العشم والغشم نقطة واحدة تفصل بين معنى ومضمون كلا الكلمتين، هاتان الكلمتان اللتان وردتا في مَثل شعبي كنت أجهله، سمعته لأول مرة عندما نطقت به إحدى صديقاتي وهي توجه من خلاله رسالتها القوية إلىّ؛ رسالتها التي انطوت على بعض ملامح النصح لي، حدث هذا حينما فاض بها الكيل من طريقة تعاملي الطيبة مع طلب سخيف طلبته مني إحدى زميلات عملي ثم عادت لتكرره أكثر من مرة، مما اضطرني للموافقة على تحقيق مطلبها على الرغم من أن طلبها الأخير قد شابته شبهة التعبير بصيغة الأمر.
نهرتني صديقتي العزيزة بشدة لم أعتدها منها من قبل، وبدأت تناقشني في موقفي بشكل عقلاني ومنطقي، بدت كلماتها كعاصفة في بداية الأمر، ثم تحولت إلى دوامة غير مأمونة العواقب، وجهتها إلىَّ وهى تعلم هدفها وتحدد مقصدها، قالت كفاكِ بذلًا وعطاء لمن يسعون فقط لاستغلالك، فهم لن يفسروا الأمر كما ترينه أنتِ، إنهم يصنعون من موافقتك المتكررة جسورًا يمرون عليها ويمررون رغباتهم وسخافتهم عبرها، ذكرت لي هذا المثل كأنها تنذرني بانفجار آت عما قريب، محاولة بذلك إثنائي عن تنفيذ المزيد من المطالب، قالت لي في مثل شعبي بيقول: "العشم بيقلب بغشم" فقلت لها: "يعني إيه؟" فأنا لم أكن بالفعل قد سمعت هذا المثل من قبل.
تلقفت حيرتي سعيدة بها، ثم بدأت في شرحه لي وراحت تنتقي كلماتها وتفسرها بإسهاب مسترشدة بتجارب مرت عليها تذكرتها وذكرت نهاياتها التي حتمت عليها خسارة البعض، ألقت بكل ما لديها رغبة منها في تغيير قناعاتي متوقعة تغييرًا شاملًا في اتخاذي لقراري واختلافًا كبيرًا في ردة فعلي، قالت لي: "صدقيني أحيانًا الناس بتشعر بامتلاكهم للشخص" فأكملت معها حديثها، قائلة: "فعلًا دون مراعاة منهم لظروفه، خاصة عندما يطالبونه بشيء ثم يتبعوه بأشياء وهم يعلمون أن حياءه سيعجزه عن الرفض، وهنا تأتيهم الفرصة المنتظرة على طبق من ذهب فيرهقونه كما شاءوا، ويعرفون حينها متى ومن أين تؤكل الكتف؟
لعلك تعرضت يومًا مثلي لمثل هذا الموقف السخيف، حين غلبت إنسانيتك العالية ودماثة خلقك عليك نفسك، كلما تعرضت لاستغلال نفسي، وابتزاز عاطفي، وقفت حائرًا أمامه تتلفت راجيًا أن تأتيك شجاعة الاعتذار والرفض تود أن تنشر خارطة حدود جديدة لعطائك، وهذا ليس بالعيب، وهذا ليس بالذنب، إن كان رب العالمين جل في علاه لم يأمر عباده بما هو فوق طاقتهم، فما بالنا بإنسان ضعيف يطمع في ذلك مطالبًا به كحق مشروع ومكتسب.
علينا أن نتعلم فنون التعامل مع هؤلاء، علينا أن نتعلم متى نقول -لا- في وقت تمادى الآخرون فيه بالإلحاح والطلب متعمدين إحراجنا غير مبالين بنا، وبراحتنا أو مشاعرنا، يستنزفون طاقتنا بقصد وتعمد دون خجل من نفس اعتادت أن تلقي بأحمالها على الغير.