تفاصيل قضية تشبه وقائع أفلام السينما، نظرتها محكمة الجنايات الاستئنافية، برئاسة المستشار خالد الشباسي، بعد أن تورط فيها واحدة من أخطر عصابات الاتجار في البشر.
موضوعات مقترحة
القصة بدأت قبل سنوات، حينما تزوج مدرس يعتبر كبير عائلته في إحدى قري الصعيد، من سيدة، لكن بعد فترة من الزواج لم يكتب له الإنجاب، ما دفعه للانفصال عن زوجته، والارتباط بأخرى في مدينة أكتوبر، مطلقة ومعها ولدان، يعيشان مع جدتهما لأمهما.
مرت فترة أيضا ولم تحمل الزوجة الجديدة، فاتجه الزوج إلى الكشف الطبي في محاولة لتحقيق أمنيته في الإنجاب ليكتشف أنه عقيم ولن يحقق ذلك الحلم؛ ساءت حالته النفسية، وفكر في تبني طفل، يعوضه عما فقده في حياته، لكن عادات أسرته التي يعتبر كبيرها في الصعيد منعته، ففكر يائسا في حيلة أخرى، اكتشفها عبر تصفح الإنترنت.
والمدرس في رحلته للبحث عن طفل، عثر على بعض الصفحات تبيع أطفالا حديثي الولادة، ففكر في أن يشتري واحدا يبدأ حياته في بيته، ويربيه كابنه، وفي كنفه ليعوضه عما فقده.
في نفس ذلك الوقت، وبعيدا عن المدرس، فتاة أغواها حبيبها، ومارس معها الرذيلة بلا زواج، فوجئت بأنها حامل، وفكرت في التخلص من الجنين، لتنهي مشكلتها، بعدما تنصل الأب من مسؤوليته اتجاهه، لكن قبل أن تقدم على فعلتها، ظهر زوج شقيقتها، وأخبرها أنها ليست مضطرة لقتل الجنين، بل يمكنها بيعه لشخص يرغب في تبني طفل، وأن تربح أيضا مبلغا ماليا كبيرا؛ فكرت في كلامه بسرعة ووافقت بالفعل.
وبينما المدرس يواصل بحثه على المنصات الاجتماعية، قابل زوج شقيقة الأم الحامل، والذي أخبره أن لديه أما حاملا ترغب في بيع طفلها، واتفقا على أن يشتري ما في بطنها بـ150 ألف جنيه، المدرس وافق فرحا، واشترط أن يسجل الجنين باسمه، وأخبر زوجته بنيته، وفي نفس الوقت أخبر أسرته في بلدته بالصعيد بحمل زوجته، بل وذبح عجلا فرحا بمولوده القادم بعد طول انتظار.
الفتاة الحامل، انتقلت بمساعدة شقيقتها وزوجها، لإحدى الشقق السكنية، وفرها لها آخران يعملان في الاتجار بالبشر، لكي تظل بها طوال فترة الحمل، وتبتعد عن المشكلات حينما تكبر بطنها، وأيضا لرعايتها بشكل جيد، لضمان سلامتها ومولودها، ويوم الولادة اصطحبها المدرس إلى مستشفى في مدينة السادات، وأدخلها هناك للولادة على أنها زوجته، واستخدم بيانات زوجته لتسجيلها في سجلات المستشفى، ومن ثم استخراج أوراق المولود وشهادة ميلاده باسمه.
مفاجأة سارة جديدة كانت في انتظار المدرس في المستشفى، فجانب نجاح حيلته لتسجيل المولود باسمه، فقد فوجئ بأن الفتاة كانت حاملا في فتاتين توأم، ستكونان ابنتيه، وبالفعل انتهت الولادة، وحصل على الرضيعتين، وخرجت أمهما من المستشفى، وبعدها ذهب إلى مكتب الصحة وسجلهما باسمه.
عاشت الطفلتان مع المدرس وزوجته، وأحبهما وزوجته بصدق، لمدة عامين، قبل أن يفارق الرجل الحياة، ويتركهما لزوجته، التي قررت أن تحافظ على السر، وأنهت إجراءات الوفاة وإعلام الوراثة متضمنا الطفلتين.
بعد فترة بسيطة على وفاة الزوج، كشفت الحقيقة عن وجهها بطريقة غريبة، إذ تمكنت أجهزة الأمن من القبض على عصابة الاتجار في الأطفال، وتتكون من الشخصين الذين أويا الأم والدة الطفلتين الحقيقية، وشقيقتها وزوجها، وفي التحقيقات اعترفوا بكل تفاصيل بيع الفتاتين، ما دفع أجهزة الأمن للاتجاه لضبط الزوج المدرس، لكن تبين أنه توفى، وألقي القبض على زوجته باعتبارها شريكة في الجريمة، وتم إيداع الطفلتين دار رعاية.
الأم البديلة، زوجة المدرس في تحقيقات النيابة العامة، أكدت أنها لم تشارك في جريمة الاتجار في البشر، ولا تعرف تفاصيلها، لكنها كانت تنفذ رغبته فقط، وأكدت أن عددا بسيطا من أقارب المتوفى يعرفون التفاصيل؛ وأضافت أنه بعد وفاته، قررت أن تحافظ على سره وتنفذ رغبته حتى النهاية.
وبإحالة المتهمين لمحكمة الجنايات، وبعد نظر تفاصيل القضية، قررت محكمة أول درجة سجن أفراد العصابة 5 سنوات وتغريم كل منهم 100 ألف جنيه؛ والسجن 4 سنوات للأم البديلة وتغريمها 100 ألف جنيه.
النيابة العامة طعنت على الأحكام الصادرة بحق المتهمين بالاتجار في البشر، وبيع الأطفال، كما طعنت أيضا الأم البديلة على الحكم الصادر ضدها.
وقررت محكم الجنايات المستأنفة برئاسة المستشار خالد الشباسي، وعضوية المستشارين تامر الفنجري، ومحمد القرش، وبحضور رئيس النيابة محمد فتحي، قبول الطعن من النيابة وقضت مجددا بالسجن المشدد 10 سنين وغرامة مليون لكل متهم من أفراد العصابة.
أما الأم البديلة، فقضت المحكمة بتخفيف حكمها إلى سنة مشدد مع إيقاف التنفيذ، وذلك لعدم وجود ثمة دور لها في عملية شراء الطفلتين، لكنها ارتكبت جريمة تزوير حينما استخرجت إعلان وراثة يتضمن الطفلتين.
المحكمة في حيثيات حكمها قالت إنها أخذت الأم البديلة بقدر من الرأفة والرحمة، لأن هدفها كان الحرص على رضاء زوجها وتنفيذ رغبته حيا وميتا، بمعرفة بعض أقاربه، كما تبين لها أنها كانت تحسن رعاية الصغيرتين وأحبتهما بصدق، حتى أنها حاولت إعادتهما إلى حضانتها من دار الرعاية، وتقدمت بطلب للسلطات بذلك.
كما شهد أقارب الزوج المتوفى، بأنها لم يكن لها أي دور في الاتفاق مع العصابة، خاصة أن الله رزقها بطفلين من قبل، لكنها كانت تقدر رغبته في أن يكون له أطفال يحملون اسمه، ولم ترغب في فضح فعلته بعد وفاته.
ومن جانبها قضت المحكمة أيضا بانقضاء الدعوى ضد المدرس، لوفاته.