كلنا يبحث عن نموذج طموح يتشبث به ويسعى به نحو المثالية وتحقيق رسالته في الحياة.. الشباب دائمًا هكذا طالما في دمائهم حرارة الحياة وفي ضمائرهم عمرانها وبناء لبناتها..
وهم في بحثهم الحثيث وسعيهم الدؤوب قد تتشتت بهم المساعي وتضل بهم السبل، فالشباب يفتقدون النموذج؛ بشرط أن يكون حقيقيًا ملموسًا وقابلًا للتحقيق.. والحق أن مصر ذاخرة بتلك النماذج التي ينبغى للشباب التماس القدوة منها بحق وتمعن وتفكر، لا مثل الفقاعات الواهية في الفن والرياضة تذهب وتجيء وتحقق لنفسها شهرة طارئة تستمر بعض الوقت، ثم تخبو دون أن ينتفع بهم المجتمع نفعًا حقيقيًا..
ولماذا نتعب ونبحث ونحن لدينا نموذج لامع يفرض نفسه فرضًا كأحد أفضل النماذج المثالية للطموح الحاسم نحو النماء والرغبة الهادفة لتحقيق أصعب المرامي والأهداف؟
وإنني أتساءل بحق: لماذا يتوجه الشباب لأهداف واهية ويتشبثون بطموحات تافهة، ومصر فيها ما فيها من متاعب ومصاعب تنوء بها الكواهل والأكتاف؟ لماذا لا يفكرون ولا يخططون ولا يطمحون كما يفعل ويفكر الدكتور مجدي يعقوب، الذى يستحق أن يكون نموذجًا وحلمًا يراود كل الشباب؟!
رجل العصر
إنه من القلائل الذين ملأوا هذا المقام الرفيع وأضافوا إليه وأنجزوا فيه.. وهو من النادرين الذين تتحدث أعمالهم عنهم؛ لأنهم يملكون قدرًا هائلًا من التواضع يدفعهم للنأي بأنفسهم عن حب الظهور والتعالي على الناس.. هكذا هو الدكتور مجدي يعقوب كما نعرفه..
ومعرفتى بشخص الدكتور مجدي لا تنفصل عن معرفتي بأسرته ذات الأصول المنياوية العريقة.. ولهذا يعتز دومًا بأنه ينتمى للطبقة المتوسطة التي لا تعرف إلا الاجتهاد والتفاني في أداء الواجب والرسالة.
لقد تخرج «يعقوب» في كلية طب قصر العيني جامعة القاهرة عام 1957، مثله مثل كل شاب مجتهد، المولود في 16 نوفمبر 1935، حيث يروي أنه قرر السفر للخارج لاستكمال دراساته في لندن، ولم تكن الحياة بالنسبة له يسيرة كطالب يدرس للحصول على الدكتوراه، ويعمل في بلاد الغربة والصقيع، ومن ثم مر بأوقات عصيبة ولحظات إحباط كأي منا، وبالتأكيد لم يكن يتصور وقتذاك أنه سيكون أحد أشهر ستة جراحين لزراعة القلب في العالم؛ بل وتسجل أعماله في موسوعة جينيس للأرقام القياسية؛ حيث أجرى 100 عملية جراحية للقلب في عام واحد فقط.
وأسس كذلك أكبر برنامج خاص بزراعة القلب والرئة في العالم، حيث قام بتطوير إجراء خاص بتبديل الأوعية القلبية للأطفال المصابين بعيوب خلقية في القلب.
الحق أنني، على المستوى الشخصي، أكن احترامًا وتقديرًا كبيرًا لهذا الرجل، وأعتبره بحق رجل العصر، والنموذج الذي نحتاج مثله في كل مجال.. وأعماله تشهد له.. وأهمها أنه مد يد العون لكل مرضى القلب في مصر وخارجها لإنقاذهم من شبح الموت الذي يطاردهم، فأسس جمعية سلاسل الأمل الخيرية، التي توفر العلاج للأطفال في شتى بقاع العالم.
نحمد الله أننا عشنا زمن مجدي يعقوب، هذا الإنسان النادر في حرصه على نفع أبناء وطنه بعلمه في مؤسسة القلب التي أسسها في مصر عام 2008؛ لعلاج مرضى القلب والأوعية الدموية غير القادرين على تحمل نفقات العلاج، وكذلك مركز القلب في أسوان، الذي تأسس منذ عام 2009.
رغم هذا كله لم يتوقف عطاء مجدي يعقوب حتى بعد تقاعده بعد بلوغه 65 عامًا، فما زال يجري جراحات القلب للأطفال في جمعيته الخيرية سلاسل الأمل، ويكد باحثًا عن طرق جديدة تسهم في تحسين جراحة زراعة القلب باستخدام الخلايا الجذعية... علنا نجد يومًا ما طبيبًا مصريًا مليئًا بطموح لا ينضب كالدكتور مجدي يعقوب..
كلنا نعرفه
أجمل ما في الموضوع شعورنا الدائم بأن الدكتور مجدي يعقوب رجل قريب منا.. لم يكن الأطباء قريبين من الناس كما هو مجدي يعقوب اليوم معهم.. فنحن نعرفه ونعرف عائلته؛ زوجته الراحلة (ماريان) وأبناءه، وهم موزعون في أماكن متباعدة على خريطة الدنيا، صوفي طبيبة مناطق حارة في فيتنام، وليزا درست العلوم الاجتماعية باللغة الإنجليزية وتعيش في بريطانيا، وأندرو يعمل طيارًا ويعيش في كاليفورنيا…
الرجال مواقف..
يكفي أن الرجل رفض أن يتخلى عن فقراء وطنه، ورضي بأن يترك منصبًا مهمًا في بريطانيا وأمريكا يدر عليه أضعاف ما سيحصل عليه كطبيب في منطقة نائية واقعة في مجاهل جنوب مصر، بينما نصحه الكثيرون بعدم العودة لمصر التي ليس بها سوى المشكلات والمتاعب، وله في سابقيه من العلماء والأطباء المثل والعبرة..
لكن يُحمد له أنه آثر خوض الصعاب والتمسك بحمل نصيبه من تكليفات الوطن، فعبر بمؤسسته الطبية عبور المقاتل حتى نال الثقة التي ترشح بها عن جدارة لحمل التكليف الأصعب طبيب القلوب بكل ما تمثله من أعباء وهموم.
برغم كل شيء..
لقد مرت مصر في السنوات الأخيرة بمصاعب وتحديات جسام، وقد عبرتها بكل اقتدار.. وبرغم كل تلك المصاعب ما زال لدينا أمل ما دام لدينا في مقدمة الصفوف رجال يحملون هم الوطن..
إنني في النهاية أعيد الدعوة لسائر الشباب أن يتخذوا من الدكتور مجدي يعقوب نموذجًا وقدوة كواحد من المصريين الذين حققوا رسالتهم في الحياة بفضل عمل دؤوب وطموح بلا منتهى.
[email protected]