدثًا بعنوان "الاستفادة من التمويل المبتكر لتسريع التنمية المستدامة" ضم متحدثين رفيعي المستوى من مؤسسات التمويل الدولية والدول الأعضاء وشركاء التنمية والقطاع الخاص، وفي هذا الحدث، أعلنت مصر عن إستراتيجية التمويل الوطنية المتكاملة، وهي الأولى التي يتم إطلاقها في المنطقة، والتي تعرض جهود البلاد لتحقيق التوازن بين التمويل والتنمية والاستدامة.
استشراف المستقبل: الطريق إلى الأمام
وبينما نجتمع في قمة المستقبل، هناك شيء واحد واضح: إن المخاطر الآن أكبر من أي وقت مضى.. إن قمة المستقبل هي أكثر من مجرد اجتماع رفيع المستوى لقادة العالم - إنها فرصة حاسمة من أجل تشكيل مستقبل التنمية العالمية.
ويتعين على القمة أن تحفز الإجراءات الملموسة، بما في ذلك الإصلاحات المالية والسياسية، لضمان أن تظل أهداف التنمية المستدامة أولوية مركزية لكل الدول.
وتظهر بلدان مثل مصر كيف يمكن للنهج الذي يركز على الإنسان، إلى جانب التمويل المبتكر والتخطيط الإستراتيجي، أن يدفع التنمية المستدامة.
وبينما يستعد العالم لهذا التجمع الحاسم، سيكون للقرارات المتخذة آثار دائمة، وإن الطريق إلى الأمام واضح، ولكنه يتطلب عملًا جماعيًا، ومن الضروري أن نتعلم من بعضنا البعض، وأن ننهض ببعضنا البعض؛ لضمان أن تظل التنمية المستدامة في صميم الجهود العالمية.
هذه اللحظة هي نقطة التحول للالتزام بمستقبل لا تكون فيه أهداف التنمية المستدامة مجرد طموح، بل حقيقة واقعة.
* الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر (UNDP)