Close ad

محنة العائلات المشتتة والمخطوفة بكوريا واليابان

22-9-2024 | 15:08

بشبه الجزيرة الكورية، كما في اليابان، لا صوت يعلو على مآسي، تعيشها عائلات مشتتة بين الكوريتين، منذ توقف الحرب الأهلية 1950/1953، ومحنة تعانيها أسر مواطنين يابانيين، جرى اختطافهم -منذ عقود- على أيدي عملاء كوريين شماليين.

قبل عرض هاتين الحالتين الإنسانيتين، الداميتين للقلوب، أتوقف عند تطورين مهمين، وفي غاية الخطورة، شهدتهما شبه الجزيرة الكورية في الأيام الماضية، صاحبهما نبرة تصعيدية عالية، وتهديد ووعيد من العاصمتين بيونج يانج وسول.

في كوريا الشمالية، أشرف الزعيم كيم جونج أون-بنفسه- يوم الأربعاء الماضي على إطلاق صاروخ مزود برأس حربي "كبير للغاية"، يزن 4.5 طن، ويحمل اسم هواسونج بو-11-دا-4.5، وجرى التحقق من دقة الإصابة على مدى متوسط 320 كيلو مترا. في الوقت نفسه، جرى إطلاق صاروخ كروز إستراتيجي، وتحدث كيم عن الوضع السياسي والعسكري الخطير، بما يستدعي تعزيز القوة النووية لبلاده.

الرأس الحربي "الكبير للغاية"، يعد من بين قائمة الأسلحة عالية التقنية التي تعهد الزعيم كيم بتطويرها، بما في ذلك إطلاق قمر اصطناعي للتجسس، وصواريخ باليستسة عابرة للقارات تعمل بالوقود الصلب، وهو ما يعد انتهاكا لقرارات مجلس الأمن الدولي. وقد أظهرت الصور-التي نشرها وكالة الأنباء المركزية الرسمية- سقوط الصاروخ على ما يبدو أنه هدف بري، وهو ما يمثل أول كشف علني من نوعه، فيما جرت العادة سقوط مثل هذه الصواريخ بالسواحل الشرقية والغربية.

ردًا على هذا التطور الأمني الخطير، كشفت كوريا الجنوبية عن بدء العد التنازلي للإعلان -في الأول من أكتوبر المقبل- عن قيام جيشها بـ إنتاج "صاروخ وحشي"، برأس حربي هو الأثقل في العالم (يزن أكثر من 8 أطنان)، ويحمل اسم "هيمونو-5"، ومن المتوقع أن تكون قوته التدميرية مماثلة لقوة الأسلحة النووية التكتيكية.

وصرح الرئيس الكوري الجنوبي، يون صوك-يول، بأن بلاده أنشأت آلية يمكنها ردع التهديدات النووية والصاروخية الكورية الشمالية والرد عليها- بفعالية إستراتيجية "الردع الموسع" مع الولايات المتحدة- بدون الحاجة إلى امتلاك ترسانتها النووية الخاصة. وتعني إستراتيجية "الردع الموسع" التزام واشنطن بالدفاع عن حليفتها بكل ما لديها من قدرات عسكرية بما في ذلك النووية.

في الأسبوع الماضي، وافقت هيئة الرقابة النووية بكوريا الجنوبية على بناء مفاعلي "شين-هان أول" 3 و4، بعد نحو 8 سنوات من طلب شركة كوريا للطاقة المائية والنووية الحصول على التصاريح. وتم تعليق العملية في عام 2017 في ظل جهود إدارة الرئيس السابق، مون جيه-إن، للحد من الاعتماد على الطاقة النووية.

بمناسبة حلول الذكرى السادسة لإعلان بيونج يانج الذي وقعه مع الزعيم كيم، أعلن مون جيه-إن أن شبه الجزيرة الكورية تمر الآنبأخطر حالاتها، وقد يحدث صدام عسكري في أي وقت، مشيرا إلى أنه من المتهور والخطير التمسك بالأسلحة النووية، والعودة للماضي، بالدفع للمواجهة، مرة أخرى. وانتقد مون وصف كيم العلاقات مع كوريا الجنوبية بأنها معادية، بما يتعارض مع رغبة السلام والتوحيد.  

رغبة الشعب الكوري بشطريه الجنوبي والشمالي في السلام والتوحيد، تتجلى- بمرارتها وبأقصى معانيها الإنسانية المؤثرة- بالصور وبمقاطع الفيديو المتداولة، التي تم عرضها بتجمعات "لم الأسر المشتتة" نتيجة للحرب الأهلية 1950/1953.

وفقا لبيانات صدرت بكوريا الجنوبية يوم الأحد الماضي، بلغ عدد الباقين على قيد الحياة من أفراد الأسر المشتتة بين الكوريتين 37806 مواطنين كوريين، حتى نهاية شهر أغسطس الماضي، واستحوذ من يبلغون 80 عامًا أو أكثر على 66.5% منهم.

أظهرت البيانات أن نحو ألفي كوري جنوبي-من أفراد الأسر المشتتة- وافتهم المنية في الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، مما رفع العدد الإجمالي إلى 96352 متوفيا، بدون أن تتاح لهم فرصة لقاء أقاربهم بالشطر الشمالي منذ وقف الحرب.

حتى نهاية شهر أغسطس الماضي، تلقت سلطات كوريا الجنوبية طلبات تبلغ 134160 طلبًا للمشاركة بتجمعات "لم شمل الأسر المشتتة"، المتوقفة تماما على المستويين الحكومي والمدني لأكثر من عام بسبب تصعيد التوتر بين الكوريتين.

منذ القمة الأولى التي انعقدت في عام 2000، نظمت الكوريتان 21 جولة من جولات لم شمل الأسر المشتتة، وقد تم تعليق فعاليات لم الشمل الحكومية، منذ الفعالية الأخيرة التي انعقدت في شهر أغسطس عام 2018، وتسعى العائلات المشتتة في كوريا الجنوبية للحصول على المساعدة من وسطاء للقاء أقاربها المفقودين منذ فترة طويلة في الشمال، أو تأكيد مصائرهم أو تبادل الرسائل، ولكن لم تكن هناك حالات من هذا القبيل على الإطلاق في النصف الثاني من العام الماضي والنصف الأول من العام الحالي، وسط تردي العلاقات المتجمدة بين الكوريتين.

بالإضافة إلى "لم شمل الأسر المشتتة"، دعت سول نظيرتها بيونج يانج لإطلاق سراح 6 مواطنين كوريين جنوبيين، بمن فيهم التبشيرية كيم جونج أوك، جرى احتجازهم ضد إرادتهم في كوريا الشمالية، بما يتعارض مع معايير حقوق الإنسان.

يوم الثلاثاء الماضي (17 سبتمبر) صادف الذكرى الثانية والعشرين لأول قمة يابانية-كورية شمالية من نوعها. وقتها، كنت مراسلا للأهرام بطوكيو، واعترفت بيونج يانج، التي استضافت قمة كويومي-كيم جونج إيل التاريخية، بقيام عملائها باختطاف مواطنين يابانيين، أفرجت عن 5 منهم، وظل مصير 12 آخرين مجهولا.

على مدى السنوات الـ 22، توفي ثمانية من آباء المواطنين اليابانيين، المعترف بهم -رسميا من جانب بيونج يانج- بأنهم مخطوفون، ولم يبق على قيد الحياة سوى اثنين فقط، هما: والدة المختطفة يوكوتا ميجومي البالغة من العمر 88 عامًا، ووالد المختطف أريموتو كييكو البالغ من العمر 96 عامًا، وتطالب عائلات المختطفين بعودة أبنائهم، وحتى تتاح الفرصة للوالدين المتبقيين على قيد الحياة لرؤيتهم.

وفقا للإحصائيات الرسمية الكورية الشمالية التي قدمها الزعيم الكوري الراحل كيم جونج إيل لرئيس مجلس الوزراء الياباني الأسبق، كويزومي جونتشيرو، يصل عدد المختطفين إلى 13 مختطفا فقط، 8 منهم ماتوا في ظروف وحوادث طبيعية ولأسباب صحية و5 ما زالوا على قيد الحياة وجرى تسليمهم عقب قمة بيونج يانج.

وقتها، تفهمت اليابان توضيحات كوريا الشمالية حول ظروف اختطاف مواطنيها الخمسة المفرج عنهم، غير أن طوكيو لم تتفهم ملابسات وفاة باقي المختطفين، إما بالانتحار أو الطبيعية، أو بسبب تسرب الغاز أو نتيجة لاكتساح الفيضانات مقابرهم!

.. وهكذا تظل مشكلة المختطفين تشغل بال الرأي العام الياباني المحلي، وعلى رأس الأولويات، بالضبط مثل قضية "لم شمل العائلات المشتتة" بشبه الجزيرة الكورية.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: